كان من آثار الحرب مع إسرائيل والضربات التي وجهت إلى إيران تصاعد التناقضات الداخلية داخل النظام الإيراني. خلال الأسبوع الماضي، أصدرت جمعية المدرسين والباحثين في حوزة قم الدینیة، التي تعتبر منافساً لجمعية المدرسين الموالية لخامنئي، بياناً دعت فيه إلى انسحاب إسرائيل إلى حدود ما قبل عدوان عام 1967 وتأسيس دولة فلسطينية مستقلة.

حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان وممثل المرشد فيها، ردّ عليهم مطالباً بسحب تصريحاتهم. إلا أن الشيخ "أيازي"، عضو مركزية جمعية المدرسين، لم يتراجع، بل صرّح قائلاً: "كل الفصائل الفلسطينية تقبل بحدود 1967، فهل تكون إيران أكثر تشدداً من حماس؟ نحن لا نسعى للاعتراف بإسرائيل، ولكننا قلقون من الفقر والبؤس في البلاد. وقلنا إنه يجب العودة إلى قرار الأمم المتحدة لعام 1967، أي ضرورة العودة إلى حدود 1967. وطرحنا هذا النقاش في ظل توتر يهدد إيران بالخطر، كي نبتعد عن أجواء التصادم والمواجهة واحتمال الحرب".

لم يتوقف الأمر هنا، فقد أغلق النظام موقع جمعية المدرسين، وتدخل الملا محسني إجه‌ئي، رئيس السلطة القضائية، قائلاً إن مثل هذا البيان يُعدّ تهديداً للأمن العام في هذه الظروف، ولذلك أصدرت النيابة العامة الخاصة برجال الدين تحذيراً لهم بضرورة تعديل مواقفهم واتخاذ خطوات لتصحيحها، وإلا فإنَّ النيابة العامة الخاصة ستتخذ الإجراءات اللازمة بحقهم.

إقرأ أيضاً: سجل الاختراق في نظام إيران

كل هذه التفاعلات تدل على الضعف الشديد الذي يعانيه خامنئي نفسه قبل غيره. من جهة أخرى، تزداد ردود الفعل المناهضة للحرب داخل النظام. علي لاريجاني، في مقابلة صحفية، قال: "العقل يقضي بأن نستفيد من أساليب بأقل تكلفة لمواجهة المخاطر، وأن نتجنب الحرب قدر الإمكان".

كما نشرت صحيفة "اعتماد" مقابلة مع كل من فياض زاهد ومحمد مهاجري من التيار ما يسمى الإصلاحي، جاء فيها: "لقد تعرّض درعنا الدفاعي لأضرار جسيمة. إن مسألة العداء أثّرت سلباً على استراتيجيتنا الكبرى. إننا ندعم المقاومة لكي تتحمل تكاليف الدفاع عن الوطن الأم وأم القرى، لكن المعادلة انقلبت؛ وأصبح الوطن الأم هو الذي اضطر لمواجهة الحرب مباشرة".

إقرأ أيضاً: انتخابات الرئاسة الإيرانية ووهم التغيير

خامنئي، الذي شهد خطر الإطاحة به في انتفاضة الشعب الإيراني عام 2021، أشعل الحرب في المنطقة لمنع حدوث انتفاضة أخرى. لم يأت ذلك من موقع قوة؛ بل استغلّ خامنئي القضية الفلسطينية وأشغل الحرب في غزة والمنطقة لتأجيل سقوطه. ومن الواضح أن حل القضية الفلسطينية وفقاً للقوانين الدولية سيفقد حزب الله وغيره من القوى الموالية له أساس وجودها، ولن يتمكن حينها من إثارة الحروب في المنطقة تحت شعار تحرير القدس. لهذا السبب، يبذل قصارى جهده لخلط الأوراق وإبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار.

لكنَّ الحقائق على الأرض تتضح يوماً بعد يوم، وقد بات جلياً أن مصدر الفوضى وانعدام الأمن والحروب في المنطقة يكمن في طهران، وفي بيت خامنئي تحديداً.