شاهدنا جميعاً الرقي الذي ظهر به الجمهور الهولندي في بطولة يورو 2024، فهو الجمهور الأكثر جاذبية في البطولة، ومن بين الأكثر عدداً وتنظيماً وفرحة وبهجة، ولكن لم تسجل حالة شغب واحدة منه أو إشارة سياسية، أو ورطة عنصرية.
وعلى العكس من ذلك اجتاح الأتراك شوارع ألمانيا، وهم في الأساس يبلغ عددهم 3 ملايين في المانيا، وتسببوا في حالة تأهب أمني، وأصدرت الشرطة الألمانية تحذيرات من تورطهم في أعمال الشغب والعنف.
العقل التركي والعقل الهولندي
الفارق كبير بين العقل الذي خاض بطولة أوروبا لكرة القدم، ونكرر (لكرة القدم) بينما السياسة والفكر القومي يسيطران عليه وهو العقل التركي، سواء اللاعبين أو الجماهير، وكذلك الميديا التركية، وبين العقل الهولندي الذي جاء للاستمتاع بكرة القدم والتشجيع الراقي والمبهج، والمنافسة على اللقب بكل هدوء وروح رياضية.
"عقدة الأتراك سياسياً واجتماعياً"
ربما يكون لدى الأتراك "عقدة أوروبية" سياسية واجتماعية، ويشعرون بأن الأوروبي يتعالى على التركي، وهناك تاريخ من الهجرات للعمالة التركية صوب أوروبا طوال عقود طويلة، وبعد أن تحسنت الأوضاع الاقتصادية في تركيا عاد عدد كبير منهم إلى بلادهم، وبقي عدد آخر يعيش في أوروبا بعقل قومي تركي لم يعرف الاندماج مع المجتمع الأوربي في معظم الأحيان، هذا فضلاً عن التاريخ العسكري والسياسي للأتراك في أوروبا، وهي جميعاً تصنف في إطار "العقدة التاريخية" التي يتعين أن تكون بعيدة عن الرياضة.
لهفة التركي للفوز على أوروبا
هذه الأوضاع تسببت في أن المشجع التركي يتلهف ويترقب أي مباراة كروية أمام أي منتخب أوروبي لكي يحاول اثبات الذات أمامه، وجاءت إشارة "الذئاب الرمادية" من اللاعب التركي لتشعل البطولة، فهي إشارة عنصرية في العرف الأوروبي والألماني، ولها علاقة بإصرار الأتراك على الانتصار للقومية التركية تحديداً في مواجهة أي دولة أو عرقية أخرى.
"شياطين السياسة"
على أي حال لم يكن لائقاً أن يأخذنا مبابي نجم فرنسا، بتصريحاته ضد اليمين المتطرف في بلاده، ثم رد سيدة السياسة مارين لوبان عليه بنبرة غاضبة، وكذلك المنتخب التركي وجماهيره وإعلامه بما فعلوه في البطولة، لم يكن لائقاً أن يأخذونا من المتعة الكروية الأوروبية إلى أجواء السياسية المتوترة، حيث لا يجب أن يسرق أحداً مسرح كرة القدم، لكي يعرض عليه مشاكله السياسية، فالحياة بها ما يكفي من "شياطين السياسة"، فلماذا لا تتركونا نستمتع بكرة القدم لمدة 90 دقيقة؟
تركيا.. رائعة كروياً ولكن!
كلمة أخيرة.. تركيا لديها منتخب رائع (كروياً)، ويتمتع بروح قتالية لا مثيل لها، وجماهير تركيا لديها شغف لا يعادله شغف، وكاتب هذه السطور كان يشجع تركيا (كروياً) في البطولة، ولكن كل ذلك لا يمنع من أن العقل "القومي العنصري" لا مكان له في عالم الرياضة، فالحماس في الدفاع عن اسم الوطن حق للجميع، بل مطلوب لاعادة شحن الروح الوطنية أحياناً، ولكن دون تجاوز أو إشارات عنصرية، أو تحفز سياسي أو اجتماعي ضد "الآخر".
التعليقات