بداية السورية، تشكل الملاط الذي يتم التأسيس عليه، في أي حوار مهما كانت طبيعة الموضوعات التي يتناولها، وحنى لو كانت لغته، فيها كثيرا أو قليلا من عدم مراعاة، لخطاب المجاملة. منذ زمن والمعارضة السورية، كحال أي معارضة تريد أن تصل إلى قواسم مشتركة، في ظل مصالح وتوازنات مختلفة وأحيانا تبدو متضاربة، إلى هذه الدرجة أو تلك. الحوار مع الإخوان المسلمين، حوار شائك وله الكثير من المحاذير، ولأسباب عدة، ولكن أهمها، أنك تجد نفسك متورطا في قضايا دينية أو تعبوية تثير هذه الحساسيات، لأن الخطاب السياسي المرتكز على مرجعيات دينية، تفرز بين المقدنس والمدنس يريد جرك إلى صالح ثنائياته الشهيرةquot; كافر أو مؤمن، مرتد أو مريدquot; مع ذلك يحاول الكثير من الناشطين والكتاب، أن يؤسسوا حوارا بعيدا عن هذه التوترات البلاغية. منهم من ينجح ومنهم من يجد نفسه غارقا في لج هذه المماحكات اللفظية المقطوعة عن السياق السوري. هذا السياق قد جرى عليه تحولا كنا كغيرنا قد توقفنا عنده. وهذا بدأ منذ أن أصبحت إيران لاعبا أساسيا في هذا الشأن، ومنذ أن فرضت ميزانا جديدا للقوى بتواطئ إسرائيلي واضح، ولازلنا نؤكد أيضا أن المصالحة العربية متوقفة الآن على الموقف الإيراني، وحال المعارضة السورية من إرباك إلى آخر. لم يكن يغيب عن البال تشابكات الوضع السوري العربية والإقليمية والدولية. ولكنها رغم حضورها في التفكير المعارض إلا أنها تفعل فعلها في تلعثم النسق المعارض. وهنا لابد لنا أن نتوقف عند ما نعتبره مسلمات من وجهة نظرنا، والتي تتعلق بموضوعة التغيير السلمي الديمقراطي التي تطرحه المعارضة السورية.


التغيير السلمي هو الذي يمكن له أن يتم إما عبر إرادة سلطة وبالتالي يتعايش القديم مع الجديد وتحسم المنافسات السياسية في اللعبة الديمقراطية، فإما أن يثبت القديم صحته، أو يثبت القادم الجديد صحته، وهنا نقصد كتلة المعارضة الديمقراطية السورية. هذا كنا أسميناه دوما الحد الأدنى للتغيير الديمقراطي السلمي. أو يتم تسليم السلطة لنظام ديمقراطي انتقالي كما طرح في زمن ما المناضل رياض الترك، في مبادرته المعروفة. او يبقى الخيار الآخر وهو أن تنهار السلطة السياسية وينزل المواطن السوري إلى الشارع لكي يغير اللوحة السياسية. هذه المعادلات- الخيارات تحتاج كلها إلى موازين قوى على الأرض، وهذا ما يحاول النظام دوما بعثرته، وعدم قيام مثل هذه الموازين التي تستطيع سلميا فرض معادلاتها السياسية. من الواضح للعيان أن كل الطيف المعارض السوري، وبغض النظر عن طريقة تعاطيه السياسي إلا أنه مجمع على أن النظام السياسي ليس بوارد أن يتكون لديه أي خطة إصلاحية حقيقية للبلد، ولهذا بالضبط اعتبرت أوساط النظام أن خطوة الأصدقاء في الإخوان المسلمين بتعليق نشاطهم انتصارا للنظام، وهذا وفق اللوحة التي تحدثنا عنها يعتبر قول حق يراد به باطل. منذ عقدين من الزمن وأكثر، والإخوان يجربون محاولات المصالحة لأن لديهم أوضاعا إنسانية بحاجة أيضا إلى تسوية. عشرات الألوف من الأسر السورية مشتتة في أصقاع العالم ولا تستطيع العودة إلى وطنها. وكي لا نضيع في إزدحام المواقف والحوارات التي تمت بعد إعلان الإخوان عن تعليقهم لنشاطهم المعارض، وكي لا تأخذنا الحوارات النقدية بعيدا عن غياب المطلب الديمقراطي السوري والذي يجب أن يحتل الأولوية بالنسبة للجميع، لابد أن تكون كل محطة نقدية حوارية هي محطة لمراجعة الذات ومعرفة القوى التي تتواجد على أرض الفعل، في مواجهة المطلب المعارض في الديمقراطية ودولة القانون وحقوق الإنسان. وهنا كي لا نبقى نعيد ونكرر نقول أن جبهة الخلاص الوطني في سورية، لازالت رغم كل ما حققته، تحتاج إلى إعادة تنظيم وهيكلة وطرح فريق من المحترفين الذين يستطيعون إبقاء عجلة النشاط السياسي والإعلامي للجبهة دائرة، ودون توقف، وهذا يحتاج فعلا لا قولا ولا إدعاء إلى قرارات جريئة. أهمها أن يكون هذا الفريق من المحترفين يمتلكون خطة واستقلالية نسبية عن قيادة الجبهة، وحتى عن التحكم به أو بعمله ماليا، من أي طرف كان حتى ولو كان هو المساهم الرئيسي في هذا الأمر. ومن مهام هذا الفريق هو ان يدير حتى الخلافات حواريا ونقديا داخل مؤسسات الجبهة ويقدم تصوراته لكل مؤسسات الجبهة، ويأخذ على عاتقه قراءة المستجدات على صعيد الشأن السوري، بما فيها التنسيق بين الداخل والخارج.

أما بالنسبة للحركة الكردية فكل نيروز وأنتم بخير، أهم ما يمكننا الحديث عنه هنا هو أن تكون جزء أصيلا من الحراك السوري الديمقراطي. ونشاط هذه الحركة يجب أن يكون رافعة لوحدة الخطاب السوري المعارض، ولتحريك المياه الراكدة في مؤسسات هذه المعارضة، ودون اللجوء إلى تصعيد خطابي لفظي في المسألة القومية، ينعكس تشرذما أكثر حتى على القضية الكردية نفسها. نأتي إلى إعلان دمشق، من الواضح أن موازين الموقف قد تغيرت نسبيا داخل صفوف الإعلان ودون نشاط ملموس ومميز، ولازالت خطة لينين بقليل من الكتابة ومجموعة قليلة من المناضلين تسيطر على خلفية الموقف، ويضاف إلى ذلك سيف القمع المسلط على رقاب الرفاق والأصدقاء، ولكن من الواضح أيضا أن هنالك مواقف تريد الهيمنة على الإعلان دون أن تقدم نشاطا يذكر، وهذا من شأنه أن يخلق مزيدا من ضبابية الطرح المعارض. وعلى القيادة الحالية للإعلان أن تكون عامل تجميع للقوى قدر الإمكان. نعود للقول ليس خطأ أن يميت الإخوان مبادرتهم خاصة أن النظام لم ولن يستجب لها، وليس خطأ أيضا أن تتفهم بقية الأطراف هذا الأمر، ولكن دون أن يعتمد الأمر على ضبابيات مؤسساتية وخطابية، أو عن طريق بوس اللحى كما يقال. ديمقراطية سورية رأس الأولويات، بتشارك بين القديم والجديد، أو عبر الجديد، ليس مهما المهم في الأمر أن تخرج سورية من شرنقة الزمن الاستبدادي المتكرر في إعادة إنتاج قبضته الفاسدة والقمعية على الوطن.

غسان المفلح