يقوم قسم كبير من الخطاب الدعوي المتطرف على فكرة أن اليهود والنصارى هم العدو الأول والأخير للعرب والمسلمين، وسبب محنتهم وبلائهم، ولولاهم ولولا تآمرهم، وكيدهم المتواصل، لعاش العرب والمسلمون، بثبات ونبات، وخلفوا، ويا عيني عليهم، صبياناً وبناتاً حلوين quot;كتاكيت وأماميرquot;، وعادوا سادة العالم، ومثل الأول وأكثر.
غير أن الواقع يدحض كل هذا الخطاب الدعوي. ومن ينظر لواقع العرب والمسلمين وطريقة تعاملهم مع بعضهم البعض، وغاص في جزئيات حياتهم اليومية، لأدرك على الفور خواء وهزال هذا الخطاب، وعدم صحته على الإطلاق، وافتقاره لأي سند واقعي. فناهيكم عن تمتع العرب والمسلمين وبشكل متواكل وطفيلي على كل منجزات الغرب النصراني من الإبرة للطائرة للفياغرا، هناك جملة من الحقائق الأخرى أكثر إيلاماً لا يمكن تجاوزها، أو القفز فوقها بحال من الأحوال.
فمثلاً، وبمجرد أن تطأ قدما العربي والمسلم مثلاً، أراضي الكفار وquot;أعداء اللهquot; الملاعين من النصارى، حسب الخطاب السلفي، إياه، فإنه سيحظى بسلسلة لا متناهية من التسهيلات والإغراءات الحياتية، وسيمنح حق الإقامة والجنسية وتعويضات وضمانات اجتماعية وعلاوات وإضافات له وللأولاد بحيث أصبح ذلك تجارة رائجة بين العرب والمسلمين في تلك البلدان.
فيما يبقى مطارداً ومتهماً في وطنيته وعروبته وإسلامه، وفقيراً ومعوزاً ومحتاجاً، لو غضب الله عليه، وعاش الدهر كله، وأكل عمره وعمر غيره، في وطنه العربي والمسلم، ويعجز عن تأمين كوخ لزوجته وأطفاله في أرض آبائه وأجداده بعد أن سطت المافيات النهبوية العربية والإسلامية على الهواء والكلأ والأرض والماء والفضاء.
ويمنع من منح الجنسية له ولأبنائه في كافة الدول العربية والمسلمة لو عاش وعمل فيها وأفنى عمره وزهرة شبابه وأيامه فيها. ولا يمكنه دخول أو الإقامة في أي بلد عربي، إلا بعد سلسلة من الإجراءات الطويلة من الإذلال الممنهج وحيث تستقبله أسئلة وأجوبة الأجهزة السرية وسيكون محظوظاً جداً لو كان الطرد من نصيبه فقط لأتفه سبب ومن دون أن ينال أي تعويض أو ضمانات اجتماعية وقانونية عن الفترة التي قضاها في الإقامة أو العمل في البلد العربي والمسلم، وهذا ما لا تفعله أعتى الدول الصليبية نفسها مع المهاجرين، أو ما تفعله إسرائيل مع العرب المسلمين من أبناء الـ48 حيث وصلوا إلى التمثيل النيابي وعضوية الكنيسيت الإسرائيلي، فيما يفشل المواطن العربي والمسلم في إثبات وطنيته وولاءه لبلده، ويظل في نظر quot;الأجهزةquot; العربية والإسلامية طوال عمره متهماً، ومطعوناً في ولائه وإخلاصه لوطنه المحتكر، حصرياً، محبة وولاء، لعائلات ولسلالات قدرية حاكمة بعينها.
فإلى اليوم مثلاً هناك مشكلة الفلسطينيين العالقين على الحدود العراقية- الأردنية حيث هم مهددون في العراق بعمليات ثأر وانتقام، وممنوعون في ذات الوقت من دخول الأراضي الأردنية، إلى أن سمعت بقصتهم ومأساتهم بعض الدول الكاثوليكية النصرانية في جنوب أمريكا، فمنحتهم إذناً بالدخول وأعطتهم حق الإقامة وتفضلت عليهم بالجنسية والسكن وضمانات لا يحلمون بها في دولة بني أمية، والخلفاء الراشدين ذاتها، وإمارات الطالبان الأخرى المتناثرة على هذه الأرض اليباب. فيما الدول العربية والإسلامية المجاورة، تطنش عن مأساتهم بالمطلق، لكنها لا تنسى أن تصلي الفروض الخمس وتنام قريرة العين هانيها، وأذن من طين وإذن من عجين وكل الحمد والشكر له تبارك وتعالى، وتحسب، في آخر النهار، كم صار رصيدها، من البترودولار، جراء بيع النفط الخام، في بنوك النصارى، والعم سام.
