تجرأ الباحث الإسلامي يوسف زيدان والذي يعمل تحت مظلة مكتبة الإسكندرية على الدخول في مجال الأدب، وكتب رواية بعنوان quot;عزازيلquot; أي الشيطان، وهي تحكي عن ذلك الشيطان الذي يحارب راهبا قبطيا كان يعيش في صعيد مصر في القرن الخامس الميلادي، فأغواه لممارسة الفحشاء مع عدد من النساء، كما دفعه إلى الوله بفيلسوفة وثنية بالإسكندرية تدعى quot;هيباتياquot; كاد أن يترك إيمانه ورهبانيته ويتبعها، لولا أن قتلها المسيحيون ومثلوا بجثتها بقيادة البطريرك quot;كيرلسquot; (عامود الدين!). وتتهادى أحداث تلك الرواية الشيقة فتمضي بنا من صعيد مصر للإسكندرية، وعبر سيناء إلى العريش لأورشليم (القدس) ثم أخيرا لسوريا ناحية شمال حلب. وخلالها نتعرف من خلال الراهب quot;هيباquot; وشيطانه quot;عزازيلquot; على فكر quot;نسطورquot; وشخصه الوديع، مقابل تسلط وحِدَّة باقي الأساقفة الذي وصل بأسهم إلى حد قتل خصومهم وتحريض شعوبهم وعزل ونفي معارضيهم.

كتب يوسف زيدان كل هذا وأكثر على لسان راهب قبطي يدعي quot;هيباquot; إدعى هو أنه عثر على مذكراته فترجمها من السريانية للعربية. فهي إذن ليست أفكار وكلمات المؤلف التي تخضع للقيل والقال، أو عى الأقل للمناقشة، ولكنها مذكرات رجل دين عايش تلك الأحداث بنفسه، وتنقل ما بين أفخاذ النساء وصدورهن، وهو يتأمل تسلط quot;عزازيلquot; ويدعو إلهه أن ينجده من سلطانه عليه، ولكنه يواصل سقوطه المدوي، حتى انتهت الرواية إلى ما يبدو انتصارا للشيطان عليه قائلا: quot;غاب عزازيل بداخلي وسكت، فغمرتني راحة مفاجئة، شعرت بعدها بالفضاء يلفني.. بعد حين توسدت فرغي، ونمت في نومي.quot; إذن فالعتب على الراوي وليس المترجم الذي لم يفعل سوى عملية ترجمة أمينة لما كتبه الراهب منذ خمسة قرون فحسب.

ومن خلال تلك الترجمة البريئة ينقل لنا الراهب رؤية quot;نسطورquot; العقلانية عن طبيعة السيد المسيح، وينفي إلوهيته وربوبيته وهي أساس الديانة المسيحية بمختلف كنائسها، ويقتنع بأفكاره الراهب هيبا صاحب المذكرات فيتبع نسطور الوديع الهادئ، ويعزف عن تباعية كيرلس أسقف كنيسته الأهوج المتسلط، القاتل، الذي ينجح في افتعال مؤامرة تؤدي إلى عزل الأسقف نسطور حبيب القلب. والمترجم بالطبع برئ من كل تلك الأفكار، فهو مضطلع بترجمة مذكرات الراهب quot;هيباquot; ولا غبار عليه في ذلك إذن. ولكن أن يدافع يوسف زيدان عن روايته بأنها quot;حقيقة التاريخquot; الذي لا تملكه الكنيسة القبطية، وإنما يعرفه هو بحكم تخصصه ودراسته التاريخية، فهنا يكون المؤلف قد أخطأ في حق الكنيسة القبطية، والكنائس المسكونية برمتها، وبحق التاريخ نفسه، وبحق القارئ المسكين الذي بلع الطعم وصدق إن ما كتبه زيدان ماهو إلا ما أراد الكاتب أن يقوله عما حدث، ولا علاقة لهيبا الراهب به، ولا للتاريخ أيضا. هذا هو إذن رأي زيدان وليس حقيقة التاريخ.

والأخطر من هذا هو وجه الشبه الغريب الذي بدى لي، ولآخرين، بين هذه الرواية التي صفقت لها أقلام الكتاب والنقاد، حتى توج الاحتفاء بها بالحصول على جائزة البوكر العربية، وبين رواية أخرى بعنوان quot;هيباتياquot; كتبها الروائي الانجليزي تشارلز كينجسلي في أواخر القرن التاسع عشر عن راهب مصري في القرن الخامس يذهب الى الاسكندرية ويتقابل مع الفيلسوفة هيباتيا ويقع في غرامها تحت تأثير الشيطان الذي لا يكف عن غوايته حتى أنه وقف يستمني حين وقعت عيناه على رسوم راقصات تعلو جدار معبد فرعوني قديم! والغريب أن الكاتب الانجليزي كتب منتقضا حياة الرهبنة منذ أكثر من مائة عام ولم نسمع عن موقف كنسي يدعو لقتله او عزله أو حتى نبذه، في حين أن انتفض آية الله الخوميني، وأيده المسلمون جميعا وقتها، وأحل دم كاتب مسلم يدعي سلمان رشدي حين كتب quot;آيات شيطانيةquot; رواية ينتقد خلالها رسول الإسلام.

لذلك لم يتردد البابا بنديكت في إعلانه عن حل دم يوسف زيدان لأنه أساء بكتابه لمشاعر المسيحيين ولحقيقة إيمانهم، ولأنه نشر رؤيته الشخصية للتاريخ وزعم أنها وقائع عاشها راهب مسيحي معاصر، ولأنه ادعى أن فكر نسطور قد أجهضه ديكتاتور أرعن كان يقود كنيسة الإسكندرية متناسيا المجمع المسكوني الذي انعقد من أجل مناقشة وضحد ذلك الفكر المغالط للإيمان المسيحي الصحيح الذي أجمعت عليه كل الكنائس من بعده والذي تمخض في quot;قانون الايمانquot; الذي اجتمع حوله كل المسيحيين باختلاف طوائفهم معلنين ألوهية المسيح الإبن، وأخيرا ـ وليس آخرا ـ لأنه تعمد أن quot;يستعيرquot; فكرة وموضوع رواية عالمية شهيرة كتبت قبل روايته بمائة عام بدون أن يشير حتى إليها كمرجع استعان به. وهنا أدعوكم جميعا إلى مقاطعة البضائع المصرية أسوة بمقاطعة البضائع الدانماركية حين نشرت تلك الرسوم إياها! وحتى يعتذر رئيس الحكومة المصرية للمسيحيين حول العالم عما اقترفه يوسف زيدان بحقهم!

شريف مليكة