قبل فترة ليست بطويلة، دخل إلى الشرق الأوسط مفهوم جديد يتعلق بالصراع مع إسرائيل وهو "وحدة الساحات"، أو بما معناه توحّد الجبهات التي ستُفتح ضد إسرائيل حال وقوع معركة مع أي طرف من أطراف "محور المقاومة" في وقت واحد.

وقد أصبحت كلمة "المحور" فضفاضة، فتارة يقتصر على الحركات المسلحة في غزة والضفة الغربية، ولبنان وسوريا، والعراق واليمن، وطَورًا يجري دمج الدول فيه ليصل إلى إيران وروسيا والصين، وحتى فنزويلا وكوبا ومعهم جبهة البوليساريو.

لكن الثابت الوحيد أن لبنان، وبصورة أدق حزب الله، تُرك وحيدًا يوم نشوب الحرب الشاملة، فغابت نشاطات الساحات العسكرية حتى ولو بشكل رمزي، واختفت التظاهرات من الميادين، علمًا بأنَّ حزب الله كان أول من سارع إلى رفع شعار الوحدة عبر فتح معركة الإسناد.

ومع بدء الحرب في قطاع غزة عقب "الطوفان"، لم ينتظر الحزب كثيرًا، فبعد ساعات بدأ باستهداف المواقع الإسرائيلية على طول الحدود في خطوة أراد من خلالها مسؤولوه، بحسب قولهم، تخفيف الضغط عن قطاع غزة وتشتيت قوة وتركيز الحكومة الإسرائيلية لدفعها في نهاية المطاف إلى وقف إطلاق النار.

الساحة الأقرب إلى غزة لم تنتفض، والمعني الضفة الغربية التي عوّلت عليها حماس كثيرًا لقلب الطاولة وخلط الأوراق. وغابت أصوات الرصاص عن الجبهة السورية، وفي العراق خاضت المجموعات المسلحة ما يشبه المعارك الدونكيشوتية؛ تطلق مسيّرة من هنا، أو صاروخًا من هناك، ثم تعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد.

إقرأ أيضاً: ترامب سيغيّر الواقع اللبناني إلى الأبد.. حقاً؟

في اليمن بدأت الحرب على السفن التجارية، وأُصيبت تل أبيب بمسيّرة ردّت بعدها بقصف تدميري لميناء الحديدة، فخف نشاط الحوثيين كثيرًا إلى حد الاضمحلال. وضربت طهران في مناسبتين إسرائيل، ليس من باب الانخراط في وحدة الساحات، وإنما ردًا على الضربات التي تلقتها؛ من استهداف قنصليتها في دمشق إلى اغتيال ضيفها رئيس حركة حماس إسماعيل هنية، الذي قدِم للاحتفال بتنصيب رئيسها الجديد.

بقي حزب الله وحيدًا في الميدان وأصبح بحاجة للدفاع عن نفسه عوضًا عن شن عمليات دفاعًا عن غزة. ووسط كل الدمار انقطعت الأخبار عن الجبهات في العراق واليمن، ولم ينبرِ أحد لفتح حرب إسناد تخفف الضغط عن الحزب. والضفة الغربية بقيت متمسكة بما يُعرف بمصطلح "السلام الاقتصادي"، رغم المحاولات الخجولة لحماس والجهاد الإسلامي هنا وهناك.

إقرأ أيضاً: خطة إسقاط الجيش اللبناني وشيطنته

في الخلاصة، سقطت "وحدة الساحات" بمفهومها الميداني في الساحات، ولم يتبق منها سوى نذر يسير في الشق الإعلامي، يتمثل في إصدار بيانات النعي والتبريكات والاستنكارات عند استهداف إسرائيل لقياديين في الحزب. والأخير بدأ يعدّ العدة للانسحاب رويدًا رويدًا من جبهة الإسناد من أجل الوصول إلى وقف إطلاق نار على الجبهة اللبنانية.