وإلى اليوم، وبمناسبة عيد المرأة، والأم هذه الأيام، فإن معظم الدول العربية والإسلامية لا تمنح جنسيتها لأبناء المواطنة العربية المسلمة، وبنت البلد الأصلية من زوجها العربي والمسلم، ويبقى هؤلاء محرومين ومجردين من الجنسية في مواجهة العدم والفراغ والضياع، وتبقى المرأة المتزوجة من عربي ومسلم، مع أطفالها بدون أية ضمانات حقوقية واجتماعية وإنسانية في بلاد العرب والمسلمين، فيما تخجل دول الغرب النصراني اليهودي الكافر التصرف بذلك مع أبناء المهاجرين والقادمين إليها حتى من الأدغال، لا بل تتمادى غباء بتنصيب أبناء أحدهم رؤساء دول عليها كما فعلت مع المسلم المرتد بركة بن حسين أبو عمامة، علينا من ذكره السلام.
ويستقر اليوم معظم المعارضن البلاشفة والمناشفة والأصوليون والمراكسة والعلمانيون والناصريون والوحدويون والقوميون والانفصاليون وأبناء الأقليات والأغلبيات المغضوب عليها، الفارون والهاربون، من قمع منظومات الاستبداد الأبوية البدوية الشرق أوسطية، في مضارب النصارى في لندن ولاهاي وباريس ونيويورك وغيرها من دول الشرك والتنصير والكفر والبهتان.(حسب الخطاب إياه).
وبالأمس القريب قطع المغرب كافة علاقاته الدبلوماسية مع دولة إيران الشيعية الصفوية المجوسية الفارسية، والعياذ بالله، ولكنه لم ينس أن يبقي على العلم الإسرائيلي، ذي النجمة السداسية الزرقاء الحلوة يرفرف بالقرب من الجوامع التي تدعو على اليهود والنصاري بالويل والثبور، فيما تشوب علاقات معظم الدول العربية والإسلامية البينية الحذر والشك والتخوين والتوجس. وحتى اللحظة، ما زالت محاولات المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، محفوفة بالمخاطر، والتي لا يعلم حتى محمود عباس، وعمر سليمان والي حسني مبارك والمفوض السامي على العربان، كم عددها وكم فرخت من الزعماء والتسميات.
كما تتردد معظم الدول العربية والإسلامية حتى اليوم في إرسال سفرائها إلى العراق لأنه أصبح عبارة عن quot;حوزة شيعيةquot; كبيرة، والله يستر، بيد السيستاني والي آية الله الخامنئي على النجف وكربلاء. وأيضاً، لولا المساعدات اللوجستية التي تقوم بها فرق التبشير النصرانية والمنظمات الإنسانية لتفاقمت أزمة المسلمين في دارفور، ووصلت حد الوباء والكارثة البشرية؟ فهل يعقل أن هؤلاء يكرهون المسلمين والعرب فقط لأنهم مسلمين كما يزعم الخطاب إياه؟
وإلى اليوم تبقى العلاقات المصرية الإيرانية في حال من التوتر والقطيعة وتنعكس سلباً على مجمل شعوب الإقليم، وتشل فاعليتها وقدرتها على التوحد والإئتلاف لما فيه مصلحة الشعوب، وكله بناء على منطلقات عقائدية وإيديولوجية فارغة يغذي عداواتها الفقهاء، رغم أنهم جميعاً يدّعون التمسح بتلابيب الإسلام، ما حدا بالشيخ الإخواني يوسف القرضاوي لإصدار تحذيره الشهير عن غزو شيعي، انتبهوا، وليس غزو نصراني لمصر والدول المسلمة الأخرى، حيث يعكس هذا التصريح خوفاً من المسلمين أنفسهم، أكثر من أي خوف آخر من النصارى.
في نفس الوقت الذي يمد فيه باراك أوباما المسلم المتنصر، والعياذ بالله، يده لإيران معلناً بدء عهد جديد من المفاوضات والسلام بين الجانبين.بعد كل هذا، وغيره الكثير، الكثير، مما يؤلم ومما يتوفر في الجعبة والذاكرة والوجدان، من يصدّق، أو من ينصت، بعد ذلك، لذاك الخطاب؟
نضال نعيسة
[email protected]
التعليقات