ولد الاسلام حراً لا سنياً ولا شيعياً وسيبقى حراً الى أبد الأبدين. واليوم نواصل التعليق على الخلاف والاختلاف الوضعي بينهما وسنتطرق اليوم الى الارث والوصية،لنتبين حقيقة النص الديني وما هدف الية دون رغبة من مذهب أوفرقة او تنظيم؟
ولنبدأ بألارث :-


جاءت كلمة الارث في الايات الحدودية (تلك حدود،النساء 13).حين أعطى للذكر مثل حظ الانثيين... بعد وصية يوصي بها،النساء11).ويفترض النص تطبيقه في حالة عدم مشاركة المرأة في المسئولية المالية للاسرة،وتكون المشاركة حسب الظروف التاريخية.لكن هذا التقسيم للارث لم يكن حداً قاطعا ًبموجب الاية الكريمة (كُتب عليكم اذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيراً الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقاً على المتقين،البقرة 180).لذا على من تحضره الوفاة شرطاً شرعياً وقانونياً ملزماًان يكتب الوصية وهي أية محكمة التنفيذ،وهذا القانون اليوم من القوانين الملزمة في كل الدساتير الاوربية والامريكية والدول المتقدمة على الافراد دون أستثناء،وعلى الحكومة العراقية الحالية وبقية الاقاليم العراقية التي سوف تتمتع بالفدرالية،ان هي احترمت المرأة وحقوق الله ان تثبت ذلك دستوريا ًوقانوناً ملزماًلها في قوانين الاحوال الشخصية،حتى لا تبقى الاية الكريمة تقرأ دون تطبيق.

وبما ان الاية الكريمة حدية وليست حدودية فهي المفضلة على أيات الارث (وللذكر مثل حق الانثيين)،ان ما اصر عليه الفقهاء بحديث مقطوع أملته بعض الظروف التاريخية لاهل المغازي ان (لا وصية لوارث) والذين لا زالوا يلزمون النساء به حسب ادعائهم وادخل كقانون في حقوق المرأة -والمرأة هي الام والاخت والزوجة ndash; كل منهن لها تفصيل في الحقوق لا يجوز اختراقه ابدا،ولا بحاجة الى تخريجات بعيدة عن النص.والاية القرآنية تعلو على الحديث،ولا يمكن للرسول(ص) ان ان يخترق الاية القرآنية ابداً،لابل هو الذي قال لاتنقلوا عني غير القرآن.وفي الاية القرآنية الكريمة تقرير واضح تماما ًفي حقوق المرأة مادياً ومعنوياً،يقول الحق( يا ايها الذين آمنوا لا يحل لكم ان ترثوا النساء كرهاً ولا تعضلوهن ببعض ما آتيتموهن الا ان يأتين بفاحشة مبينةٍ وعاشروهن بالمعروف فان كرهتموهن فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا،النساء 19)

الايات القرأنية الكريمة واضحة وصريحة لا لبس فيها بخصوص المرأة وحقوقها الشرعية والانسانية مع الرجل في الارث،وهذه كلها احكام دينية صرفة عُتم عليها من أجل تقديم مصلحة الرجل على المرأة استجابة للتقاليد البالية المتعارف عليها في المجتمعات العربية والاسلامية،والتي ظلت متوارثة تتناقلها الاجيال من جيل الى جيل خطئا،متناسين أنها ما هي الا قواعد وقوانين ربانية لا يراد لها ان تخرق

فرق كبير بين الوصية والارث. فالوصية شكل من اشكال توزيع المال من وارث الى وريث بعد الوفاة مقدرة بنسبة معينة تحدد حسب الرغبة الشخصية للمورث وهي مفضلة على الارث لقدرتها على تحقيق العدالة بين من يستحقون التوريث وبوضعه المالي والاسري والتزاماته تجاه الاخرين وهذا ما يؤكده الواقع الموضوعي،اذ لكل انسان وضعه الخاص من اسرة واقارب والتزامات تحتلف عن وضع الانسان الاخر،فالتمائل غير موجود في الوصية.

اما الارث فالتماثل فيه موجود والناس في الارث متماثلون وحصة الوارث في قانون الارث يحدده موقعه من الموروث سواءً كان الاب او الام او الزوج او الزوجة او الاخ او الاخت،لذا فالتماثل من صفة العام، والاختلاف من صفة الخاص. والارث والوصية يمثلان جدلية التمائل والاختلاف،لذا تم تفضيل الوصية على الارث في التنزيل الحكيم.

