لم يكن مفاجئاً الإعلان القطري بالانسحاب من ملف الوساطة في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس، ولم يكن مفاجئاً إبلاغ الحركة أن مكتبها في الدوحة "لم يعد يخدم الغرض منه".
منذ ما يقارب الثمانية أشهر، وتحديداً بتاريخ 13 شباط (فبراير) 2024، نشرت مقالاً في صحيفة "العرب" اللندنية بعنوان: "قطر ومراجعة العلاقة مع حماس"، استشرفت فيه انتهاء العلاقة بين الدوحة والحركة في ظل ارتفاع احتمالية عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حكم البيت الأبيض.
القرار القطري تم اتخاذه بعد أيام من بدء الحرب على قطاع غزة، خاصة بعد ظهور مؤشرات على تحركات من قبل أقطاب في الحزب الجمهوري الأميركي تدعو إلى محاسبة الدوحة على احتضانها لقيادات من حماس. بل سبقتها اتهامات وانتقادات أميركية تفيد بعلم قطري مسبق بما جرى يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وهو ما همس به بعض المسؤولين القطريين لأوساط سياسية تركية، وقيادات رسمية فلسطينية.
الدبلوماسية القطرية سعت جاهدة لتحقيق إنجاز سياسي عبر التوصل إلى اتفاق لوقف دائم لإطلاق النار في غزة أو الإفراج عن المزيد من الرهائن، لتخفف من سلسلة الاتهامات والانتقادات الموجهة لها. لكن باءت محاولاتها بالفشل بسبب تعنت بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء اليميني الإسرائيلي في المقام الأول، وحركة حماس التي تهتم بشعبيتها أكثر من اهتمامها بالتوصل إلى إنهاء الحرب على الشعب الفلسطيني الأعزل. فحارت الدوحة وساستها بين مخططات نتنياهو التي تستنزفهم سياسياً، وبين حسابات حماس التي تستنفد من رصيدهم كوسيط أمام المجتمع الدولي.
إقرأ أيضاً: مستقبل غزة يبدأ بنهاية حماس
خطوة الدوحة الاستباقية تأتي في سياق حماية مصالحها، قبيل تسلم الرئيس الأميركي العائد دونالد ترامب مقاليد الحكم رسمياً في البيت الأبيض في شهر كانون الثاني (يناير) المقبل، إدراكاً منها لصعوبة إحداث اختراق أو الوصول إلى اتفاق بين الحركة وإسرائيل قبل مدة التنصيب، مما يدفعها للعب أوراق جديدة تتماهى مع نهج إدارة أميركية ذاهبة لمنح بنيامين نتنياهو ومنظومته اليمينية الحاكمة دعماً لإنهاء ما بدأه يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر).
قطر تدرك التعقيد القادم بدخول ترامب إلى البيت الأبيض، خاصة بفقدانها عوامل عديدة أهمها القدرة على الضغط على حماس والسيطرة على تياراتها. حيث أصبح واضحاً أن القرار قد تبلور على عدة مستويات سياسية وإقليمية ودولية بتجاوز مرحلة حماس أو البحث مع قياداتها في مستقبل القطاع ويومه التالي بعد أن تضع الحرب أوزارها. وهذا ما دفع بالدوحة إلى التسريع بإنهاء ملف حماس، والبحث عن بديل سياسي آخر في الأوساط الفلسطينية؛ بديل يتكون من مجموعة شخصيات تعمل الآن على قدم وساق لإنشاء تجمع سياسي فلسطيني ذي أيديولوجيات من خارج فلك الإسلام السياسي تحت سقف ورعاية مركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.
إقرأ أيضاً: لن يسقط اتفاق أوسلو
دور الوسيط لم يفلح في منح الدوحة مقاربة سياسية متوازنة تسمح لها بالاستمرار في اللعب على حبال تناقضات ملفات المنطقة الشائكة. فالحقيقة مجدداً، التي سنكون بصددها اليوم، أن هناك سياسات وتحالفات في المنطقة ستندثر، وسياسات وتحالفات ستولد، والثابت الوحيد الآن ولغاية أربع سنوات قادمة؛ أن الشرق الأوسط قبل قدوم دونالد ترامب شيء وبعده سيكون شيئاً مختلفاً تماماً.
التعليقات