استضافت العاصمة السعودية الرياض القمة العربية الإسلامية غير العادية 2024، بهدف إيقاف الحرب في غزة ولبنان. وتأتي هذه الجهود الحثيثة التي تقودها الدبلوماسية السعودية كدليل على صحة نهج السياسة السعودية في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، والأحداث الجارية منذ أكثر من عام في فلسطين، وخصوصاً في غزة ولبنان، وصولاً إلى إيران ومن تحالف معها في محور المقاومة.

إنَّ النهج السعودي الواقعي في التعامل مع هذه القضايا، وعلى رأسها عملية السلام العربي - الإسرائيلي وحل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، قوبل قبل عملية 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وعلى مدار عشرات السنوات بمواقف رافضة ومعارضة من قبل محور المقاومة بقيادة إيران ومن تحالف معها، وخصوصاً حزب الله وحركة حماس كأطراف مباشرة في الصراع مع إسرائيل. وقد تسببت مغامرات هذا المحور بتدمير غزة ولبنان، ودفع ثمن ذلك أكثر من مئة وخمسين ألف ضحية، إضافة إلى ملايين المشردين والمهجرين.

نعم، إسرائيل كيان عدواني ومتوحش لا يعترف بالأعراف الدولية ولا بمبادئ القانون الدولي الإنساني، ويجب عليها إيقاف اعتداءاتها الوحشية بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، ووقف كافة الانتهاكات، وعدم تعريض أمن الشرق الأوسط والعالم للخطر، ووقف إطلاق النار في غزة، وسرعة إدخال المعونات الإنسانية وأعمال الإغاثة إلى كافة غزة، وتحمل المسؤولية القانونية لما حدث من إبادة وإجرام بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني.

ولكن كذلك، فإن إيران مسؤولة عن هذا الوضع ومن تحالف معها. ولا بدّ من صدق في النوايا والأفعال الإيرانية، وتحمل المسؤولية الحقيقية، وإنهاء محور المقاومة وسحب ميليشياتها، وتمكين السلطة الوطنية الفلسطينية وحكومة لبنان من فرض سلطتهما وبسط سيادتهما، وعدم دعم أي ميليشيات تعمل بأجندة إيرانية داخل فلسطين ولبنان.

وعلى إيران أن تعترف بضرورة التعاون والتكاتف والعمل الجماعي العربي الإسلامي، وإبداء حسن الجوار الفعلي، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتعاون الأمني، وأن تعمل على ضمان أمن هذه الدول، وعدم السماح لميليشياتها بزعزعة الأمن والاستقرار الداخلي، وألا تهدد هذه الميليشيات دول الجوار أو تنتهك حرية الملاحة البحرية الدولية.

إقرأ أيضاً: السعودية ونزع فتيل أزمات الشرق الأوسط

كما يجب على إيران إدراك أهمية السلام في الشرق الأوسط، وتكريس الجهود المشجعة له، والتعاون في سبيل تحقيقه، وضبط تصرفات كافة الميليشيات التابعة لها، ونزع سلاحها، وتحويلها إلى أحزاب سياسية فاعلة ضمن إطارها الوطني.

إنَّ استمرار إيران على سياستها القديمة لن يجدي نفعاً في حل أزمات الشرق الأوسط. وعلى إيران تغيير سياساتها الحالية، وإثبات مدى مصداقيتها وجديتها في العمل على نزع فتيل أزمات الشرق الأوسط، والتعاون مع القوى الإقليمية والدولية في سبيل إرساء السلام والاستقرار في المنطقة، وأن يكون دورها بناءً وإيجابياً.

إقرأ أيضاً: أفاعي الشرق الأوسط بين الالتهام والسبات

ولكن إذا استمرت إيران على وضعها الحالي، ومارست النفاق السياسي مع الدول العربية والإسلامية، وأظهرت عكس ما تبطن وفق مفهوم "التقية"، فإنها ستدفع ثمن نفاقها وتحايلها وزعزعتها للسلم والأمن الإقليمي، وستجد نفسها أكثر عزلة عن محيطها الإقليمي والأسرة الدولية، وتتعرض لمزيد من العقوبات والتهميش، مما يهدد أمنها القومي وأمن الشرق الأوسط.

والحقيقة، تتبادر إلى ذهني مشاعر شك وريبة وربما يقين بعدم جدية إيران وميليشياتها، لكنني أتمنى أن تكون هذه المرة صادقة وجادة، وأن لا تضيع هذه الفرصة، والأيام القادمة كفيلة بكشف المستور. وأكاد أجزم أن شكي في محله؛ فمن يشاركني هذا الشعور؟