المذاهب الفقهية الاربعة، وآيديولوجية المذهب الجعفري، أين الخلاف؟ وأين الاختلاف؟
ولد الاسلام حرا،وأنطلاقته الاولى من غار حراء كانت حرة للناس اجمعين،فلا مذهب ولا مذهبية،ولا احتكار ولا دكتاتورية،ولا سنية ولا شيعية، بل حركة فكرية دينية ألهية هدفها أحقاق الحق بين البشرية،فلا فرق بين ابيض واسود،ولا من آمن ولا من لم يؤمن، الكهف( 29)،مادام الكل من الملتزمين بمبدأ الحق والعدل والسلام بين الناس.(الحمدُلله رب العالمين...ملك يوم الدين آيام نعبد وآياك نستعين) بك نتمسك وبك نقوى ونستعين بالحق القوي على الظلم والعدوان.فكانت رسالة السماء بمعاييرها الثابتة لن تسمح بخرقها من كل الاخرين.ومن يعتدي عليها فجزاؤه جهنم في الاخرة وله عذاب الضمير.
مدرسة حرة ولدت بمنهج حر لا يقبل التأويل،لكلمات ارساها فيه للاخرين: الحق والعدل واحترام حقوق كل المخلوقين،فالله واحد والرسول واحد والرسالة واحدة فمن أين جاء الخلاف والاختلاف في الدين؟ قرآن صالح لكل زمان ومكان الى يوم الدين.لغته العربية سليمة لاتقبل الخلاف والاختلاف، طُبق المنهج التاريخي العلمي عليها محافظة على اتساق نظامها من يقرأها ويتقنها يرى فيها موازنة واضحة بينها وبين اللغات الاخرى. فالتلازم بين النُطق والتفكير ووظيفة الابلاغ فيها مؤكدة،والترادف اللغوي فيها معدوم، وبها اصبح الانسان كائن ناطق مفكر اجتماعي معروف.
هذا القرآن بنظريته اللغوية الجزلة قاده العلماء والفقهاء ولكلٍ منهم دوره الخاص،فالتأويل للعلماء تجنباً للاختلاف في القصد،والتفسير للفقهاء تجنباً للاختلاف في اللغة. فألآية (7) من سورة آل عمران أعطت للفقهاء حق التأويل،والاية(122) من سورة التوبة اعطت للفقهاء حق التفسير،فلا احد له الحق بأحتكار حق الاخرين.. واستمر الحال في حياة محمد وخوفا من الاختلاف والخلاف قال لهم رسول الله(ص) قبل ان ينتقل الى جوار ربه قال للجميع بعد فتح مكة وبأعلى صوته:ايها الناس لا تنقلوا عني حديثاً غير القرآن. فقد كان يدرك ماسيحصل من خلاف واختلاف لذا اراد تحديد القصد والمقصد ليشهد عليه كل الحاضرين.
ومات محمد(ص)،فأختلفت الاراء بمن سيخلفه بعد الرحيل.سيخلفه دستوره الذي كتب ووصاياه التي سمعت والقرآن المجيد. وحديث غدير خم ما هو الا توجه نبوي رصين لتنبيه الناس نحو الكفاءة والمقدرة حتى لا يعين المفضول على الافضل في مناصب الدولة العليا وكان يدرك ان الصحابة (رض) هم كلهم من الكفوئين ألم يعاونوه ويساعدوه في دعوته حتى الرمق الاخير، فالخلافة المبتكرة ملك للمسلمين يودعونها لمن يريدون وينزعونها منه حين يرغبون بمعايير الحق والعدل والاستقامة التي تركت لهم بتقنين.
ومن يتابع ما بين علي وابي بكر الصديق وعمر والصحابة الاخرين من علاقة وتوطين وقرابة ونسابة لايجد ما نحن فيه نتقاتل اليوم من اجلهم اجمعين.وفي غزواته كلها كانوا جميعا له من المساندين.فأين الاختلاف والمختلفين؟
قد يصاب الانسان المسلم بالصدمة حين ادراكه عدم وجود الترادف في القرآن، بعد ان عوده عليه حتى أصبح مقررا في عقله وقلبه،لان ذلك يستدعي هدم التصور السائد في فهم الاسلام القائم على الترادف اللغوي الان،فهل من تصور جديد في فهم الاسلام لنتخلص من كل ادران الماضي البغيض؟
القران لم يكن كتابا علميا ولا كتابا فقهيا وانما هو التصور الجديد لمنهجية الكون والانسان وهذا مالم يدركه الفقهاء عند التفسير.فموضوعاته اشتملت على خلق الكون،وخلق الانسان ونشأة الالسن واستنطاقها(الحج 5)،وجعل المساواة اساسا في الحياة (المؤمنون 101)،وقانون الجدل العام والخاص (كل شيء هالك الا وجههُ).والقرآن قدم لنا رؤية جديدة للصراط المستقيم والمعروف والمنكر ومبدأ التلازم بين الحنيفية والاستقامة والمرأة والرجل في نظرية المعرفة الانسانية التي أغفلها كل المفسرين.
واذا تتبعنا ما كتبه الفقهاء من القرن الثالث الهجري والى الان لم نلمس منهم سوى تركيزهم على الفرق والمذاهب والحلال والحرام لاشغال الفكر العربي الاسلامي عن كل جديد في عالم المعرفة حتى اوصلوينا الى أمية التفكير.فهل باستطاعتنا اختراق الصعاب لنصل بالقرآن الى ما اراد وطلب؟ام سنبقى ندور في فلك المتفيهقون.كل الديانات السماوية والارضية تحررت عقولها من الخلاف والاختلاف، الا نحن المسلمين لازلنا نراوح فيما نحن فيه من خطأ مقصود جاء به الاقدمون.
