تلوح في الأفق نذور مؤامرة إقليمية كبرى تهدف الى القضاء على حزب العمال الكردستاني الذي يناضل من أجل تحقيق الحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي في تركيا. ومن المؤسف أن يكون البعض من القادة الأكراد في العراق طرفا في هذه المؤامرة التي ستكون لها آثار مدمرة على تجربة إقليم كردستان في حال لو نجحت في تحقيق أهدافها الشيطانية.

أعتقد بأن خيوط هذه المؤامرة نسجتها تركيا عقب إنتهاء حملتها العسكرية الفاشلة في العام الماضي. ففي أعقاب الهزيمة المنكرة التي لحقت بالجيش التركي في تلك الحملة التي صورت في حينها كإحدى أكبر الحملات العسكرية خارج تركيا، لاحظنا كمراقبين سياسيين تغييرا واضحا في الموقف التركي الأردوغاني أن صح التعبير تجاه التعاطي العسكري مع قضية العمال الكردستاني، فبإستثناء غارات جوية ومدفعية تركية على الحدود، وهي غالبا ما كانت تستهدف ترويع السكان المدنيين، فإن الجيش التركي لم يجرؤ على خوض أية عملية عسكرية واسعة ضد مقاتلي الكردستاني، وترافق هذا التراجع التركي في عملياتها العسكرية مع بروز ملامح تغيير واضحة في سياسة الحكومة التركية وما سمي بالإنفتاح على الشعب الكردي، والذي صوره بعض المحللين الأتراك المأجورين بأنه نصر كبير للحكومة التركية.


ولكننا نعتقد بأنه كان هناك دافعان قويان لذلك الإنفتاح الخجول والمزيف في الواقع، أولهما، هو الضغوطات الأوروبية على تركيا للإلتزام بالمعايير الأوروبية لحقوق الإنسان ثمنا لقبول عضويتها في الإتحاد الأوروبي، والثاني هو بروز الحجم والثقل الإنتخابي للشعب الكردي في تركيا بعد نجاح حزب أردوغان المخادع في الحصول على نسبة كبيرة من الأصوات الكردية في الإنتخابات السابقة، حيث أن هذا الحزب أدرك أهمية كسب الصوت الكردي في أية إنتخابات تجري على الساحة التركية، لذلك غازل أردوغان أكراد تركيا ببعض الخطوات الخجولة مثل إطلاق إستخدام اللغة الكردية وفتح قناة تلفزيونية كردية في تركيا!!


هذه الخطوات الباهتة لا تندرج في إطار الإنفتاح الرسمي على القضية الكردية بقدر ماهي ذر للرماد في العيون، ومحاولات مخادعة لكسب الشارع الكردي في تركيا.

وإستكمالا لهذه الخطوات فقد عملت الحكومة التركية مؤخرا من خلال تكثيف إتصالاتها بالقيادات العراقية، وبما يسمى بالإنفتاح على الحكومة الكردية في إقليم كردستان على التمهيد لهذه المؤامرة التي كانت تلوح في الأفق، ولكنها تحولت اليوم الى أمر واقع ومعلن.

لقد كان أكراد العراق يختزنون بألم في ذاكرتهم الجمعية تلك الصفقة الخيانية التي عقدت على هامش مؤتمر الجزائر والتي أنتجت معاهدة الجزائر المشؤومة التي قتلت الثورة الكردية الكبرى بقيادة الزعيم الراحل مصطفى بارزاني، فإنكشف ظهر الشعب الكردي بإنهيار تلك الثورة، فبدأ النظام البعثي الفاشي عقب إنهيار تلك الثورة بإنتهاج أبشع سياسات التطهير العرقي، والتنكر لكل المكاسب التي إدعت أنه حققها للشعب الكردي. وتطورت تلك السياسة الشوفينية الى حد أن وصلت الى ممارسة جرائم إبادة شاملة ضد الشعب الكردي وإحراق الأخضر واليابس من أراضي كردستان، فكيف تنسى أو تتناسى القيادات الكردية العراقية الحالية التي كانت ضحية الأمس هذه الوقائع التاريخية القريبة جدا، وتشارك طوعا في تنفيذ مؤامرة يعلم الجميع بأنها ستكرر مآسي الشعب الكردي في العراق بتركيا أيضا، لأن الفاشية التركية لا تختلف في كل الأحوال عن الفاشية البعثية في التنكر لحقوق القوميات الأخرى،بل أن النظام التركي يفوق النظام العراقي الدكتاتوري السابق في إنكار حتى حق إستخدام اللغة الأم لهذا الشعب، وإعتبار أن الإنسان الأسعد هو من يقول أنا تركي؟!.

