أريد أن أؤكد إنني كمواطن عراقي غير ملزم بأي اتفاقية عقدتها أو ستعقدها أي حكومة عراقية مع أي طرف أمريكي،لسبب بسيط هو إنني وقعتُ من جانبي اتفاقية شاملة وعادلة قبل أكثر من عشرين عام مع طرف أمريكي مهم للغاية واليكم التفاصيل :

حينما التقيت به، لم يكن يحمل مدفع quot; رامبو quot; الرشاش، ولم يهبط من مروحية quot; أباتشي quot;، أو متدرعا بعربة quot; هامفي quot;! بلquot;أوراقا من العشبquot;*


كان بسيطا جدا، ومسالما، لم يكن لقائنا الأول في زمن الاحتلال quot; التحرير quot;، بل كان هذا قبل عدة سنوات، تحديدا في العام 1989 وفي قرية صغيرة من قرى quot; الحلة quot; في الفرات الأوسط..!


ورغم فارق العمرquot; كنت في الثانية والعشرين من العمرquot;، وفارق المسافة والثقافة..صرنا أصدقاء. منذ اللقاء الأول ولغاية الآن، مبهورا ومعجبا بصديقي المميز، وفي أول فرصة سنحت لي!
أحببت أن اعرف حبيبتي به!


وهكذا ذهبت برفقته للقائها، كان موعدنا فوق جسر quot; بتـّه quot; فيquot; الحلهquot;، وكعادتها نست الموعد وبقيتquot; مشتولاquot; بانتظارها قرابة الساعتين، طبعا حزنت كثيرا إنها لم تأتي، خصوصا إنني لم أكن وحدي بل برفقة صديق أجنبي،وهذا لايجوز مع الضيف، كانت هذه المرة الثانية التي تفعلها مع ضيف أجنبي، هو ضيفي، إذ إن المرة الأولى كانت قبل أشهر مع ضيف انكليزي،هو السيد quot; كولردج quot;!


لم أحزن كثيرا حين ذلك، لان quot; كولردج quot; كان سوداويا، وحزينا، انتحر في ذات اللحظة التي لم تأتي بها حبيبتي للموعد من على جسر quot; بتـّهquot; ذاته في شط quot; الحلةquot;،لم يكن الموت بسببها بل وكما أعتقد بلعنة quot; طير القادوس quot; التي لازمة زمنا ما!!.
لقائي الأول بصديقي الأمريكي، كان عفويا وبسيطا، أتذكر لحيته الكثة المهيبة!


كطفل يتوسل الرفقة قال:( أيها الغريب! إذا أردتَ أن تحدثني، وأردتُ أن أحدثك، فلم لاتحدثني ولم لاأحدثك!؟ )
وهكذا حدثته عن العراق، وعن quot; شط الحلة quot;، عن الطيور والأنهار، والغناء!


وحدثني هو عن quot; أمريكا quot; وعن quot; الميسيسيبيquot; وعن quot; مانهاتن quot;، أحببت quot;أمريكا quot;و الشعب quot; الأمريكي quot; من خلاله.!
ولدماثته بعد أن لاحظ حزني، وخجلي، لتأخر أو عدم مجيء حبيبتي لموعدنا، إقترح أن نبدد الوقت بالغناء، وهكذا غنينا معا أغنية نحبها:
( أيتها المتدفقة بالأنوثة
آه لو جذبتك إليّ
لأغرس فيك للمرة الأولى
شفتي رجل مقدام
..آه للسرعة
أن أنطلق حرا
أن أحب حرا
أن أضيع إن كان لابد من الضياع
أن أطعم بقيا الحياة ساعة إمتلاء وحرية
ساعة قصيدة من الجنون والفرح)
كنت فرحا، ومعتزا بصداقتي، التي أحسستها عميقة جدا!
نسيت أمر حبيبتي التي خذلتني، وكعادتي، حين تخذلني إمرأة بموعد ما، أول ما أقوم به هو تناول وجبة مدينة quot; الحلة quot; المفضلة quot; باقلاء بالدهن، والبيض quot;!

هذه المرة تناولتها مع صديقي quot; الأمريكيquot;،وكم كانت فرحتي غامرة، وه ويتناولها عن آخرها، مرددا: ما أكرم أمنا الأرض، وأروعها بتنوعها!

كان علي أن أغادره مرغما، على أمل اللقاء، الذي تجدد وتعمق كثيرا، ولكن قبل المغادرة،إتفقنا أن نوقع أنا وهو quot; اتفاقية quot; صداقة، عادلة..وكالآتي:نسميها quot; اتفاقية الصداقة للأحرار العراقيين والأمريكيين quot; كان نصها بسيطا، مفهوما وموجزا..وكالآتي :quot;
( فائر جسدي، وشهواني، يأكل، ويشرب، وينجب
ليس متعاليا فوق الرجال والنساء
وليس بعيدا عنهم
ليس متواضعا أو غير متواضع
إنني أقول كلمة السر البدائية
وأعطي شارة quot; الديمقراطية quot;
ووالله، ماقبلت شيئا لن يناله الآخرون سواسية)

التوقيع : عن الجانب quot; الأمريكي :والت ويتمان
التوقيع : عن الجانب quot; العراقي quot; ضياء حميو

وهكذا افترقنا ومازالت عرى صداقتنا قوية، واتفاقيتنا، صالحة بعدلها وبساطتها.
علمت خلال السنين المنصرمة، إن الشعب quot; الأمريكي quot; يفخر على مرالسنين بأنه أنجب إنسانا شاعرا إسمه quot; والت ويتمانquot;، صديقي ذاته ماغيره!
وبعد أكثر من تسعة عشر عاما على لقائنا الأول، أتساءل الآن: كم من الساسة الأمريكان، ألأغبياء المتغطرسون، منهم والأذكياء المغفلون، قد قرأ لصديقي! وأن قرأ، هل فهم؟!
وإلا فلماذا يفخرون؟!
سلاما لك صديقي، رغم السنين، حتى العاهر كنتَ تسميها quot; أختي quot;!!
سلاما لك أيها quot; الأمريكي quot; الحقيقي
من صديقك العراقي.

* والت ويتمان: شاعر أمريكي 1819ـ1892.كل مابين الأقواس الكبيرة هو من مجموعته quot; أوراق العشب quot; ترجمة سعدي يوسف.
** صامويل تايلور كولدرج: شاعر وناقد إنكليزي 1772ـ1834
quot; لعنة طير القادوسquot; من قصيدة quot; البحار القديم quot; لكولردجquot;.


ضياء حميو
[email protected]