ليسمح لي سيد رواد الصحافة العربية بل إمبراطورها عثمان العمير بالكتابة عنه. أسطر قليلة لن تفيه حقه، ولكنها غيض من فيض. أستاذي الكبير، منه ومعه أدركت أهمية الصحافة في الثمانينيات الميلادية، حيث أوصلتني، بالرغم من صغر سني، إلى العالم وأوصلت العالم لي. وكان الأستاذ عثمان العمير هو رئيس التحرير المتفرد الذي أوصل لنا الخبر والصورة والحدث والتعليق والتقرير والتحليل في أبهى صوره.

كنا نعايش ما يدور في العالم وفق التصور الصحيح لما يحدث، وخصوصاً قضايا الشرق الأوسط، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي كانت قضيتنا الأولى، حيث نقل معاناة الشعب الفلسطيني وأصبح صوته مسموعاً في مشارق الأرض ومغاربها. ولم يغفل القضايا العربية والإقليمية الأخرى.

وكانت مجلة "المجلة" وجريدة "الشرق الأوسط" تاج ومفخرة الصحافة العربية، حيث بدأت العلاقة بيني وبينهما في الثمانينيَّات الميلادية، وصورة الأستاذ عثمان العمير محفورة في عقلي منذ ذلك الوقت. كنت أتلقفهما من المكتبة الوحيدة بجوار منزلنا، كما كنا نلتقط ثمار المانجو من أسوار المزارع القريبة. وكانت بصمة إمبراطور الصحافة ولمساته عليهما لبنة بناء حقيقية في مجال الصحافة العربية، حتى تفوقتا على المحيط العربي ونافستا في المحيط العالمي.

ومع التحول الرقمي، لم يتوقف عطاؤه. وهذه حال أعلام الرجال والرواد، فكيف برجال الإعلام والصحافة والكلمة، ورجل بقامة الأستاذ عثمان العمير، الذي واصل اعتلاء سلم المجد، فكانت الصحيفة الموقرة "إيلاف" واحدة من ثمار جهوده ومثابرته. فأصبحت "إيلاف" روضة العقول ومهوى الأفئدة ومعشوقة الكتاب ومحبوبة الجماهير. ومن فضل الله عليّ أنني أصبحت أحد كتّابها، فله ولها مني تحية عطرة ملؤها الحب والاحترام والثناء والتقدير.

كم كانت فرحتي غامرة بمنحي هذه الفرصة الثمينة لأعود كاتباً، كما كانت فرحتي قارئاً في ريعان الشباب الذي قال فيه ابن الرومي:

سقى الله ريعان الشباب وإن غدا
يخون في إخوانه ويغدر
تذكرته والشيب قد حال دونه
فظلت بنات العين مني تحدر

شكراً إمبراطور الصحافة العربية، وستبقى "إيلاف" رقماً صعباً في عالم الصحافة. ولا يُستغرب ذلك، فالممسك بدفتها الأستاذ الفاضل عثمان العمير. ومن نجاح إلى نجاح بإذن الله. ويستحق تكريماً منا، كما كرّمته مدينة الضباب (لندن) في برلمانها بميدالية "إرث التغيير".