مرت علينا قبل أيام الذكرى السنوية لفاجعة حلبجة، التي تصادف (16) من آذار من كل عام.. هذه الفاجعة التي مازالت أثارها ماثلة من خلال صور المأساة ونتائجها الكارثية التي تعدت صور الموت إلى ألوان أخرى مختلفة من المعاناة، تمثلت بالآثار النفسية والاجتماعية والبيئية التي مازال الناس يعانون منها، ماجعل ذلك اليوم واحدا من أسوا الأيام التي شهدها البلد عبر تاريخه الطويل، وبالتالي وقف الناس في كل مكان منددين بهذه الفاجعة، متجاهلين كل المبررات التي رفعها البعض لتجميل وجهها القبيح، ومحاولة عدها أمرا إجباريا توجته ظروف خاصة غاية في التعقيد، بتصاعد أوار الحرب العراقية الإيرانية وازدياد سعيرها بعد أن بلغت منعطفات حاسمة بالنسبة لوضع الحرب النهائي ونتائجها على الوضع السياسي القائم آنذاك. و للأسف بدلا من أن يتحول ذلك اليوم المأساوي إلى لحظة استعبار، يستذكر فيها الجميع هول الفاجعة ونتائجها الكارثية المهولة، تحولت المناسبة إلى منبر للتحريض والتجافي، حتى كأني لا اسمع إلا القليل من العبارات التي نحن بأمس الحاجة لسماعها وترديدها، التي تعبر عن علاقتنا الأخوية المتينة وترابطنا الوطني العميق، والتي عادة ما نسمعها من خلال كلمات السياسيين والمنابر الإعلامية، حيث بتنا نسمع عوضا عن ذلك لغة جافة يكاد الجفاء يثب منها، وعبارات ملتوية غامضة لاتعبر عن شيء قدر تعبيرها عن المجاملات والشعارات الجوفاء الفارغة.


البعض من العرب وفي موقف غاية في التطرف، اخذ يتهم القادة الكرد بأنهم هم الذين دفعوا الحكومة العراقية إلى فعل ذلك الأمر المريع، والجؤها إلى اتخاذ تلك الخطوة المشينة، بعد أن ضاقت بها السبل، وانعدمت أمامها الحيلة، اثر تعاونهم مع إيران وتغلغل الأخيرين في الأراضي العراقية، وهؤلاء وعددهم ليس بالقليل، مازالوا يعدون مأساة حلبجة خطئا من جانب القوى الكردية قبل أن يكون ذلك خطا الحكومة العراقية ذاتها، ولذلك نجدهم يتلافون لوم الحكومة العراقية بشكل مباشر ويحاولون بدلا عن ذلك الاهتمام بالجانب الإنساني من المأساة، خصوصا تلك الصور الفضيعة التي أذهلت العالم لهولها وقسوتها، والتي لايستطيع الإنسان إلى أن يقف أمامها حاسرا متألما مهما كان موقفه أو انتمائه، نفس الشيء يحصل في الجانب الأخر من المعادلة العراقية، فما يصح على هؤلاء قد يصح على آخرين من الإخوة الكرد، الذين جعلوا حلبجة مأساة للأكراد وحدهم وحدثا من أحداثهم القومية من اجل تنمية حب الاستقلال في نفوس الناس وزرع بعض القيم الأيدلوجية في نفوسهم، وبالتالي ربما نحن نسيء التعاطي مع هذه الحادثة الكبيرة، فبدلا من أن نجعلها مناسبة لجميع العراقيين ويوما من أيامهم، غدت وللأسف الشديد مناسبة خاصة لايستذكرها إلا الأخوة الأكراد والقليلين من المتعاطفين مع نتائجها الكارثية.


أن قضية حلبجة هي بلا شك من أهم القضايا في تاريخنا المعاصر وتتطلب منا موقفا موحدا، فهي قطعا ليست للكرد وحدهم، وربما ليست للعراقيين وحدهم أيضا، أنها لحظة كبرى تجاوز فيها العنف حدوده المعقولة، فكانت زمجرته المرعبة مزيجا من موت ورعب ودمار، ومن اجل أن نتجاوز كل اجتهاداتنا المتباينة وآرائنا المتعارضة ومواقفنا المختلفة، لابد لنا أن نتفق على ما لا يمكن أن نختلف عليه، لابد أن نستذكر حلبجة ليس لكي نختلف بل لكي نتفق ونعتذر لها، لابد أن نفعل ذلك بل لابد أن نفعل.

باسم محمد حبيب