امامي اليوم فقه الامام جعفر الصادق(ع)فكر جديد يتطور مع الزمن عقلا ومنهجاً بالمبادىء التي ارساها،فاين الخطأ في المنهج واين المذهب المتعارض مع الاخرين؟يقول الامام الصادق في الشيخين ابي بكر وعمر(رض):( والله اني لأرجو الله ان ينفعني بقرابتي منهما،فأين الخلاف وأين الاختلاف بينهم ونحن لا زلنا نتهم بعض فرق الشيعة بشتم الصحابة،هذه سُبه اخترعها معاوية الاول في علي بن أبي طالب وأماتها عمر بن عبد العزيز وأنتهى الامر.؟. فالامام استاذ لأبي حنيفة النعمان وأنس بن مالك،فكيف يختلف التلميذ مع الاستاذ الا ما جاء به الفكر من تطور.وسواءً اخذ الامام بالقياس ام لم يأخذ فهل هذا يعني الخلاف بينه وبين ابي حنيفة في الدين؟
من خلال قراءة النصوص الفقهية بين الشيعة وبين مذاهب اهل السنُة في الفقه أنها لاتمس أصل الدين،وكل ما ذكر من خلافات لازالت تحتمل الاجتهاد والتغيير لصالح الجميع.فهناك أفتراء على الشيعة بوجود قرآن اخر لهم سموه قرآن فاطمة،وهذا ما نفاه علماء الشيعة قاطبة، وانا الذي قضيت الايام الطويلة في النجف الاشرف اثناء بحثي لشهادة الدكتوراه وتنقلت في مكتبات ومجالس المرجعيات الشيعية المكرمة،فلم اسمع به من قريب او بعيد،فمن اين جاؤا بهذا الافتراء الكبير.
وهناك أختلاف في المتعة التي اقاموا عليها الدنيا واقعدوها،واليوم الكل سنُة وشيعة في زواج المتعة والمسيار متفقون،والاية القرأنية 24 من سورة النساء جاءت حلا لها. وفي الطلاق الشيعة لا تأخذ بالطلقات الثلاث بل بالنص الديني(حكم من أهله وحكم من أهلها) والاية 19 من سورة النساء جاءت حلأ عادلا لها. وامور اخرى في الصلاة كالتكتيف والتسبيل، والرجم لم يأتِ في القرآن الا في ثلاثة في سورة الشعراء (116)وهود (9) وياسين(18) في مواقع ليس لها علاقة في القصد. والاذان والمسح على الرجلين أما الردة فكل المذاهب متفقة على ان المرتد لايقتل بل ينصح ولا يُقاتل الا اذا اشهر السيف بوجه الاسلام البقرة (217و (وأنظر الملل والنحل للشهرستاني). والوصية مقدمة على الارث بموجب الاية( 180 )من سورة البقرة،وفي الحاكمية الدينية جاءت الاية( 258 ) حلا لها. فاين الخلاف والاختلاف؟ أذن لماذا هذا مسجد شيعي واخر سني وثالث لا ادري ما اسميه؟
كلها امور لا تمس العقيدة ولا دخل لها فيهاابدا،بل اجتهادات شخصية محضة، عفى عليها الزمن، ويمكن الاتفاق عليها بتقريب وجهات النظرفيها فقهياً،فأين الخلاف والاختلاف.؟،فهل من منقذين ليخلصونا والى الابد من محنة التفريق؟كم من أمرأة طلقت وشخص قتل وأولاد ضاعوا من خرافة الخلاف والاختلاف. أما كان حرام على الفقهاء والمفسرين ان يزرعوا فينا كل هذا الخطأ الكبير،من اجل سيادة الحاكم والمتنفذين،أكانت دولة آموية هذه أو عباسية مسلمة أم كانت دول المنافقين؟ واين مؤتمرات التقارب الفقهي في الاسلام؟ فهل من جديد نراهُ منهم اين القرضاوي الذي ملأ الدنيا صراخا في قرأن فاطمة وسب الصحابة فرقة للمسلمين؟ هل من احد يزيل الغمة عنا ويعيد الصفاء بين المسلمين؟أفقهاء هؤلاء ام مخربين؟
لم تسنح فرصة في التاريخ الحديث لاستغلالها مثلما سنحت اليوم للسيد نوري المالكي رئيس وزراء العراق ان كان جاداً حقاً وحقيقة في محو آثار المتفيهقين، فهل يغتنمها ليصبح أول المصلحين؟ ليعلن رسميا ان لا فرق بين المسلمين فيامر بتوحيد الجوامع والآذان وكل موجبات العبادة بين الجميع،في عراق المتحررين، ويسجل سابقة تاريخية ما سبقه أحدُ قبله من الاولين؟ نتمنى له ذلك.وليكن العراق هو أول المبادرين.كفى لقد ضحكت علينا شعوب الارض كلها ونحن اصبحنا اخر المدافعين،فلا اسلام فينا محترم ولا شعائر لنا مكرمة،فصلاتنا مختلفة،وزواجنا مختلف وطلاقنا مختلف،وارثنا مختلف ونحن ندعي بوحدة المسلمين،كفى ضحكاً على الذقون يا أئمة المسلمين.لا حل امامنا ابداً الا بصرخة قانونية ملزمة بتوحيد المناهج الدراسية العلمية والادبية الدينية في كل مدارس المسلمين،والا سنبقى مهزلة شعوب الارض الى ان يرث الله الارض ومن عليها،وسنموت ونفنى ونحن من المختلفين.
د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]
التعليقات