صباح يوم الاثنين 23 آذار/مارس 2009 قرأت فى (المرصد العراقي) عن امتيازات مالية لأعضاء مجلس النواب ذكرت فيه : بالرغم من انخفاض سعر النفط وما تبعه من تخفيض فى ميزانية 2009. وتشمل هذه الامتيازات حصول النائب وأفراد عائلته على جوازات سفر دبلوماسية مدى الحياة وتخصيص قطع أراض بمساحة 600 متر مربع ومخصصات إضافية تقدر بثلاثة ملايين دينار(2500 دولار)، أضافة لـ200 ألف دولار لشراء سيارة مدرعة.
وأكد النائب المستقل وائل عبد اللطيف صحة تخصيص مبلغ 15مليون دينار شهريا (12500 دولار) لأفراد حماية النائب والبالغ عددهم 30 شخصا يضاف إلى الراتب الشهري للنائب، ولكن بعض النواب لم يعينوا هذا العدد من أفراد الحماية. وحول ما تردد من وجود ردود أفعال شعبية غاضبة حيال الأموال الطائلة التي يتلاقها نواب البرلمان شهريا، دافع النائب عبد اللطيف عن القانون الذي وصفه بالمعلن، منتقدا الفساد الموجود في نثريات الرئاسات الثلاث.
فيما أكد النائب عن القائمة العراقية أسامه النجيفي إقرار القانون بشكل نهائي بعد إيضاح البرلمان للبنود الغامضة فيه ومنها (عائلة النائب)، فقد حددت عائلة النائب بالزوجة والأولاد القصّر، ويتكلم القانون عن منح جوازات دبلوماسية للنائب ولعائلته مدى الحياة، ومنحه قطعة أرض تبلغ مساحتها 600 متر مربع في أي مكان يختاره.
من جهتها، أشارت النائبة عن جبهة التوافق عضو اللجنة المالية آلاء السعدون إلى أن الأراضي المخصصة للنواب وفق القانون جاءت بناءً على طلب قدم منهم بعد أن تعهدوا بتسديد ثمنها بالتقسيط من رواتبهم، كما أكدت النائبة تخصيص مبلغ 3 ملايين دينار عراقي (2500 دولار) كمخصصات إضافية للبرلمانيين تطبيقا لقانون مجلس النواب الذى ينص على معاملة النائب كالوزير فى المنح المالية.
وحول ما تردد من وجود ردود أفعال شعبية غاضبة حيال الأموال الطائلة التي يتلاقها نواب البرلمان شهريا، دافع النائب المستقل عبد اللطيف عن القانون الذي وصفه بالمعلن، منتقدا الفساد الموجود في نثريات الرئاسات الثلاث. انتهى
أصابنى الذهول مما قرأت وترحمت على أيام الراحل (طاهر يحيى) رئيس الوزراء فى العهد العارفي، حيث لفق عليه البعثيون طرائف كثيرة عن سرقاته واختلاساته من خزينة الدولة وجيوب المواطنين، وأطلقوا عليه اسم (أبو فرهود). أذكر واحدة من تلك الطرف : أنه طلب من خياطه أن يخيط له بدلات جديدة بنفس القياسات القديمة ولكن بجيوب أوسع!. ولما ظفر به البعثيون عذبوه شر تعذيب وقتلوه أبشع قتلة.
منذعاد البعثيون الى الحكم سنة 1968 والى أن انتهوا فى نيسان 2003 كانت خزينة الدولة رهن اشارتهم وبذروا الأموال على الحروب الجنونية التى خاضوها مع ايران والكويت، وسرقوا أموال الناس وممتلكاتهم بدون حساب، واشتهر منهم خير طلفاح (خال صدام حسين) وأطلق عليه العراقيون فى اسم (حرامي بغداد)، اذ كان يرغم أصحاب البساتين والعمارات التى تعجبه بالتنازل عنها واعادة تسجيل ملكيتها بإسمه، والويل كل الويل لمن يعترض. وكذلك فعلت عائلة صدام والمقربين اليهم، وهربوا المليارات من الدولارات الى خارج العراق، تلك المليارات التى يستعملونها اليوم لزعزعة نظام الحكم الجديد والعودة الى حكم العراق.
ومنذ اليوم الأول لسقوط البعثيين وهروب صدام، قام أفراد ممن تدربوا على الاجرام من لعراقيين، وعلى رأسهم منتسبي الأمن والمخابرات والحرس البعثي وانضم اليهم اللصوص والقتلة الذين أطلق صدام سراحهم قبيل سقوطه المهين قاموا بسرقة وتدمير كل شيء يقع تحت أيديهم، فبالاضافة الى سرقة البنوك والمتاحف والبنايات الحكومية والأهلية وحرق بعضها، فقد سرقوا الأجهزة الطبية من المستشفيات وحطموا ما لم يستطيعون نقله، وكذلك فعلوا بالجامعات والكليات والمعاهد والمدارس تحت سمع وبصر الأمريكيين الذين اكتفوا بالتفرج عليهم بحجة أنهم يريدون كسب قلوب وأفكار العراقيين وأنهم (الجنود الأمركيين) لم يكونوا مدربين على أعمال هى من اختصاص الشرطة. لم يكن جميع المجرمين من دين معين أو مذهب معين أو حزب معين، ولكن جمعتهم روح الاجرام والاستهتار بأرواح الناس وأموالهم وأموال الدولة، ولا يملكون الادراك الكافي ليدركوا انهم انما يقتلون أهلهم ويخربون بيوتهم ويدمرون بلدهم.