وفي القرآن الكريم ذكرت الوصية في سبع ايات كريمة والارث في ثلاث ايات كريمة وتمثل أية سورة البقرة المذكورة اعلاه قمة الوضوح في الوصية،اما تفضيل الارث على الوصية فيحتاج اليوم الى وقفة جادة من علماء التاويل والتفسير لاسباب لازالت موضع نقاش لم يحسم بعد.لأن التقسيم في الحصة يخضع لحسابات دقيقة لم يعرفها الفقهاء حينذاك. والبحث هنا يطول.

واذا تتبعنا آيات الارث نجد ان أول آية فيه تقوا: (يوصيكم الله في أولادكم ) وتختتم ثاني أية من أيات الارث بقوله تعالى :(...... وصية من الله والله عليم حليم،النساء12).والاية القرآنية الثانية لها دلالة كبرى هو ان الوصية هي اساس انتقال الملكية وانها تكليف من الله للناس كالصوم والصلاةوبقية التكاليف الاخرى.

وفي القرآن جاءت كلمتي الحظ والنصيب في سورتي النساء آية 7 ( للرجال نصيبُ مما تركَ الوالدان والاقربونَ وللنساءِ نصيبُُ مما ترك الوالدان والاقربون مما قلً منهُ او كثٌر نصيباً مفروضاً)، والاية 11 (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الانثيين)،لكن الفقهاء فسروها تفسيرا لغويا ترادفيا خاطئاً في التفريق بينهما،فالنصيب هو حصة الانسان في الوصية،أما الحظ فهو ما يصيب الانسان من الموروث، والفرق بين الاثنين كبير،وهنا تم دمج الوصية بالارث تجاوزاً

ان الاسس التي وضعها القرآن الكريم كانت واضحة لتحقيق مبدا العدل والمساواة بين الناس ذكورا وأناثا.اما ما اورده بعض الفقهاء بأختراع أيات الناسخ والمنسوخ زعموا فيه ان الوصية في اية البقرة المذكوره اعلاه منسوخة في ايات التوريث لسورة النساء.علماً ان النسخ جاء في الرسالات ولم يأتِ في الايات القصار.فرسالة عيسى نسخت رسالة موسى ورسالة محمد نسخت كل الرسالات السابقة ليكتمل بها الدين ولا رسالة من بعدها( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا،المائدة 3).أما التحجج بالنسخ في سورة النجم (1-20) فهو ليس نسخا لاية بل ذكرا لها لأن الحدث كان وهماً ولم يكن على لسان رسول الله حقيقة.

والغريب ان اكثر الفقهاء ممن يتشدقون بالسُنة النبوية الشريفة والقائلين بقدرتها على النسخ هم اول من يهمل السُنة الشريفة حين يتمسكون بالقول( ما تركناه صدقة)ولا ندري لمَ لم يلتزموا بها فيتركون أموالهم صدقة.يبدو ان السثنة النبوية عندهم هي حجة في السيطرةعلى عقول الناس ومصادرتها،واحتكار الرأي لهم دون الاخرين.

واذا كان هناك من اختلاف فمرده الى العلماء المؤولين للقرآن لا الفقهاء المفسرين له تفسيراً ترادفيا فيه الكثير من الضعف والوهن.ولو تابعت كتب الفقه عند الشيعة والسُنة لوجدت من التخريجات ما يشيب له الرأس دون الوصول الى نتيجة محددة واضحة. فالقرأن وكلماته الخالدة لا تقبل التحريف او الافتراض أو الترادف اللغوي وخاصة في الحقوق والواجبات الانسانية التي جاءت في معظمها بآيات حدية لا تقبل التغيير. فثقوا ايها القراء ان كل ما جاء عند الفقهاء اجتهادات شخصية عفا عليها الزمن فلا سُنة ولا شيعة الا في رؤوس مروجيها من الفقهاء المنتفعين في خدمة السلطان.

نحن نحث الحكومة العراقية الوطنية الى احياء قانون الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم في الاحوال الشخصية الذي يعتبر طفرة واضحة في التطور الحضاري في القانون العراقي الحديث.خصما للتنازع وقطعا للتخاصم.في مجتمع ينهض حديثأً نحو التقدم والاستقرارلنكون اول السابقين.
-أنظر كلمة الوصية والارث قي دوائر المعارف الاسلامية وعند معظم الباحثين.

والله من وراء القصد.

الجزء الأول

د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]