أثار العديد من الاخوة و الاخوات من الکتاب و المثقفين العرب بالاضافة للبعض من الاوساط المعينة الاخرى عاصفة من الانتقادات بوجه دعوتنا لإقامة مجتمع حرب و التمهيد لذلك، وقد ذهب البعض منهم بعيدا في تصوراته عندما اعتقد بأننا نبتغي من وراء إطلاق هکذا دعوة و في مثل هذه الظروف المعقدة و الحساسة الحالية المساهمة الفعالة في التصعيد من تأزم الاوضاع في لبنان بشکل خاص و المنطقة بشکل عام من خلال ما اعتبروه(تحريضا مباشرا)للعنف و عدم الاستقرار. وقد تکرم بعضا من الاخوة بالاتصال بنا للإستفسار بخصوص المناورات الضخمة الاخيرة التي نفذتها طلائع قوات المقاومة الاسلامية العربية في لبنان تحت اسم(يوم القيامة) وهل إنها تمثل خطوة على الاتجاه الصحيح أم انها حالة التباس وقعنا فيها بغتة؟


قبل کل شئ، فإننا في المجلس الاسلامي العربي في لبنان، من أشد المتحمسين و الداعين للسلم و الاستقرار و الامن ومن أشد معارضي الحروب و القلاقل و الفتن، لکن دعوتنا و تحمسنا للسلم و الاستقرار و الامن لم تنطلق من اعتبارات تلغي اسسا او مرتکزات معينة لأمتنا العربية المجيدة کما ان حرارة التحمس و مصداقية دعوتنا للسلام و الاستقرار و الامن لا ولم و لن يکون أبدا على حساب اعتبارات متعلقة بالامن القومي العربي و في نفس الوقت ليست تضده أو تخالفه وانما نحن نعتبر انفسنا امتدادا طبيعيا و عمقا استراتيجيا للامن القومي العربي بل وان فکرة تأسيس المجلس الاسلامي العربي و المقاومة الاسلامية العربية في حد ذاتها تجسيد حي للذود عن اسس و مقومات الامن القومي العربي و العمل على تقويتها و شد اواصرها و هي قد قامت من أجله و في سبيله، بيد ان النقطة المهمة الجديرة بالملاحظة هي اننا عندما ندعو للسلام و الامن و الاستقرار فإن دعوتنا مبنية على اسس راسخة تحدد المشارکة الفعالة في صياغة و صناعة السلام وليس مجرد اداء دور المشاهد السلبي الذي ليس في وسعه سوى متابعة الاحداث من دون التأثير عليها. بإعتقادنا، ان العدو الاسرائيلي راهن و يراهن دوما على الدور السلبي غير الفعال للشارع العربي بشکل عام في صياغة و صناعة القرارات الاستراتيجية و المصيرية في الوقت الذي نجد فيه ان الشارع الاسرائيلي يشارك و بصورة مؤثرة و فعالة في کل القرارات الاستراتيجية و المهمة المتعلقة به، واحدى الاسباب المهمة التي تقف وراء تفعيل عملية مشارکة الشارع الشعبي، کونه يمتلك اوراق و نقاط قوة تتيح له ذلك وقطعا فإننا و بعيدا عن کل شئ يجب أن نقر بأن الشارع الاسرائيلي ومن خلال البناء المحکم للقوانين و الانظمة المرعية في اسرائيل، بمقدوره فرض رأيه و موقفه على الحکومة، في حين وللأسف البالغ فإن نفس الحالة لاتتوفر في العديد من البلدان العربية مما يخلق حالة من عدم التوازن بهذا الخصوص تخدم الامن القومي الاسرائيلي و تضر أيضا الامن القومي العربي بصورة غير مباشرة حينا أو مباشرة حينا آخرا.


ومجتمع الحرب الذي ندعو له، هو في الواقع بمثابة لبنة من لبنات تقوية دور الشارع الشعبي العربي في صناعة و صياغـة القرارات و التأثير على سياقاتها بقوة وهو قطعا ليس کمجتمع الحرب القائم في اسرائيل، حيث انه يقوم على أساس قوة القوانين المفروضة قسرا عليه، في حين ان مجتمع الحرب الذي ندعو اليه يقوم اساسا على اساس تلقائية و طواعية المشارکة وهو امر ينبع من العمق البناء الفکري ـ الاجتماعي لنا ذو الخلفية الدينية القوية ولو تطلعنا في العديد من المقاطع التأريخية المهمة و الحساسة لأمتنا العربية، بأن الشارع العربي کان يهب من أمره و طواعية للمساهمة في الدفاع عن التراب الاسلامي العربي بوجه الاعداء واننا في مناوراتنا الاخيرة قد جسدنا و بشکل حيوي هذه الحقيقة و استحضرنا بذلك عمقنا التأريخي ـ القومي و يحدونا امل و ايمان کبير بحتمية نجاحنا بهذا السياق وان الرسالة التي بعثناها مع إنطلاق مناورات يوم القيامة قد وصلت للجميع و قبل الکل قد وصلت لاسرائيل واننا بصدد ارسال المزيد من الرسائل الاخرى التي سترسم بالنتيجة الافاق المشرقة لأمتنا العربية.

محمد علي الحسيني

* الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.