إنسانيا من الصعب جدا أن يزايد أحد على أحد، لهذا سنترك ملف المنفيين والمشردين في أصقاع المعمورة من الإخوان السوريين، لأنه ملف شائك وحساس. نتركه لأننا نعتقد أن إصرار الإخوان السوريين على انتظار الصلح مع النظام، لا علاقة له بهذا الملف، لأن النظام على ما نعتقد لديه إمكانية وقدرة على حل هذا الملف دون إعطاءه أية صبغة سياسية. وهذا ما يتمناه كثير من السوريين، والعديد من تيارات المعارضة، لا وبل هنالك شخصيات حتى من داخل النظام لديها مثل هذا التوجه. لهذا نجد أن موقف الإخوان المسلمين في سورية، في تعليق نشاطهم المعارض، لم يأتي على ذكر هذا العامل الإنساني كدافع لهذا الموقف، بل الدوافع تعلقت بشكل رئيسي كما جاء في معرض تبريرهم لهذا الموقف، غزة في أثناء العدوان الإسرائيلي عليها، من جهة والعودة إلى قضية فلسطين من جهة أخرى، للوقوف صفا ممانعا واحدا مع كل القوى التي عبرت عن وقوفها على أرضية الموقف السوري الرسمي. ثم بين أخذ ورد، وحوار ونقاش تبين أن سورية مستهدفة أيضا كوطن وكدولة لهذا رأى الإخوان أن تعليق نشاطهم المعارض، هو للدفاع عن الوطن. ومن ضروريات الحوار الذي جرى ولازال يجري حول هذا الموقف، لابد من التذكير بأن الوساطات بين النظام والإخوان لم تنقطع، ولم تتوقف أبدا، ونشير فقط إلى الخطوة التي تمت سابقا بقيادة المراقب العام السابق رحمه الله الشيخ عبد الفتاح أبو غدة والذي تركه الراحل الأسد يموت خارج وطنه بعدما عاد إليه وساطة، رفضها الرئيس الراحل. وتاريخيا من يقوم بهذه الوساطات هي الأطراف الإسلامية في بقية الدول العربية، والتي ترى في نظام دمشق القلعة الأخيرة في الجيب العربي الممانع. كيف أوقع النظام الإخوان المسلمين في سورية ومعه بعض الأطراف الإسلامية وبعض قيادت الإخوان السوريين أنفسهم في الفخ؟


النظام لا يصالح الإخوان لأنه يخافهم، بل لأنهم شماعة الخوف ذاته من التغيير الذي يريد تصديره للغرب وللعالم، والأهم لأطياف الشعب السوري، ممن يخافون الإسلام السياسي. لذا هو يستطيع حل الملف الإنساني دون أن يحل الملف السياسي، وليس بحاجة على حله أصلا كما ذكرنا، بل سيبقيه ملفا عالقا سياسيا. وإن حله فسيكون بدخول التنظيم المعاد تشكيله وفق مصالح سياسية مفترضة في الجبهة الوطنية التقدمية كواجهة سياسية وحزبية للحكم الفردي. نعتقد أنه حتى لو كان هنالك من قيادات الإخوان السوريين من يقبل بهذه التوليفة الكاريكاتورية، فإن النظام سيأخذ وقته تماما بحيث يصل لتطبيق الصيغة الكاريكاتورية هذه، ويكون الإخوان قد فقدوا بريقهم تماما كمعارضة، ويبقوا أفرادا حزبيين في جبهة النظام. والآن انطلق كثر ممن عالجوا هذا الأمر من أن النظام يمكن أن يقدم على مصالحة سياسية مع طرف أسمه الإخوان المسلمين ويسلم لهم بهذه الهيبة- الصورة، وهذا هو منتهى الوهم وأس الفخ الذي وجد وسيجد أخوان سورية أنفسهم واقعين فيه. أما الحديث عن أن عودتهم كطرف سياسي تعيد موضعة جديدة للواقع السوري المعارض، هو عبارة عن تمنيات لا تتعدى إجراءا أمنيا يقوم به النظام بحل الملف الإنساني حلا أمنيا فقط. والآن لا الإخوان قادرون على مراجعة موقفهم ولا النظام سيكف عن إرسال الإشارت الإيجابية علنا أو سرا لهم، ولكن دون الوصول إلى الضفة الأخرى من النهر. الموضوع السياسي ليس موضوع مشروع نهضوي ممانع أو معتدل، وليس أنساق من التفكير سينتظرها المتحول السياسي بسلطته القوية، حتى تصبح أكثرية شعبية. ولن يسمح لها حتى أن تتحول إلى قوى كامنة. النظام لا يريد في هذه المرحلة رسالة مصالحة سياسية من أي نوع كان مع إسلام سياسي سوري. ولهذا أوقعت تنظيمات ويعض شخصيات الإخوان المسلمين العرب والأتراك أشقاءهم أخوان سورية في فخ الانتظار، الذي لا نتيجة واضحة له سوى المزيد من تشرذم المعارضة السورية. ولم يعد ينفع القول بأولوية القضية الفلسطينية، خاصة وأن أوروبا وأمريكا ربما مقبلة على الحوار مع إيران، وبالتالي مع حماس.

وهنالك أشارات أكثر من واضحة في هذا الاتجاه. ماذا سيكون موقهم عندما يجلس خالد مشعل مع الوفود الأوروبية والأمريكية والإسرائيلية؟ وأين أصبح كلام الإخوان الذي كان يرددونه سابقا في كل مناسبةquot; أن نظام الأسد تحميه إسرائيل؟ مع ذلك هذه الأسئلة هي ليست للإدانة أبدا وإنما لتفعيل الحوار بشكل حقيقي وفي مستواه السياسي، بعيدا عن خطابات الحماس من جهة وبعيدا عن تنظيرات بعض المفكرين العرب. السياسة الآن هي من تنتج مشروعا تنويريا وليس العكس كما هو الحال في أزمنة ماضية، لا يمكن التأسيس لأي مشروع نهضوي، إلا في الحقل السياسي. لأن الحقل السياسي في ظل نظام دولي معقد، ومتعدد الرؤوس، ومشروع غربي واحد يحيط العالم من شرقه إلى غربه، يصبح الحديث عن مشروع فكري نهضوي، دون احتكاكه المباشر بالشارع، وبالرأي العام الداخلي والإقليمي والدولي ضربا من التكرار الذي يشبه تكرار الزمن الاستبدادي في هذا العصر. النظام السياسي، لم يعد كما كانت النظم السياسية في السابق، ولابد لنا من ملاحظة على غاية من الأهمية، وهي أن المشاريع الفكرية المطروحة في المنطقة العربية سواء كانت قومية أو إسلامية لم تعد تحرك شارع، ربما يتحرك من أجل رغيف خبز أو من أجل حادثة قتل، أو من أجل تشاجر بين عائلتين!! وهذا ليس نفيا لدور الفكر، ولكنه تأكيدا بأن الفكر السياسي عند معظمنا يتحرك خارج حقله الحقيقي. فأي مشروع إقليمي أو قطري يجب أن يتحرك ضمن فضاء المشروع الغربي نفسه، ووفقا لآلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي الآليات التي أصبحت عالمية، لهذا يقول أصحاب هذه المشاريع عادة أن الغرب منافق عندما يحمي نظاما ديكتاتوريا! نعود لموقف الإخوان المسلمين في سورية، وأنهم الآن بانتظار غودو والذي لن يأتي أبدا..والانتظار هو الفخ الذي هو تكرار لنفس الزمن الاستبدادي لاغير.


غسان المفلح