عقب إعلان فوز محمود درويش بجائزة ملتقي القاهرة الدولي للشعر العربي في دورته الأولي فبراير 2007 خرجنا مجموعة من الإعلاميين والنقاد بعضهم كان من أعضاء اللجنة التي منحت الجائزة، وفوجئنا بأحد النقاد المصريين يعلن اعتراضه علي فوز درويش ويشاركه أخر مؤكدين أن حجازي كان لابد أن يحصل عليها، وتساءلنا ليلتها كيف وهو رئيس لجنة الشعر المسئولة عن تنظيم الملتقي وهو رئيسه أيضا، وانطلق الناقدان الكبيران متبارين في الدفاع عن حجازي شاعرا ومثقفا وإنسانا، لذا لم أكن متفاجئا حين أعلن عن فوزه بجائزة الملتقي في دورته الثانية التي عقدت أخيرا، بل إنني أشرت إلي ذلك في التقرير الذي نشرته إيلاف عن الافتتاح، ولكني لم أشأ التأكيد وأضفت اسم محمد عفيفي مطر إلي جانبه، لأنني لم أتخيل أن يصل الأمر إلي هذا الحد من الاستهتار.


والعجيب أن يخرج علينا البعض معترضا ومهاجما حجازي لحصوله علي الجائزة، فيما كان يدافع عنه منذ وقت قليل ويطالب بحصوله علي الجائزة، بل إن البعض ممن هاجمه عضو في لجنة الشعر التي يترأسها حجازي، وهذا العضو أو ذاك اكتفي بالتصريحات الصحفية المنددة بسلوك حجازي دون أن يتخذ موقفا واضحا كأن يستقيل مثلا من اللجنة، الأمر الذي يكشف عن عبثية تتفاقم وتستفحل وتضرب قيم الثقافة المصرية وتسئ إلي رموزها وآبائها الرواد، ويؤكد أن الأمور تسير وفقا للمصالح الذاتية والأهواء الخاصة.


لكن لندع مسألة الجائزة جانبا، ولنعد إلي الوراء أيام قلائل، حيث كان مهرجان دبي الدولي للشعر، وكان حجازي يزاحم ليحجز مقعده إلي جوار حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، باعتباره شاعرا كبيرا، هذا الشاعر الكبير عضو في اللجنة المنظمة لمهرجان دبي، ولم يطرح شاعرا من مصر سواه والشاعر سيد حجاب، في حين أن دولة كالسعودية أو سلطنة عمان أو لبنان أو السودان أو اليمن أو البحرين، كان وفد شعرائها لا يقل عن أربعة شعراء بينهم اثنين علي الأقل من الأجيال الجديدة، يعني أن التجربة الشعرية في هذه البلدان وغيرها كانت ممثلة إلي حد كبير، لقد سألني البعض هناك أين الشعر المصري، أين الشعراء المصريون، أين جيلكم، أين جيل السبعينيات، أين جيل الستينيات؟ هل مصر التي تمثل تجربتها الشعرية الأكثر ثراء وتنوعا عربيا يمثلها حجازي فقط الذي لم يكتب قصيدة منذ ما يقرب من عشرين عاما؟ وكنت ألف وأدور كي أدافع عن التجربة الشعرية المصرية التي يحاول حجازي تحجيمها والتعتيم عليها بل وقتلها، كنت حزينا أن أرى مصر يتم وأد تجربتها وهي ـ دون تحيز أو عنصرية ـ الأكثر قوة ونضجا وفرادة.


ولأنني خارج مصر كنت أخشي حفاظا علي سمعة وطني وكرامته وتاريخه، أن أتلفظ بلفظ يسئ إليه ومن ثم إلي مصر، لكن ما أن رجعت حتى انطلقت أحدث أصدقائي عن هذا الجبروت والتعنت الذي أسأ لمصر وشعرائها حين استفرد ـ وربما فعل ذلك كثيرا من قبل، فهو رئيس لجنة الشعر بالمجلس الأعلي للثقافة ويملك حق الترشيح لنفسه ولزمرته ـ بترشيح نفسه فقط وتجاهل عن عمد ـ لا شك فيه ـ أن يرشح شعراء من أجيال مختلفة.


ولكن ما حجازي؟ حجازي جزء من منظومة تكاد تهلك مصر باستحواذها علي مقدراتها في كل المجالات دون استثناء، منظومة كلها حجازي، في الصحافة والسياسة والاقتصاد والثقافة والفكر و.. ونحن غير بعيدين عن وزارة الثقافة التي ترزح تحت وطأة رؤية أحادية منذ ما يقرب من ربع قرن، رؤية لم تتطور ولم تتجدد ولا أحد يعرف لها ملمحا أو يذكر لها قيمة مضافة حتى اللحظة سوي ما ارتكبته من أحداث مؤسفة لا تتعلق بسرقة آثار ولوحات وإهدار مال عام فقط بل وحرق فنانين في بني سويف وحرق مسرح القومي والكثير والكثير من المآسي، هذه الوزارة أيضا التي تصر علي أن يمثل أعضاء لجانها quot;المختارينquot; في كافة هيئاتها مصر في الخارج، والجميع يعرف أن أعضاء هذه اللجان لا يمثلون ثقل مصر الإبداعي أو الفني أو الفكري، وأنهم أشبه بموظفين لدي الوزارة والوزير.


إن ما ارتكبه حجازي من حماقة بحصوله علي جائزة الملتقي الشعري، لا يزيد عن كونه حماقة من حماقات تدهسنا كل يوم، حماقة تذبح الكفاءات العلمية والإبداعية والفنية والسياسية وغيرها، وهذا لا يسيء إلي شخص، لا يسئ لحجازي أو ذاك الوزير أو غيره ولا حتى يسئ للنظام، وإنما يسئ إلي مصر وشخصيتها، لقد تعبت من ترديد quot; يا ناس مصر لا تستحق منكم هذه الإساءات والإهانات التي تقتلونها بها كل يوم quot;، لكن للأسف quot;النخب، كل النخب ودن من طين والتانية من عجينquot; فقد تلبسهم القول الشهير (أنا ومن بعدي الطوفان)، ولك الله يا مصر.

محمد الحمامصي