بين قمة دمشق العام الماضي وقمة الدوحة في الثلاثين من شهر مارس الحالي يبدو المشهد العربي على حاله، على الرغم من الأمل الذي فتحته قمة الرياض الرباعية الشهر الماضي في تجاوز الخلافات العربية، التي أدت إلى انقسام العرب خلال السنوات الخمس الأخيرة، هذا الانقسام الذي ظهر بوضوح أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة.


ومن شأن وفتح باب الأمل أن يأتي ببشائر انفراج في العلاقات العربية ـ العربية، خاصة وأنَّ بشائر هذا الانفراج جاءت في دعوة المصالحة العربية التي أطلقها خادم الحرمين الشريفين في قمة الكويت الاقتصادية في يناير الماضي، الأمر الذي يُكسب قمة الدوحة أهمية كبيرة في اختبار نتائج دعوة المصالحة.


في خلفية الانقسام العربي تبدو قضية فلسطين وقضايا أخرى، والجميع يترقب ما سيسفر عنه الحوار بين فتح وحماس في القاهرة، بعد أن اتفق الجانبان على القبول بصيغة حكومة توافق وطني، قادرة على توحيد المؤسسات الفلسطينية، والإعداد لانتخابات تشريعية ورئاسية جديدة، ومن ثم كانت زيارة عمر سليمان مدير المخابرات المصرية إلى واشنطن لمعرفة رد فعل المسئولين الأمريكيين إزاء القبول بحكومة توافق وطني تكون حماس شريكاً فيها.


وتبذل مصر جهدها من أجل إنجاح الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني، وهي تدرك جيداً أن قضية برنامج الحكومة لم تعد قضية فلسطينية داخلية فحسب، إذ تربط الكثير من الدول المعنية الاعترافَ بحكومة التوافق الوطني الفلسطيني بالبرنامج الذي ستقوم عليه، كما أن مصر قد تسعى إلى الذهاب إلى قمة الدوحة وهي تحمل إنجازاً من وساطتها بين الأطراف الفلسطينية أو بين الفلسطينيين وإسرائيل في قضايا التهدئة وتبادل الأسرى المرتبطة بالإفراج عن الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.


تأتي قمة الدوحة في ظروف استثنائية كذلك، بسبب مذكرة توقيف الرئيس السوداني عمر البشير التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية، وهو أول أمر من نوعه تصدره المحكمة بحق رئيس دولة مازال في سدة الحكم. أضف إلى ذلك أن ثمة حكومة يمينية متشددة برئاسة بنيامين نتانياهو على وشك تولي السلطة في إسرائيل، الأمر الذي يراه البعض سداً للطريق أمام احتمالات التسوية مع الفلسطينيين.


وقبل كل ذلك وصول باراك أوباما إلى البيت الأبيض بتوجهاته الجديدة في قضايا المنطقة ومنها قضية فلسطين والاحتلال الأمريكي للعراق، لكن الانقسام العربي يجعل الأمور أكثر صعوبة، فإذا وجد أوباما موقفاً عربياً موحداً، تجاه قضية فلسطين على سبيل المثال، فإنه من المحتمل أن يحدث اختراق في سبيل الحل النهائي، وإن كانت واشنطن سوف تركز في النهاية على مصالحها، حتى في سعيها للحوار مع دول مثل إيران وسوريا.


إزاء كل هذه الظروف، فإنَّ نجاح قمة الدوحة يتوقف على: تغليب المصالح العربية بعيداً عن الانجذاب إلى المحاور الإقليمية أو الدولية، وعلى موقف عربي موحد لمواجهة دول إقليمية في مقدمتها إسرائيل تعمل على تعميق الفرقة بين الدول العربية وضرب أي تقارب بينها، وتنشيط العمل العربي المشترك في مجالاته المختلفة وخاصة الاقتصادية منها، والأهم من كل ذلك القدرة على إدارة الخلافات العربية ـ العربية في إطار من الأهداف الموحدة والتناغم العام.

فؤاد التوني
إعلامي مصري