بالأمس تفجرت أزمة حادة داخل الإتحاد الوطني وإن كان البعض يصفها بردا وسلاما على قيادة الإتحاد، ولكن على الأرض لم يستجد شيء ولم نلمس ما يشير الى إحتوائها رغم خطورة تلك الأزمة على مستقبل هذا الحزب، فكل ما هنالك أن هدوءا مريبا يخيم الآن على وضع الحزب قد يكون الهدوء الذي يسبق العاصفة، فالمعالجات المبتسرة لم تتجاوز بعد حدود تسكين الإحتقان بالمهدئات، والمطالب الملحة التي تقدم بها بعض قيادات الإتحاد لم تنفذ بعد مما يرجح من تجدد الأزمة، كما ليس هناك ما يشير الى إرضاء القيادات المنسحبة من الإتحاد خصوصا التي رفعت راية التغيير والتجديد والإصلاح، ولذلك فإن هذا التكتم الغريب على الوضع الداخلي للإتحاد يشي بحدوث تطورات مهمة على صعيد وضع الحزب في الفترة القليلة القادمة..

واليوم تفجرت أزمة أخرى داخل حزب كادحي كردستان وهو أحد الأحزاب الكردية التي حاربت نظام صدام حسين، وشارك في الجبهة الكردستانية التي قادت إنتفاضة الشعب الكردي عام 1991 والتي إنتهت بتحرير كردستان من قبضة النظام الصدامي..

بالتوازي مع هذه التطورات الجديدة على المجتمع الكردستاني الى حد ما، خصوصا وأن الشعب الكردي ظل متمسكا بأحزابه التقليدية التي ناضلت في جبال كردستان لسنوات طويلة ضد الدكتاتورية، وكان هذا النضال بمثابة أمجاد قومية تتوارثها تلك الأحزاب وتعطيها هيبة ومهابة، وتسبغ على الأخرى نوعا من القدسية، ولكن اليوم تغيرت الكثير من المعايير والمقاييس بعد أن جرعت هذه الأحزاب الثورية المناضلة شعبها الكردي مر العذاب والهوان بسبب الفساد المستشري في كردستان.
بالتوازي مع هذه التطورات هناك تكهنات بتفجر أزمات مماثلة داخل بقية الأحزاب التقليدية ولا تستثني تلك التكهنات الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني المعروف بتماسك قياداته.

هذه التطورات المتلاحقة لها بإعتقادي علاقة مباشرة بالإنتخابات البرلمانية المزمع إجراؤها في كردستان منتصف شهر أيار القادم، ولعل سبب عدم الإعلان النهائي لموعد تلك الإنتخابات على الرغم من مطالبة رئيس البرلمان بإعتماد ذلك التاريخ، يعود الى هذه التطورات المتسارعة في الإحداث الكردستانية. فقيادة هذه الأحزاب وخصوصا الحزبين الحاكمين الإتحاد الوطني بقيادة طالباني والديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني صدمت بحجم وتسارع هذه التطورات، فأصبحت تتخبط في حالة من التشوش والصدمة لكيفية التعامل مع هذه الأحداث.
فبالنسبة للحزبين الحاكمين، فإن أزمة الإتحاد الوطني ستنسحب بآثارها بكل تأكيد على حليفه الحالي وغريمه السابق الحزب الديمقراطي، لأن هناك إتفاقا إستراتيجيا طويل الأمد موقع بين الحزبين لإدارة شؤون الإقليم والمشاركة في الحكومة العراقية وتقاسم السلطة بينهما على المستويين العراقي والكردستاني، فعلى الرغم من تطمينات متعددة من مسعود بارزاني والرجل الثاني في حزبه رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، فأنه في حال أي ضعف يصيب الإتحاد الوطني فإن خللا كبيرا سيحدث في علاقة الحزبين، رغم وجود تلك الإتفاقية الإستراتيجية، لأنه حسب ما تترشح من الأنباء والتسريبات من داخل التركيبة القيادية داخل الإتحاد الوطني وخارجه، فإن السيد نوشيروان مصطفى النائب السابق لطالباني في الحزب والذي تحول الى قائد للإنشقاق المنتظر ينوي تشكيل قائمة مستقلة خاصة به للتقدم الى الإنتخابات البرلمانية القادمة في كردستان، وهذا يعني إضعاف موقف حزب طالباني في تلك الإنتخابات وإستنزاف أصواته الإنتخابية،لأن نوشيروان يعتمد في شعبيته على كوادر وأنصار حزب طالباني المنشقين والمنسحبين والمطرودين يساندهم جمع كبير من الشعب الغاضب على سلطة الحزبين الكرديين.

ورغم إعتقادي بوجود مبالغة كبيرة ومقصودة في إستطلاع للرأي أجرته صحيفة كردية حول ما ستكون عليه التوقعات للإنتخابات القادمة،والذي أشار الى أن أكثر من 60% أكدوا أنهم سيصوتون لصالح قائمة نوشيروان المستقلة، ومع ذلك لا يمكن الإستغفال عن أن حظوظ نوشيروان في ظل هذه الأزمات المتلاحقة وتداعي الأحزاب الكردية التقليدية ستزيد ما لم يتدارك الإتحاد الوطني وضعه الداخلي ويسعى بجدية أكبر نحو الإصلاح والإستجابة للمطالب الحزبية والشعبية،وأن يعمل مع حليفة الديمقراطي الكردستاني على وضع معالجات سريعة وفورية لتقليل وتيرة الفساد في الإقليم، فمن حظ نوشيروان أنه لم يشارك في هذه السلطة الفاسدة، وأنه إنسحب مبكرا من الحزب، مما يجعله بحسب إعتقاد الكثيرين من المراقبين السياسيين ندا ومنافسا قويا للأحزاب السلطوية التي أغرقت الإقليم بالفساد.

لا أحد يستطيع التكهن بما ستؤول إليه الخارطة السياسية القادمة مع إنتهاء الإنتخابات المقبلة، فكما حدث في إنتخابات مجالس المحافظات العراقية التي كانت نتائجها خارج التوقعات، يصعب بالقدر ذاته التكهن بما سيكون عليه وضع الأحزاب الكردية جراء تلك الإنتخابات، ولكن في كل الأحوال يتوقع الكثيرون في الشارع الكردي أن يحدث تغيير، وتغيير كبير في الخارطة السياسية في كردستان.

لقد كتبت من على هذا المنبر والعديد من المنابر الصحفية في كردستان مئات المقالات حول الفساد في كردستان وضرورة مكافحته، ولكن السلطة الكردية إستساغت اللقمة المريحة وإن كانت مسروقة من أفواه الشعب، وأدارت ظهرها لكل النداءات الشعبية بضرورة وضع حد لهذا الداء المرعب الذي ينخر الجسد الكردي، وقد جاء يوم الحساب على ما أعتقد، فكما إستغل الشعب العراقي الإنتخابات البلدية ليعطي درسا للأحزاب العراقية التقليدية التي أغرقت البلد في الطائفية والفساد، ولم يستطع أي حزب بكل موروثه النضالي أن يحقق نتائج تتناسب مع وهم الثقل الشعبي في الساحة السياسية، فإن الشعب الكردي سيقول أخيرا كلمته تجاه الأحزاب الكردستانية التقليدية التي تنكرت لكل قيمها النضالية والإنسانية في قهر وإستعباد الشعب الكردي مقابل تحقيق مصالح شخصية وحزبية ضيقة..

وللحديث صلة..

شيرزاد شيخاني

[email protected]