البربر (الأمازيغ) هم سكان المغرب الأصليون، وكانوا على نزاع دائم مع اسبانيا وفرنسا. ثم جاء الجيش العربي الاسلامي و (فتح) شمال أفريقيا، ولم يلبث موسى بن نصير حتى بعث مولاه طارق بن زياد البربري على رأس جيش من العرب والبربر الذين كانوا قد أسلموا، واحتلوا اسبانيا والبرتغال التى سميت فيما بعد ب(الأندلس).

وبقي العرب فى الأندلس حوالي سبعة قرون، الى أن أخرجهم الأسبان منها فى عام 1492 ميلادية وأخرجوا معهم اليهود أيضا، فذهبوا الى المغرب وسكنوا هناك. وشكل اليهود جالية لهم كانت تعد من أكبر الجاليات اليهودية فى العالم العربي.

واستمرت هجمات القراصنة البربر على السفن التجارية فى البحر الأبيض المتوسط، واتخذوا لهم عدة قواعد على شواطىء البحر المتوسط الأفريقية، وكانوا يدفعون الأتاوات لحكام الثغور أو يشاركونهم فى الغنائم ليسمحون لهم بالتمركز فيها. وكانوا يسببون أفدح الخسائر للتجار الذين اتفقوا فى النهاية مع الفرنسيين، فقام هؤلاء بمطاردتهم والاستيلاء على الثغور التى كانوا يعتصمون فيها، وذلك فى عام 1830 ميلادية. وبعد نزول الفرنسيين فى تلك الثغور تغلغلوا فى المغرب والجزائر وتونس، وتبعتها اسبانيا واحتلت أجزاء متفرقة من المغرب، منها مدينة سبتة ومليلة شمال المغرب على البحر الأبيض والتى تعتبر الآن جزء من أسبانيا، ووافق جميع الأطراف على تدويل مدينة طنجة. ولكن القسم الأكبر من المغرب وقع تحت سيطرة الفرنسيين وأصبحت محمية فرنسية بعدما وقعت معاهدة فاس فى 30 آذار/مارس 1912.

وفى 2 آذار/مارس 1956 أعلن الملك الراحل محمد الخامس استقلال المغرب، الذى رزح 44 عاما تحت الحكم الفرنسي والذى (فرنس) كل شيء حتى كاد المغاربة ينسون اللغة العربية والبربرية. وفى تلك السنة أنشأت الحكومة العراقية أول مدرسة عراقية فى المغرب فى مدينة فاس، وقامت بتخريج المئات من المغاربة بعد تعليمهم العربية وكافة المناهج التى تدرس فى المدارس فى العراق. ومما يجدر ذكره هنا هو أن الملك محمد الخامس زار العراق سنة 1961 على عهد الزعيم عبد الكريم قاسم الذى أطلق عليه لقب : الملك الشعبي، وأهداه سربا من الطائرات المقاتلة ليكون نواة للقوة الجوية المغربية، وشجع الأساتذة العراقيين على التدريس هناك.

فى الثمانينات من القرن الماضي سكنت فى المغرب مع عائلتى فى الرباط، وحصلنا على الاقامة لمدة سنة قابلة للتجديد. وبسبب مضايقتنا من قبل السفارة العراقية والمدرسة العراقية، فقد تركنا المغرب الذى لم يكن هناك أمل فى الحصول على جنسيته، وغادرنا الى كندا، حيث الأمان والحرية والحصول على الجوازوالجنسية الكندية.

المغرب واحد من أجمل بلدان العالم التى زرتها، وشعبها من أفقر الشعوب. عندما وصلنا المغرب فى منتصف عام 1982 لاحظنا أن الجميع يحبون بل يقدسون صدام حسين لسبب واحد هو محاربته لأيران دفاعا عن الاسلام ضد الفرس (المجوس) كما قيل لهم.

أما عن المدرسة العراقية فى الرباط والتى أسستها الحكومة العراقية سنة 1977، والتى أدخلت فيها أطفالي فقد كانت تتفوق كثيرا على المدارس المغربية فى كل النواحي. واكتشفت أن المسؤول عن المدرسة لم يكن المدير بل كان سائق الباص المخصص للأطفال لأنه أقدم من المدير فى عضوية حزب البعث، فلم يكن باستطاعة المدير أن يتخذ اي قرار بدون موافقة السائق!!. كان الطلاب خليطا من العراقيين ومن أبناء الدبلوماسيين العرب والمغاربة، وكان منهجهم الدراسي يطابق المنهج الدراسي فى العراق، ومن ضمنه التمجيد بحارس البوابة الشرقية الذى ضحى بنصف مليون عراقي فى حربه الجنونية مع ايران. وفى أحدى المرات وزعت ادارة المدرسة على الأطفال قمصان (تي شرت) عليها صورة صدام، فاستخدمناها فى مسح أرضية غرفة الضيوف!!. كانت المدرسة العراقية بؤرة تجسس بعثية على العراقيين الساكنين فى المغرب، فقد كان المدير والمعلمون يستجوبون أطفالى فى كل يوم تقريبا، ويسألونهم عما اذا كنت أنا ضد البعث أو أكره صداما، وكيف أعيش فى المغرب بدون عمل.

