ترسل الدول عامة و الدول التى فى طريقها للتقدم خاصة ببعثات فى جميع المجالات، و ذلك للأستفادة من الخبرات سواء العلمية أو الأدارية و التنظيمية بالأضافة للخبرة فى محاربة الإجرام.


فتقوم الجامعات مثلاً بإرسال بعض الدارسين فيها للخارج لنوال الدرجات العلمية و العودة بالخبرات العالمية. و هذه البعثات هى بعثات يشجعها النظام المصرى و الحكومة المصرية، فهى ضرورية جداً للأسراع فى مسيرة التقدم.

ولكن الجديد إن التاريخ الحديث قد إضاف نوع آخر من البعثات هى بعثات لا ترسلها الحكومة أو الجامعات أو الشركات، لكنها بعثات شعبية عامة ذهبت للخارج بدون ترتيب أو تنظيم أو فضل من أحد و لأسباب أخرى غير التعلم أو نقل الحضارة، و هذه الأسباب هى فى الغالب أسباب..إقتصادية أو للبحث عن الحرية بصفة عامة. و لكن الغريب فى الأمر أنها تحولت مع الوقت إلى مجموعات إجتماعية فى كل مكان.


رأت هذه المجموعات الفارق الكبير بين ما يحدث فى الدول المتقدمة من حرية و حقوق إنسان و فكر. رأت هذه المجموعات أو ما يمكن أن نطلق عليه rdquo;البعثات المستقلةldquo; أن هناك ما يمكن أن تنقله إلى أوطانها الأصلية.


كان من السهل على هذه البعثات المستقلة أن تختار العيش فى سهولة و رغد فى أوطانها الجديدة و الأبتعاد عن كل ما يعكر صفوها أو يشغل عقلها من مشاكل الوطن الأم (تطبيق مبدأ و أنا مالى فقد هاجرنا على أية حال). فقد قرر هؤلاء المهاجرون أختيار الطريق الصعب... طريق العطاء و المحبة.

و من أبرز هذه البعثات فى الوقت الحالى هى الهيئات القبطية فى خارج مصر، التى لم و لن تنسى فضل و طنها الأم و إنتمائها و إخلاصها الذى سيستمر للأبد... و قد رأينا كمصريين فى الخارج كيف تكون حرية التفكير و حرية التعبير،فمن حق الجميع أن يبدى رأيه فى ما يريد و بالطريقة التى يريدها و فى الوقت الذى يريده طالما لا يعتدى على حق الآخرين (و هذا ينطبق أيضاً على العبادة و خلافه) و هذا حق طبيعى تكفله له جميع الدساتير فى الدول المفكرة، و ليس حق ممنوح من أحد. و لمسنا كيف يُعامل المواطن و كيف يكفل القانون و القضاء المساواة بين المواطنين على إختلاف معتقداتهم أو لون بشرتهم. و القضاء هنا هو فعلاً الميزان الذى يبقى المجتمع متزناً بدون خلل.... نعم ربما يكون هناك إضطهاد من بعض صغار النفوس الذى لا يخلو منهم أى مجتمع، و هنا تكمن روعة الجهات التشريعية و التنفيذية فى مدى تنفيذها و تطبيقها للقانون و بدون تمييز.


كان من الطبيعى أن نرى رجل شرطة فى مصر يوجه إهانة إلى أحد ما من البائعين الجائلين مثلاً أو من سائقى الأجرة المخالفين، و كنا نعتقد أن هذه هى الطريقة الوحيدة و إنها من مهام وظيفته. كان من الطبيعى أن نحمل وثيقة إثبات الشخصية فى مصر و بها خانة تقول أن صاحب هذه الوثيقة يدين بالديانة المسيحية أو بالأسلام لأنها (على ما كانوا يفهموننا) أمور تنظيمية.. كان من الطبيعى أن نرى المرأة تذل و تهان و يحق لزوجها أن يلطمها ليؤدبها و عليها أن ترضى بذلك لكى تعيش مع رجل ينفق عليها ويرعاها.. بل كانت المرأة تصدق أنها ناقصة للعقل أو أنها مصدر للنجاسة.


ثم كان التغيير فى أفكارنا من ما تعلمناه مِنْ مَن يستعملون عقلهم قبل سواعدهم و يستعملون كلماتهم قبل سلاحهم، تعلمنا أن الشرطة مهمتها حماية المواطن و خدمته مهما دنت درجته فى المجتمع و ليس إهانته و تعذيبه و إستعباده. رأينا أن من يثبت عليه العنصرية ضد الأجانب أو ضد من هو مختلف فى العقيدة يحاكم و يعاقب إذا ثبتت إدانته.. ففى هولندا رأينا مثلاً الصدق فى تطبيق القانون على بعض الشباب الهولنديين عندما أرادوا الأنتقام من مقتل المخرج فان جوخ على يد متطرف مغربى فقاموا بإلقاء زجاجة بمادة حارقة على مدرسة إسلامية بعد منتصف الليل. فيتم القبض عليهم (بالرغم من المشاعر الغاضبة من الجريمة البشعة فى حق المخرج الهولندى) و معاقبتهم و كان هذا رادعاً لكل من كانت تسول له نفسه القيام بأعتدائات أخرى... فتمنينا أن يطبق هذا بالمثل على من يعتدوا فى كل يوم و أمام أعين الشرطة على الكنائس و الأديرة و المسيحيين فى مصر وطننا... إنما يكون التستر على الجريمة و تضليل الرأى العام مما يشجع المتطرفين على المزيد من الأعتدائات.


رأينا المرأة- فى الدول المتقدمة فى الفكر و العلم - واثقة فى نفسها و تصل إلى أرفع المناصب بدون أن تشعر بالنقص فى أى شيئ.
قررنا بدون أن نخطط أو أن يكلفنا أحد أن نكون البعثات التى أرسلها عموم الشعب المصرى لتنقل إليه التطور و الفكر المتقدم، لنساعد وطننا الأم لينفض التراب عنه و يقوم ليعرف معنى الحياة... و لكن المتطرفين بالطبع يضايقهم هذا أشد الضيقة لأنه يفضح أمرهم و يساعد على إفاقة الشعب من غيبوبته المخفية تحت رداء الدين فيدعون الباطل على كل من تكلم كلمة حق لكى يستمروا فى بث سمومهم بدون رقيب أو حسيب و سط صمت عجيب من الأجهزة الحكومية و لكن لا. لا لن نصمت. لا لن نترك وطننا. لا لن نترك أحبائنا. لا لن نختار الطريق السهل.

جون سدراك