ثمة إشارات عديدة و تأكيدات كبيرة في الأوساط العراقية وتحديداً في الرأي العام الرسمي والشعبي الى وجود ظاهرة الفساد في مؤسسات الدولة العراقية كما في مؤسسات حكومة أقليم كُردستان العراق و مؤسسات أخرى حزبية و وطنية، وثمة شبه إجماع تقريباً على أن هذه الظاهرة لاتقل خطورة من التحديات الأمنية والسياسية التي تواجه البلد، ذلك لأن هذه الآفة تمس مباشرةً حياة ومستقبل المواطنين وطرق إدارة الدولة بل تعيق حتى شروط بناء المؤسسات على أسس إدارية وقانونية سليمة تعيد الهيبة للدولة ومرافقها، هذا فضلاً عن أنها تلطخ سمعة البلد نتيجة التقارير الدولية المتتالية التي تدرج العراق، في كل مرة، في صدارة قائمة الدول التي تعاني من الفساد.


كما أن هذه الظاهرة صارت اليوم موضع حديث الناس جميعاً ومنبع شكاويهم بل باتت تؤثر على معنوياتهم وأحياناً على إيمانهم حتى بوجود أجهزة مُراقِبة أو جهات مسؤولة مخلصة في الدولة تهتم بها وتحد من تفشيها، خاصة بعد أن أتضح أن الآليات المتبعة لمواجهة هذه الظاهرة، مثل تشكيل هيئة النزاهة مثلاً، لم تأت ثمارها ولم تكن كافية لمواجهة الأمر، ربما لأن هذه الهيئة لم تتلق أصلاً الدعم المطلوب لتنفيذ واجباتها أو التعاون المرجو لتكثيف جهودها أو الإعتماد الفعلي على تقاريرها و تحذيراتها الخاصة عن المجالات التي تسربت اليها هذه الظاهرة بكافة عناوينها وألاعيبها.


وحتى الإنتقادات اللاذعة التي وجهتها ولاتزال الأجهزة والقنوات الإعلامية المختلفة بما فيها، أحياناً، القنوات الرسمية التي تمولها الدولة نفسها، لم تجد هي الأخرى نفعاً للوقوف بوجه الفساد ومكافحة الفاسدين والطامعين بالمال العام والعابثين بمصير المجتمع ومستقبله، بل الأسوأ من هذا هو القول المُخيب والشائع الذي يفيد أن بعض المسؤولين الذين تقع على كاهلهم مسؤولية الحد من تفشي الفساد لم يعودوا، هم أيضاً، مهتمين كثيراً بما يُنشر ويُبَث في القنوات و المنابر الإعلامية حول هذه المشكلة. كما أن الأشخاص الذين يُشتبه بأنهم متورطون في الفساد لايخشون من الرقابة والإعلام، وذلك بسبب غياب أية محاسبة قانونية بحقهم أو مساءلة علنية و شفافة تُطمئن المواطن بأن الدولة جادة في ملاحقة أولئك الناس، أما البعض الأخر من المسؤولين فأنهم ليسوا أهل الرهان والمراهنة عليهم أصلاً وذلك بسبب أساليب تعاطيهم اللامبالية مع مثل هذه القضايا والذي يتمثل في عدم إيلائهم شيئا من الإهتمام بالأنتقادات والإحتجاجات المجتمعية التي تقوم الأجهزة الإعلامية بتغطيتها وإثارتها.


لا جديد هنا لنقوله في هذا الصدد سوى تذكير مسؤولي الدولة في العراق و أقليمه الشمالي/الكردستاني والنخبة السياسية بحقيقية دامغة وهي أن الفساد يُدَمر كل ما يُبنى ويُخرب كل ما يُنجَز، فعندما يشعر المواطن بأن ثمة شرائح وشبكات مافيوية تُهرب ثروات البلد وتَسرق أمواله بشتى الألاعيب والحيل وتجهض الحد الأدنى من روح المساواة والعدالة الإجتماعية، عندما يشعر المواطن أيضاً بوجود حالات من قبيل الرشوة: أي الحصول على أموال أو أية منافع أخرى من اجل تنفيذ عمل او الامتناع عن تنفيذه مخالفةً للاصول، أو المحسوبية: أي تنفيذ أعمال لصالح فرد أو جهة ينتمي لها الشخص مثل حزب أو عائلة أو منطقةhellip; الخ، دون أن يكونوا مستحقين لها، أو المحاباة: أي تفضيل جهة على أخرى في الخدمة بغير حق للحصول على مصالح معينة، أو الواسطة: أي التدخل لصالح فرد ما، أو جماعة دون الالتزام بأصول العمل والكفاءة اللازمة مثل تعيين شخص في منصب معين لاسباب تتعلق بالقرابة أو الانتماء الحزبي رغم كونه غير كفوء أو مستحق، فأنه من حقه أن تنهار معنوياته ويفقد ثقته بالأمان والقيم والقانون، وهذه هي البداية المأساوية لكل إستسلام لروحية الإحتجاج العنيف وحب الإنتقام مما هو عليه من أجواء غير آمنة بل الإبتعاد عن الحد الأدنى من الأخلاص والهم والغم لما يعيشه الوطن وتمر بها الأمة، أي اللامبالاة الكاملة و الإيمان أحياناً بأن من وراء تحريك نظام الأشياء هو الشرور والفساد واللاأستقامة، وهذا هو الشر بعينه.!!

عدالت عبـدالله