فى يوم 21 من آذار/مارس 2009 قامت السلطات المغربية بانزال العلم العراقي وأغلقت المدرسة، وأصدرت بيانا يقول بأن المدرسة تنشر المذهب الشيعي فى المملكة المالكية المذهب. وحتى ساعة كتابتى هذه السطور فان الأمور لا يزال يكتنفها الغموض. فمرة يقال بأن الشخص الذى قدم الشكوى (أو الاخبارية) هو فلسطيني الجنسية وحاصل على الجنسية العراقية، ومرة يقال بأنه عراقي من الفلوجة، وأخيرا قالوا أنه بعثي وكان ضابطا فى المخابرات الصدامية. ويصف بعضهم مديرة المدرسة بأنها شيعية المذهب، وآخرون يقولون أنها سنية. ولكننى فى كل الأحوال لا أجد مبررا كافيا لغلق المدرسة بهذه السرعة وهذا التعنت بسبب شكوى من شخص واحد لا يستبعد أنه كان كاذبا ولديه دافع شخصي ضد المديرة أو ضد النظام فى العراق، ولربما تنطبق عليه الآية الكريمة 6 سورة الحجرات: (يا أيها الذين آمنوا ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). ويحق للمرء أن يتساءل : كيف يمكن لمدرسة صغيرة كهذه أن تنشر المذهب الشيعي؟؟ وهل أن المذهب المالكي فى المغرب من الرخاوة بحيث يخافون عليه من الانهياربهذه السهولة؟ يقال أن عدد الشيعة فى المغرب لا يتجاوز 3 آلاف، بينما عدد اليهود هناك يتجاوز الأربعين ألفا. لماذا لا يخافون من تغلغل اليهودية بين المغاربة؟ هذا بالاضافة الى عدد كبير من البعثات التبشيرية المسيحية التى تجوب المغرب وتنصر الآلاف من المغاربة المسلمين المالكيين فى كل عام.

ذكر السيد داود البصري فى مقالته (نوم الدبلوماسية العراقية.. سفارة العراق نموذجا) بتأريخ 28 آذار/مارس 2009، بأن: (السلطات المغربية كما هو معروف عنها لا تتخذ قرارات مزاجية دون دراسة أو روية أو تمحيص) وألقى اللوم كله على السفارة العراقية وكأنها هى التى أغلقت المدرسة، ولا أستطيع تأييده فى ذلك ففى أقل من شهر قطعت المغرب علاقاتها الدبلوماسية مع ايران وفنزويلا وأغلقت المدرسة العراقية فى الرباط، فهل تسمى هذه (روية)؟ تقول المغرب انها قطعت العلاقات لأن ايران تصدر المذهب الشيعي الى المغرب، ترى هل أصبح المذهب الشيعي الذى يبلغ عدد أتباعه عشرتعداد المسلمين يعتبر من المذاهب الهدامة؟ هل يدعوا المذهب الشيعي الى عبادة الشيطان دون الرحمن؟ ألا يؤمن الشيعي بالله ورسوله واليوم الآخر؟ جاء فى سورة النساء :(ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة ابراهيم حنيفا) آية 125. ألا تنطبق هذه الآية على الشيعة؟ وهل فرق الاسلام بين عربي وأعجمي والقرآن يقول : (إنا خلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان أكرمكم عند الله أتقاكم)؟

لا أعرف سببا لفورة الغضب هذه من قبل السلطات المغربية وقطعها العلاقات الدبلوماسية مع ايران بحجة صدور تصريح من ايراني بأن البحرين جزء من ايران، خاصة وان ايران اعتذرت عن ذلك، ففى يوم 28 شباط/فبراير صرح الطرفان االبحريني والايراني( بانتهاء المناوشات الكلامية بينهما وعودة العلاقات الأخوية الى أقوى مما كانت عليه سابقا)، ولكن المغرب لم يتزحزح عن موقفه.

