تتشكل معيارية الزعيم التاريخي في قدرته على إحداث انعطافات تاريخية تنتقل فيها الدولة بأوضاعها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من حالة يشوبها السكون والامتثال للسياق العام المفروض كتقليد تاريخي، نحو التحرر من قيود الماضي، وإعادة تشكيل الدولة والمجتمع على قواعد الحداثة والتقدم التي تجعل الدولة تخرج من حدودها الإقليمية نحو العالمية.
تلك المعايير تنطبق تماماً على مسار الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، الذي مضى به بجرأة وثقة ورؤية علمية مدروسة، أحدثت تحولات كبرى في المملكة العربية السعودية، وأعطتها مساحة تليق بها إلى جانب الدول الكبرى في القرارات التي تتعلق بالمناخ والطاقة والاقتصاد ومشاريع السلام وغيرها مما يشغل العالم.
ترتفع الآن بعض الأصوات للحديث عن الانعطاف التاريخي الاجتماعي والثقافي، في محاولة للنيل من المنجزات التي تحققت في المملكة بزمن قياسي لم يشهد مثيله العالم. إن أول الخطوات التي قادها الأمير بدعم من الملك سلمان بن عبد العزيز، أنه استطاع إنهاء حالة التشدد في الخطاب الديني والتصلب المذهبي، ودعا إلى تغيير منهج الخطاب الإسلامي وفق ما جاء برسالة الإسلام السمحاء. خطاب رشيد يهدي إلى الإصلاح وجمع شمل الأمة، وخلال عام واحد عُقدت في المملكة قمتان إسلاميتان، ناهيك عن القمم العربية.
التحول الاجتماعي الآخر المهم الذي أنقذ نصف المجتمع السعودي جاء في القرار الذي سمح للمرأة بقيادة السيارة، والمشاركة مع الرجل في الوظائف، والتنافس في الأمور الثقافية والعلمية باحترام كامل لشخصيتها ودورها في الحياة، الذي كان معطلاً خارج بيت الزوج أو الأب. إضافة إلى الدعم الكبير الذي قدمه الأمير لقطاع الرياضة والشباب واستعداد المملكة لاستقبال بطولة كأس العالم في السنوات المقبلة.
في عام 2008، زرت المملكة العربية السعودية ضمن وفد رجال الفكر والإعلام أثناء قمة أوبك مع الوفد العراقي. كانت جولة واسعة وكريمة بدأت من الدمام، وخلال مساء الخميس شاهدت طابوراً طويلاً من السيارات يتجه إلى الجسر الرابط مع مملكة البحرين. عندما سألت، عرفت أن الشباب يذهبون إلى هناك لكي يشاهدوا السينما، ويحضروا حفلات غنائية ومتع أخرى، ثم يعودون نهار السبت! ومنذ ذلك الوقت عرفت بتراكمات الكبت التي يعانيها الشباب السعودي في واقع متزمت ومتشدد لا يسمح لك أن تفتح الـ"آي باد" صباحاً على أغاني فيروز.
إقرأ أيضاً: بزشكيان والمعادلة الإيرانية
الأمير الشاب محمد بن سلمان قرأ المشهد الوطني بعمق، وعرف ما تريد بلاده وشعبه، ووفقاً لمنطق التطور والحداثة أنشأ هيئة الترفيه التي قدمت حفلات موسيقية لكبار الموسيقيين والمطربين العالميين والعرب. وبينما كان المواطن السعودي يذهب للخارج لكي يحضرها، صارت هي تُقام في بلاده.
بدءاً من أول الحفلات التي أُقيمت في المملكة حتى آخرها حفلة الفنانة العالمية جينيفر لوبيز بصحبة عرض أزياء إيلي صعب، كان التصاعد الجمالي والفني في الاختيار بارزاً جداً في الذائقة الموسيقية والجمالية بهدف إمتاع الجمهور السعودي.
إنَّ كل جديد يواجه بالاعتراض والنقد. كذلك الحال مع التقدم الثقافي والاجتماعي وحتى العلمي، وليس أدل على ذلك مما تعرض له العالم الإيطالي غاليلو غاليلي عندما اكتشف أن الأرض كروية!
إقرأ أيضاً: رئاسة ترامب واختيارات العراق الحرجة!
المملكة العربية السعودية، وفي زمن قياسي، عشر سنوات تقريباً، تحولت من الانغلاق إلى الانفتاح والتطور المدهش. وهي إذ تقف اليوم مع الدول العشرين التي تسيطر على اقتصادات العالم، فإن التقدم لا بد أن يذهب بالاتجاه الثقافي والترفيهي أيضاً. الشعب السعودي يريد ذلك. نعم، تظهر اعتراضات هنا وهناك، وهذا حق طبيعي لكل مواطن، سواء أكان سعودياً أم عربياً. لكنها أصوات فردية لا تشكل ظاهرة شعبية مضادة. اعتراضات يحاول البعض أن يتنفس من خلالها عقدة الخوف من منهج التقدم والنجاح المبهر للمملكة، أو بعض المتكلسين عقلياً ونفسياً على منهج التشدد والتطرف.
التعليقات