فوز المرشح المعتدل أو الإصلاحي مسعود بزشكيان هل يغير من معادلة الحكم والسلطة في إيران؟ سؤال يتكرر داخل إيران وخارجها بعد إخفاق المرشح سعيد جليلي المدعوم من المتشددين والأصوليين والمرشد الأعلى. الثابت في المعادلة أن لا تغيير جوهرياً في فكر وأيديولوجيا نظام الحكم في إيران، كونها تخضع لولاية الفقيه، أي المرشد الأعلى علي خامنئي، مما يجعل التغيير في فلسفة وتوجهات وسياسة إيران الخارجية والداخلية يحافظ على ثوابتها المنهجية في مشروع الثورة بعد أن تخلت عن فكر وتوجهات بناء الدولة الذي سعى إليه الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي وقبله هاشمي رفسنجاني الذي اتسعت لديه الرغبة في الانفتاح على الغرب وتحديث مناهج الدولة على المستوى الداخلي.
الشعب الإيراني اختار الإصلاحي الطبيب بزشكيان بنسبة أعلى مما حققه الأصولي جليلي، وهذا يعني أن الشعب الإيراني اتجه نحو الإصلاحي متأملاً أيسر قدر من التغيير بعد أن ضاق بمنهج الحكم الأصولي ونظرته المنغلقة للحياة. وثمة دوافع أخرى كالفقر والفاقة وانخفاض قيمة العملة الإيرانية وارتفاع التضخم في السوق الإيراني. هذه الظروف أنهت الطبقة الوسطى في إيران ووضعتها في مستوى الفقر والجوع والحرمان. وإذا ما عرفنا أنها الطبقة الأوسع في الدولة الإيرانية المتعددة المكونات العرقية، فإن ثورة الجوع كانت تطرق أبواب السلطات الإيرانية من خلال جملة من الاحتجاجات التي يعبر عنها الجيل الجديد بأساليبه المتعددة.
إيران الأصولية كرست نسبة عالية من ثرواتها لمشاريع إنتاج القوة والتمدد، فكان التصنيع الحربي شاغلها الأول، ولعل الحرب العراقية الإيرانية أعطتها الدرس بأهمية التفوق التسليحي. الأمر الذي جعل الجمهورية الإسلامية تستنزف قدراتها المالية العالية في صناعة السلاح بجميع أنواعه من المدفع الميداني إلى الصواريخ الباليستية إلى إنتاج النووي وصناعة القنبلة النووية (الشيعية) لتقف أمام القنبلة النووية (السّنية) التي تملكها باكستان. الأمر الآخر الأكثر تعقيداً أن إيران وخلال أربعة عقود من الزمن كانت ولم تزل تكرس جهودها للتمدد الخارجي بهدف إنجاز قيام إمبراطورية إسلاموية فارسية، وتشكيل قواعد مسلحة تابعة لها في عدد من دول آسيا وأفريقيا أو خلايا نائمة في دول أوروبية. وتلك نشاطات تستهلك أموالاً طائلة وجهوداً جبارة خصوصاً في الدول والأقاليم التي تشهد تنافساً وصراعاً بين أميركا من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، دول تحافظ على هيمنتها ولا تسمح بتمدد دول أخرى على مساحاتها.
إقرأ أيضاً: اغتيال رئيسي أم غدر الطبيعة؟
هذا الاندفاع المحموم نحو صناعة السلاح لا يعني صناعة القوة للدولة، بينما شعوبها تعاني الفقر والفاقة وانتشار مظاهر المعارضة للنظام. ولم يتغير النهج الإيراني رغم الحصار الأميركي - الغربي الذي مورس ضدها، بل زادها تحدياً مصيرياً. ومن الطبيعي أن تعاني الانهيار الاقتصادي بعد توقف معدلات تصديرها للنفط الذي يشكل الشريان الأقوى لحياتها الاقتصادية. بأثر ذلك لم تهتم الدولة بتطوير صناعاتها المدنية ولا بالأنشطة الاجتماعية التي تحقق قدراً من الانفتاح لدى قطاعات الشباب.
يتميز العقل السياسي الإيراني بقدرة عالية على المرونة في القرار وفقاً لمعادلات القوة الداخلية والخارجية. وفي هذه اللحظة من الاحتدام في الصراع بين إيران وأميركا واصطفاف الموقف الأوروبي مع أميركا ضد إيران، جعلها تؤيد تحولاً في عدم الممانعة من صعود رئيس جديد بتوجهات منفتحة على الحوار مع الغرب وخصوصاً أميركا. الرئيس الجديد بنسقه الإصلاحي يمتلك خلفية ومعرفة ومفاتيح الحوار مع الخارج. وفي ذات الوقت، يعرف تفاصيل الأزمات الحادة التي تعصف بالوضع الداخلي، لأنه طبيب وسبق أن شغل منصب وزير صحة (2001-2005) وشخصية مستقلة غير منتمية لحزب، وكان نائباً لرئيس البرلمان يعني "يعرف البير وغطاها" بحسب المثل الشعبي العربي.
إقرأ أيضاً: الشعراء امتلكوا القمر قبل الشركات الأميركية
ماذا يستطيع أن يفعل الرئيس الجديد مسعود بزشكيان أمام تحديات داخلية صعبة مثل الحالة الاقتصادية وتراجع مستوى العيش إلى درجة الجوع، وضعف الخدمات التي تقدم للمواطن، وكبت الحريات فيما يتعلق بشؤون المرأة والحجاب المفروض قانوناً وبتشدد، وتطلع الجيل الجديد من الشباب لحياة أخرى خارج الانغلاق الذي يعانون منه بسبب نظرية الحكم الأصولي المنغلق على أفكار وأيديولوجيا إسلاموية في زمن العولمة وثورة الاتصالات والمعلوماتية؟
التعليقات