إن النظام التركي اليوم لا يختلف قيد أنملة عن النظام البعثي الذي يقدم قياداته اليوم الى المحاكمة الجنائية عن مئات الجرائم العنصرية والفاشية التي إرتكبوها في العراق ضد جميع الشعوب والطوائف والأديان العراقية، وهذه حقيقة يتجاوزها القادة الكرد للأسف في العراق، ويحاولون طعن إخوانهم ورفاقهم في النضال من الظهر، وتسليمهم الى الإرادة التركية لأجل مصالح شخصية بحتة.

إن القيادات الكردية ما إنفكت تكرر في كل مناسبة وأمام العالم أجمع شكرها وتقديرها وعرفانها بجميل الجمهورية الإسلامية في إيران لما قدمته من دعم ومساعدة أثناء نضال الأحزاب الكردية ضد الدكتاتورية الصدامية، وكانت إيران تقدم تسهيلات كبيرة لقوات البيشمركة لشن هجماتها ضد النظام الدكتاتوري، فكيف تجوز تلك القيادات الكردية لنفسها اليوم أن تحرم على حزب العمال الكردستاني ما كانت تحلله لنفسها بالأمس وتعتبرها حقا نضاليا مشروعا؟؟!.

لقد تكررت أثناء زيارة الرئيس التركي الى العراق ولمرات عديدة خلال اللقاءات الرسمية عبارة quot; تطوير وتطبيع العلاقات التجارية والإقتصادية بين تركيا وإقليم كردستان quot; فهل أن ثمن المشاركة الكردية في تلك المؤامرة الإقليمية هو إقتصادي تجاري، أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟؟!!. فنحن نعلم بأن تركيا ليست تلك الدولة المؤثرة في المنطقة حتى يستطيع أكراد العراق الإعتماد على سياساتها لدعم مطالبهم ومواقفهم في العراق، ناهيك عن الطبيعة الفاشية للأنظمة التركية المتعاقبة، ومخاوفهم الحقيقية الكبرى من تشكيل أي كيان كردي في العراق المجاور حتى لو وصل حجم هذا الكيان الى إدارة مجلس محافظة؟!.


فبماذا إنخدعت القيادات الكردية من السياسة التركية حتى نراها محمومة في إنسياقها الى تلك المؤامرة من خلال المشاركة بعقد مؤتمر قومي كردي يهدف الى حشد الدعم لها لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني، أو إصدار قرار كردي قومي بطرده من داخل الأراضي الكردستانية؟؟!.

إن إطلاق تصريحات بحق الدولة التركية في حماية أمنها وإٍستقرارها، هو بحد ذاته لعبة مكشوفة ضد حقوق شعب يناضل من أجل الحصول على حقوقه القومية المشروعة، فلماذا يحق لتركيا أن تحمي أمنها وإستقرارها، ولا يحق لشعب تعداده خمسة عشر مليونا من أن يحمي وجوده القومي ويحافظ على هويته المتميزة عن الأتراك؟؟!.


صدر يوم أمس الأول بيان صحفي يؤكد إجتماع وزير الأمن الوطني العراقي شيروان الوائلي مع وزير الداخلية التركي بشير آتالاي اللذين خرجا بتصريح مفاده quot; أن الحكومتين العراقية والتركية بدأتا بالخطوات العملية لإنهاء تواجد حزب العمال الكردستاني داخل الأراضي العراقيةquot; ولا نعرف ما هي تلك الخطوات والى أي إتجاه يسير إذا لم يكن بإتجاه جبل قنديل الواقع في إقليم كردستان العراق.

إذا ما تحول مؤتمر أربيل المنتظر الى ما يشبه مؤتمر الجزائرالمشؤوم لنزع السلاح الكردي المشروع، وإذا نجح الأتراك في تنفيذ تلك المؤامرة الكبرى ضد القضية الكردية العادلة في تركيا، فإن وزر قتل تلك القضية سيقع على عاتق القيادات الكردية..

اللهم قد بلغت
فأشهد...

شيرزاد شيخاني

[email protected]