في زمن المواقف والتحليلات السابحة في فضاء العشوائية، تبرز أهمية الوسائل الإعلامية المتكئة على المعلومة والمصداقية واحترام ثقافة الإنسان.
لعبت وسائل الإعلام الحزبية خلال العقود الماضية دورًا محوريًا في تغييب الشعوب، حتى أصبحت الغالبية العظمى تدافع عن وهم الانتصارات حتى الجهالة. كيف تقنع شيابنا، قدوة الأبناء والأحفاد، أن الجيوش العربية مُنيت بهزيمة نكراء في حروب 1967 و1973 إذا كانت كتب التاريخ التي تم تلقينهم صفحاتها تقول عكس ذلك؟ حظهم العاثر أن "الإنترنت"، معجزة كشف الحقائق، لم يكن ضمن حقائبهم المدرسية.
العالم، وتحديدًا منطقتنا العربية، بحاجة إلى منهج واقعي جديد في مدارسنا، إلى خطاب سياسي يلامس الإمكانات، كما بحاجة إلى توثيق وتوصيف مجرد للأحداث والمتغيرات، كي لا تغرد الأجيال مجددًا في فضاء الوهم.
الصورة النمطية للمقاتل الشرس مُموَّه الوجه، المدجج بالأسلحة والقنابل، لم تعد تلقى رواجًا في ميدان البحث عن البطولات. وحده مستوى الجامعات وترتيبها يشق طريق النصر.. كل أنواع الانتصارات.
وحدها ثقافة الإنسان وانفتاحه على حضارات العالم، من دون أن تطمس تقاليده، تضمن لنا مكانًا في جدارية المستقبل.
من هذا المنطلق، وبعيدًا عن دغدغة الشعارات، تقود المملكة العربية السعودية عملية التصحيح والإصلاح في الفكر العربي والإسلامي، كي لا تبقى الأجيال أسرى الفتاوى السياسية.
من هذا المنطلق تعمل الرياض على إعادة الفكر السياسي إلى جادة الواقع، وإعادة تصويب القضايا، وفي طليعتها القضية الفلسطينية، وإخراجها من البازار السياسي، حيث تُزهق أرواح الفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين والعراقيين والسوريين وغيرهم على طاولة الصفقات وساحات النفوذ.
من هذا المنطلق أيضًا وأيضًا، تكتسب القمة العربية الإسلامية في الرياض أهمية استثنائية لتصحيح المسار والعمل بجد وواقعية لاستعادة الحقوق، وفي طليعتها حق الشعب الفلسطيني بقيام دولته المستقلة، وحق الشعب اللبناني بكيان سياسي عادل على قاعدة أن تحرير الأرض مسؤولية كل الشعب اللبناني، وأن قرار الحرب والسلم بيد مؤسساته الدستورية فقط.
ختامًا، القمة الاستثنائية في الرياض تبحث بشكل خاص وقف الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة ولبنان، وتمارس أقصى الضغوط لتحقيق ذلك، بيد أن الفلسطينيين واللبنانيين أمام استحقاق مشترك، وهو توفير بيئة العيش المشترك لتحقيق السلام الداخلي الدائم.