البعض من الدول العربية لا تكف عن الكلام عن تغلغل ايران فى البلدان العربية حتى يخيل للسامع بأن ايران قد حشدت جيوشها وستبدأ باجتياح تلك البلدان. لا أظن أن من يقول ذلك يعنيه حقا، فالكل يعرف أن امريكا والعالم الغربي واسرائيل لن تقف متفرجة على ايران وهى تبتلع العراق أو أي بلد آخر بأي شكل من الأشكال. ألم تحشد الولايات المتحدة نصف مليون جندي وطردت صدام من الكويت بعد أن اجتاحها؟ فهل يعقل أنها ستقف مكتوفة الأيدي اذا ما بدأت ايران بمهاجمة العراق؟؟ انها لعبة للاستهلاك المحلي فقط، ولكن تأثيرها النفسي كبير على شعوب المنطقة حيث ألبت السنة على الشيعة وغرزوا فى نفوسهم الكراهية والبغضاء ضد دولة جارة مسلمة لنا معها علاقات اقتصادية قوية وتأريخ مشترك قديم. ألا يبدو واضحا لكل ذي عينين وعقل أن اسرائيل هى الوحيدة التى تستفيد من كل ذلك؟

انظروا كيف يحاول المتصيدون فى الماء العكر شرذمة العراق وتحريض أهله بعضهم على البعض الآخر. فقد نشرت ايلاف فى 28 آذار/مارس مقالة كتبها الكاتب المغربي عبد الرحمن مكاوي جاء فيها:
(فالعراقيون بجميع مشاربهم و انتماءاتهم المذهبية و السياسية، يشتكون من توجيهات و تعليمات وممارسات فيلق القدس الإيراني القمعية و يتألمون من سيطرة المخابرات الإيرانية على مواردهم الطبيعية و الفكرية و الثقافية ومؤسساتهم التربوية والجامعية، فقد انشأ الصفو يون عدة دور للنشر في العراق و لبنان و سوريا كواجهات لنشاطهم الإستخباري، كما غيروا كل مناهج التعليم في العراق باتفاق مع الاحتلال الأمريكي برئاسة بريمر و بتواطؤ مع الصهيونية العالمية. هكذا إذن تم حذف كل إشارة إلى عروبة العراق و تم طمس كل تعايش مذهبي، مستعملين الآلاف من كتائب فرق الموت والميليشيات المؤطرة داخل حسينيات شبه عسكرية لإسكات كل رأي وطني عروبي مخالف أو حر. كما أحدث عملاء المخابرات الإيرانية المتواجدين بكثافة في العراق عدة محطات فضائية وإذاعية ومواقع الكترونية موجهة إلى البلدان العربية و أوروبا و إفريقيا و أمريكا اللاتينية. كلها أدوات ديماغوجية تسوق أطروحاتهم و أفكارهم، التي هي في الواقع حرب معلنة على المذهب السني المالكي. ثقافة فارسية محضة، الغاية منها زعزعة الاستقرار الروحي و المذهبي في أكثر من بلد عربي). العجيب أنه يذكر الصفويين كباقى الجهلاء بالتأريخ، ألا يعلم أن الصفويين قد قضى الأفغانيون على حكمهم سنة 1736 ميلادية ولم يعد لهم وجود بعد ذلك التأريخ؟ ان العراقيين أعرف بأمورهم من غيرهم وقد عاشوا قرونا متحابين متكاتفين، بالرغم من حصول خلافات ونزاعات بينهم من حين لآخر، وهذا أمر طبيعي حتى فى داخل الاسرة الواحدة، ولا يلتفتون الى من يقسمهم بين سنة وشيعة، ويقسم التشيع الى صفوي وتشيع سياسي وتشيع فارسي وغيرها من التسميات التافهة.


ألا يبدو التدليس والتحريض واضحا فى هذا الكلام، الذى لا يمكن أن يصدر عن مسلم تهمه وحدة صف المسلمين؟ الأيرانيون يساعدون حزب الله لضرب اسرائيل من الشمال ويساعدون حماس على ضربها من الجنوب، بينما العرب يتسابقون فى توجيه السباب والتهم الى ايران. أليست هذه مفارقة عجيبة؟ وذكرالسيد المكاوي أيضا :( فالمغرب ليس بجمهورية موزية حديثة العهد بل دولة المؤسسات الديمقراطية و حقوق الإنسان)، أجد هذا غريبا ومتناقضا أيضا، فان من ضمن حقوق الانسان هى الحرية الدينية، واذا كانت هذه الحقوق محفوظة فى المغرب حقيقة فهى محفوظة للديانتين اليهودية والمسيحية وغيرهما، ومحرمة على المذهب الشيعي فقط.


وأرجوا أن لا يظن القارىء بأننى أدافع عن ايران، والحقيقة أنا لا أحب الملالى ولا احب تدخل رجال الدين من كل الأديان فى السياسة، ولا أحلم بالعيش يوما ببلد يحكمه رجال دين. ان السيد مكاوي حاول جاهدا أن يتظاهر بأنه ليس ضد التشيع العربي وانما ضد التشيع الفارسي الصفوي، وهذا غريب فان التشيع لم يأت الى العراق من ايران، بل نبع من العراق عندما أعلن معاوية بن ابى سفيان العصيان على الخليفة الراشدي الرابع الامام علي (ع) وحاربه واغتصب الخلافة للأمويين، وسبب انشقاقا بين المسلمين سيبقى معنا ابد الدهر.

عاطف العزي