اتبعت الكثير من دول الشرق الاوسط طيلة السنين الماضية اسلوب استعراض القوة وابراز عضلاتها واطلاق الشعارات الفضفاضة لمناوئة الدول العظمى.


وتعتقد هذه الدول أن من لا يملك هذا الفن يتصرف كالمافيات حين تدور رحى معارك جماعاتها بطرق (التصفيات الجسدية).


لكن في لغة السياسة يقوم الارباب بالاستعراض فور كسبهم نفوذ شعبي أو نجاح يرمي به إلى القمة، او ثعلبة ناجحة تنسجها اضافر السطوة والإحكام.


اما في لغة التخاطبات الدولية فيتم الاستعراض بعدة طرق أهمها (المخابرات والجيش والتحالفات الدولية والاقتصاد والقوة النووية)، بالرغم من ادراكهم أن الدبلوماسية تبقى الحل الامثل للضعفاء والاقوياء على حد سواء لنزع فتيل الازمات.


في مطلع الثمانينات دخلت منطقة الخليج في دوامة دموية ابان اندلاع الحرب العراقية الايرانية، فغابت سطوة (شرطي الخليج) المزعوم بانشغال البلدين الاقوى في المنطقة في حرب طاحنة استمرت 8 سنوات. وفيما كان صدام حسين يضمد جراحات الجيش العراقي ndash; الاقوى في المنطقة ndash; بعد انتهاء الحرب فوجيء بالتقدم الاقتصادي لدول الخليج لا سيما في الكويت والسعودية - المرشحين الابرز لزعامة المنطقة-، فما كان من صدام الا ان يستعرض همجيته لا قوته بواسطة جيشه المنهك بعد سنتين فقط من نهاية حرب أضرت بمساكه الايمن ndash; الجيش-، اذ دخل وسط عزلة دولية افقدته التحالفات التي كانت تشد من وجوده، اضافة إلى تدمير قدرات وآليات الجيش المنهك، تلته ثورة شعبية طالت معظم محافظات الجنوب والوسط، فضلا عن الحصار الاقتصادي من قبل مجلس الامن الدولي، ليتحول الجيش العراقي أشبه إلى منظومة عاجزة. وبعد كل تلك الأحداث فقد النظام العراقي السابق جيشه وتحالفاته الدولية واقتصاده، فيما بقت نشاطات مخابراته تقتصر على الداخل لحماية السلطة من التمرد الشعبي. وقبل ان يحاول بناء برنامجه النووي لاستعادة قوته، بدأ البرنامج الامريكي لاضعافه. وانتهت سلطة صدام حسين في التاسع من نيسان 2003 بطريقة مذلة. وراحت استعراضات الرجل ادراج الرياح.


سيناريو صدام حسين يتكرر في المنطقة ولكن باساليب مختلفة وأكثر عقلانية، المقصود هنا نقطة سخونة المنطقة (إيران). لكن النتيجة لا يمكنها ان تخلوا من مسلكين، الاول فتح قنوات الحوار مع اوربا والولايات المتحدة والتوصل إلى صيغة توافقية بشان البرنامج النووي، والثاني استمرار التزمت الايراني ولجوء الاطراف الاخرى إلى القوة العسكرية. نقاط ومراكز القوة في إيران تبدو سليمة حتى الان، فهي تمتلك مخابرات نافذة في المنطقة، وجيشا تعززه آليات روسية، واقتصاد مبني على الصناعة الوطنية، وتحالفات دولية تمثل الخط المناويء لنشاط التحالف الامريكي الاوربي. وتحاول الحكومة الايرانية أن توظف جميع محاور القوة المذكورة إلى حماية برنامجها النووي.