قلنا انها أيام قلائل وتنتهى الفوضى ويزج اللصوص فى السجون، ولكن ظهر لنا الآلاف من نوع ابو فرهود وحرامي بغداد، فمنهم من ارتدى ملابس الورع والتقوى وتظاهروا بحرصهم على الدين والمذهب وحماية أهله، وهم أبعد ما يكونون عن الدين والمذهب، فقاموا بأبشع أنواع الجرائم وتفوقوا على من سبقوهم، واستأجر بعضهم القتلة واللصوص من داخل البلد وخارجه، وعاثوا بالبلد فسادا بشكل لم يسبق له مثيل.
وصبرنا وتحملنا على مضض، وغامرنا بأرواحنا حين خرجنا لانتخاب نوابنا. وخدعونا مرة أخرى، فبدلا من تقديم أسماء المرشحين بصورة منفردة طلعوا علينا بقوائم وكان علينا أن ننتخب القائمة بمن فيها.
وصدمنا مرة أخرى عندما تبين لنا أن بعض من انتخبناهم، منهم الطائفيين، ومنهم القتلة، ومنهم من لا يفهم شيئا مما يدور حولهم.
وافتتح المجلس العتيد ndash;كالعادة- بتلاوة من آي الذكر الحكيم، تضمنت آية الشورى :(وأمرهم شورى بينهم)، والتى تجدها موجودة فى معظم مجالس النواب فى البلدان العربية. واستقبل السادة النواب رئيس الوزراء وهو يدخل الى المجلس بالصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر الميامين. كانت تلك الجلسة هادئة نوعا ما، اذ لم يكن معظم النواب مصدقين أنهم فازوا بالعضوية وامتيازاتها. ولم يمض زمن طويل حتى بدأ الصراخ يعلو فى المجلس ويتبادل النواب الشتائم والتهم، ومنهم من ينسحب أو يهدد بالانسحاب. وخاف معظم النواب أن يحضروا أكثرالجلسات التى كانت تؤجل لعدم اكتمال النصاب.
وحل موسم الحج، وكان أمام المجلس قوانين مهمة جدا لمناقشتها والموافقة عليها او رفضها، وتضرع اليهم رئيس الوزراء بتأجيل ذهابهم للحج فى تلك السنة، وكذلك فعل بعض الوزراء والنواب الشجعان المخلصين، فلم يستمعوا لأحد، فقد وجدوا فى ذلك فرصة قد لا تتاح لهم للحصول على لقب (حجي) على حساب الدولة حيث يستصحبون معهم أفراد عوائلهم وجيرانهم وأصدقائهم على حساب الدولة طبعا، ونسوا أمر الشعب الذى جاء بهم وأجلسهم على تلك الكراسي. وتكرر ذلك فى مواسم الحج التالية ولم يعيروا اهتماما لمشاعر الناس الذين خابت آمالهم.
وكما ذكرنا فان النواب الذين تنقصهم الشجاعة كانوا يخافون من الاغتيال لم يحضروا معظم الجلسات، الا الجلسات التى مرروا فيها القوانين التى تخص رواتبهم ومخصصاتهم، والتى وجدوا انها تستحق المغامرة!!
هل أن أرواحهم أغلى وأثمن من روح الجندي أوالشرطي الذى هو عرضة للقتل فى كل يوم وكل ساعة وهو لا يتقاضى عن عمله الخطر هذا عشر معشار ما يحصل عليه النائب؟
الكل يشكون من الفساد ومعظمهم يمارسونه، وقد استشرى فى معظم دوائر الدولة، ولا غرابة أن وزير الداخلية قد أعلن عن طرد 62 ألف موظف من وزارته، ولا ريب أن هناك أكثربكثير من هذا العدد من الذين لم تثبت عليهم بعد الجرائم التى ارتكبوها والذين تسندهم جهات عليا. كما أن هناك آلاف أخرى فى بقية الوزارات يجب محاسبتهم وتقديمهم الى العدالة.
وقبل أيام أتصل بى صديق عراقي ليخبرنى عما حصل لزوجته العراقية التى تحمل الجواز الكندي حينما ذهبت لزيارة ذويها فى بغداد، فأساؤا معاملتها فى الدائرة المختصة بالأجانب وفرضوا عليها دفع الرشوة وراجعتهم عدة مرات قبل أن يختموا الجواز لتعود الى كندا وأقسمت أن لا تعود الى العراق مهما كانت الأسباب، فقد قضت معظم الوقت فى مراجعة تلك الدائرة. وذكرت لزوجها أن معظم المراجعين كانوا من العراقيين الذين يحملون جوازات أجنبية، وكانوا جميعا خائفين ومرعوبين من احتمال عدم حصولهم على تأشيرة الخروج.
فى العهد الملكي كانت هناك رشوة وكان هناك استهتار بمصالح المواطنين ولكنها لا شيء بالنسبة الى ما يحصل اليوم فى العراق. ان الحكومة مهما كانت مخلصة وأمينة لن تستطيع أن توقف الفساد لوحدها ما لم يعاونها الشعب بذلك، ولكن شعبنا تغيركثيرا عما كان عليه فى تلك الأيام الخوالي، بعد أن حكمهم أولاد الشوارع والقتلة والشقاوات واللصوص من البعثيين وغيرهم من أسافل الناس الذين لم يكتفوا بتخريب العراق بل خربوا العراقيين وخلقوا منهم أجيالا لا تعرف الا القتل والتدمير والسرقات وعمل الموبقات. فى المستطاع اصلاح بناية مخربة واقامتها فى أيام أو أسابيع معدودة، أما اصلاح الأنفس فيحتاج الى عقود. لك الله يا وطنى يا ينبوع الخيرات ومهد الحضارات وبلد حمورابي الذى وضع أول شريعة مكتوبة في تأريخ البشر، يعاقب فيها المسيئين ويكافىء المحسنين.
عاطف العزي
التعليقات