منذ أن اسقط كاوه الحداد دكتاتورية الضحاك منذ أكثر من ألفين وسبعمائة عام والشعب الكردي ومن جاوره من شعوب هذه المنطقة يحتفل سنويا في ربيع كل عام بذكرى تلك الثورة ورمزها شعلة النار التي أضاءت طريق الحرية والانعتاق للكرد وبقية الشعوب، وأشرت بداية العام الجديد في يومه الأغر نوروز، تلك الشعلة التي أوقدها كاوه الحداد حينما انتصر على الدكتاتورية الظالمة، أصبحت عنوانا ورمزا للانعتاق وشروعا ليوم جديد في تاريخ هذا الشعب على مدى ما يقرب من ثلاثة آلاف عام.


إن عيد نوروز من أقدم وأقدس المناسبات الكوردية لكونه تعبير شعبي صادق لإثبات الوجود القومي والوطني لهذا الشعب، فهو مستنبط من تراثه العريق حيث تقام على ارض كوردستان ذات الطبيعة الخلابة في أول أيام فصل الربيع (21/3) ورأس السنة الكوردية مهرجانات شعبية يشترك فيها جميع أبناء كوردستان وهي رسالة حب إلى الإنسانية جمعاء من قبل أبناء شعب تواق إلى الحرية ونيل حقوقه المشروعة.


هناك رؤيتان مهمتان لتاريخ وعيد نوروز:الأولى تؤكد بأن إحياء هذه المناسبة كعيد للربيع والنماء وتحرر الطبيعة من الانجماد والانكماش نتيجة العواصف الثلجية التي تجتاح مناطق كوردستان في الشتاء نحو الانفتاح والحركة والإنتاج، وبالتالي عيد الربيع أرث تاريخي قديم لسكان كوردستان الذين يعتبرون من أقدم شعوب الأرض حيث بدؤا بالزراعة وأقاموا أقدم المستوطنات البشرية (القرى الزراعية في زوي جمي وسنجار ) في أول عملية انتقال الإنسان من الصيد إلى الزراعة في كهوف كوردستان كما تؤكد المراجع التاريخية والاثارية.


وهذا الجانب أقدم بكثير من الجانب الثاني الذي تزامن مع هذه المناسبة قبل (2706) سنة والتي تتجسد في قيام ثورة كاوه الحداد للقضاء على أكبر رمز من رموز الظلم والاضطهاد في تلك الفترة العصيبة من تاريخ الكورد لإنهاء حكم الطاغية ضحاك.
ان ثورة كاوه الحداد ضد الظلم والطغيان كما يشير إليها المؤرخ الكوردي الكبيرشرف خان البتدليس في كتابه المشهور (شرف نامه) أعطت خصوصية للشعب الكوردي من بين الشعوب الآرية لإحياء ذكرى هذه المناسبة في كل سنة والتزامه التام بها فضلا عن تمسكه بها كشعب من الشعوب التواقة للحرية والتحرر منذ أقدم العصور.


وهكذا نرى بأن الرؤيتان تلتقيان في هدف واحد وهو فكرة ومبدأ الحرية، حرية الطبيعة والحرية السياسية والاجتماعية للإنسان بهدف العيش في آمان ووئام بعيدا عن الظلم والاضطهاد سواء كانت من الطبيعة أو من بني البشر.

نوروز هذا اليوم الجديد ( وهذا معناه في اللغة الكردية والفارسية ) الذي ابتدأ فيه الزمن الكردي مع الساعات الأولى لفجر الحادي والعشرين من آذار، توزع على خارطة شعوب الشرق الأوسط وحمل في كل ارض من أراضيها لونا من ألوان الربيع واسما من أسماء تلك الشعوب دون أن يختلف في مضامينه احد منهم، فهو عيد الحرية والانعتاق وهو عيد الربيع والشجرة والخصوبة واليوم الجديد والى آخر ما اجتمعت على تسميته والاحتفال به كل ربيع من كل عام، من الهند إلى مصر مرورا بكوردستان في أجزائها الأربعة وإيران والباكستان وكثير من شعوب ودول آسيا وأوروبا.


وخلال آلاف السنين سادت حضارات ثم بادت ونهضت دول وإمبراطوريات وأخرى أزاحها الزمان وانكفأت، لكنها نوروز شعلة الحرية والانعتاق، بقيت كما هي تضيء للقادمين عبر الأجيال طريق الحرية والاستقلال لتسجل في تقويم الأزمان وشهادة التاريخ موقفا من مواقف الإنسان ضد الظلم والطغيان.


وبقيت أعالي الجبال وذراها في كوردستان منذ أوقد قائدها الأول شعلة الحرية وأذن باليوم الجديد، تتحول مع الساعات الأولى لنوروز إلى مشاعل للضوء والنيران في احتفال مهيب عبر الأجيال ترافقه دبكات الشباب والصبايا وزغاريد النسوة وأهازيج الأطفال وتمتزج فيه أجمل ألوان فلكلور كوردستان في الملبس والغناء والرقص في أروع كرنفال لإشاعة السلام والأمن الاجتماعي والتحابب بين الناس جميعا دونما تفريق في اللون أو العرق أو اللغة أو الدين أو المكان، ففي أيام نوروز هنا في كوردستان العراق كما في كوردستان تركيا أو سوريا وإيران، يخرج الكورد وأصدقائهم من كل الأطياف والأجناس في رحلات وكرنفالات جماعية إلى المروج والحدائق والساحات، تمتزج خلالها الأفراح والعادات لتمنح الطبيعة أهزوجة الفرح والتحابب.


حيث تكاد المدن والقرى تفرغ من سكانها في ذلك اليوم الجميل، فتقام الدبكات الشعبية المعروفة في كوردستان والعراق تصاحبها فرق للغناء احتفاءً باليوم الجديد وبربيع كوردستان الخلاب وبشكل عفوي مثير، حيث آلاف مؤلفة من العوائل وكل ما يتعلق بفلكلورها وعاداتها في الأكل والملبس والألعاب والغناء والرقص لتلتقي جميعها في لوحة ربيعية معبقة بالحب والفرح تمنح الزمان في ساعاته الأولى نسمات الأمل والتطلع إلى مستقبل أكثر إشراقا وجمالا.

كفاح محمود كريم