تتخيل إيران انهيار برنامجها الذي يعني الاطاحة بعظمتها، بعد ان سخرت جميع مصادر القوة السياسية لحمايته. لكن النتائج النهائية تبقى معلقة على المفاجآت الصعبة.
الجانب الاوربي الامريكي يخشى من وصول إيران إلى قنبلة نووية وسط سرية تامة لتتحول إيران إلى قوة شرق اوسطية مهددة لأمن المصالح الدولية بفرض سطوتها على المنطقة. أاما القلق الاسرائيلي فهو الاخر يتصاعد مع عجز مخابراته اختراق الاجزاء المهمة من البرنامج، والامر يبدو جليا من خلال تصريحات المسؤولين في اسرائيل بعزم تل ابيب توجيه ضربة إلى مفاعل بوشهر النووي اذا ما عجزوا عن معرفة تفاصيل البرنامج. سياسة الاضعاف التي يمارسها المجتمع الدولي بحق إيران تتباطأ نتيجة النفوذ الايراني المتصاعد في المنطقة وممارسة ادوات الضغط ضد المصالح الدولية، واسهمت السياسة الدولية حتى الآن في تحديد الاقتصاد الايراني بفرض العقوبات. لكن النفوذ الايراني عن طريق السياسة المخابراتية التي تنتهجها إيران في العراق ولبنان وفلسطين حمت إلى حد كبير البرنامج النووي، فيما تحاول طهران تخصيص اموال كافية لتعزيز قدرات الجيش على حساب الاقتصاد الوطني. الوسيلة الاخرى التي تحاول إيران أن لا تؤثر بتداعياتها على وضعها الاقليمي هو العزلة الدولية من المحور الامريكي الاوربي. وتصب نشاطها على تعزيز العلاقات مع الدول النامية والاسيوية غير المؤثرة في العالم سياسيا، للحد من التأثيرات التي خلفها المحور المناوئ. أما القوة النووية التي تراهن عليها طهران فتبقى الفيصل بين فرضها قوتها في المنطقة، واجبار العالم على قبولها في خط دول العالم المتقدم أو انهيار روابط الحماية الموجودة اصلا لحماية هذا البرنامج. ويرى المراقبون أن تصريحات طهران بشأن البحرين وشن البرلمان الايراني هجوما ضد الامارات التي طالبت في وقت سابق بحل قضية الجزر الثلاثة انما يعود إلى شعور الايرانيين بتحولهم إلى دولة عظمى تمكنت من اكمال البرنامج النووي رغما على انف العالم، اضافة إلى خلقها تكنولوجيا متطورة بعد بناء مفاعل بوشهر وصناعة صواريخ بعيدة المدى واطلاق القمر الصناعي الاخير. وفيما تناور إيران بتكتيل مصادر قوتها حول البرنامج النووي، واستخدامها للاستعراض في المنطقة وابراز عضلاتها، يعتبر الكثير من دول المنطقة أن مجازفة إيران بهذه الصورة تزيد من سخونة المنطقة، ولا تعبر الا عن فقدان اللياقة الدبلوماسية، وتعميق الصراع مع الدول الكبرى. ولا يخفى على المتتبع أن الدور الايراني انعكس على الأداء العربي لتعلن السعودية ضرورة تشكيل قوة رادعة، وانهاء الاستعراض والنفوذ الايراني.


النهج الذي تنتهجه المنطقة ازاء إيران لا يبدو متجانسا مع المواقف الدولية الداعية إلى اتخاذ اجراءات صارمة لردع إيران. والمعلن ان دول الخليج تؤيد التوصل إلى حل سلمي لابعاد المزيد من الويلات على المنطقة، فيما تجاهد دول الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة لانهاء الملف النووي وايقاف البالون الايراني من الطيران.


ورغم عدم تناغم المواقف الدولية مع طموحات المنطقة الا ان السيناريو الايراني يتطابق مع اجزاء من السيناريو العراقي ابان سقوطه عام 2003، لكن الطريقة التي سيسقط فيها النووي الايراني بالتأكيد ستكون مختلفة عن اسقاط النظام البعثي في العراق. فهل ستذهب استعراضات نجاد ادراج الرياح؟؟.

مصطفى ناصر