منذ قبول استقالة حكومته الشهر الماضي من قبل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح اثر صدام مع البرلمان الذي قدم قبل حله الشهر الماضي أيضا ثلاثة استجوابات دفعة واحدة وهي السابقة السياسية الأولى في تاريخ الكويت. سافر رئيس الوزراء الكويتي الشيخ ناصر المحمد الصباح الى الولايات المتحدة الأميركية لإجراء عملية جراحية، قيل انه التحق بعدها بفترة نقاهة في ربوع العاصمة السويسرية جنيف التي احتضنته قبل عقود طالبا للعلم في مساقات السياسة والإقتصاد، قبل أن يعود الى بلاده لشغل مناصب دبلوماسية مهمة جدا في بداية رحلة الخدمة في المنصب العام قبل أن يتولى في مشوار الخدمة مناصب وزارية ومواقع هامة آخرها ndash;حتى الآن- رئيسا لخمس حكومات تشكلت منذ أن آل مسند الإمارة في التاسع والعشرين من شهر يناير كانون الثاني الى الشيخ صباح الأحمد الصباح، خلفا للأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح.


وإن لم تكن ضرورة قصوى قد أملت التدخل الجراحي في الحالة الصحية للشيخ المحمد الشهر الماضي فإن توقيت الإبتعاد عن الساحة السياسية بدا ذكيا للغاية، ليراقب عن بعد التحول في المواقف السياسية بين ليلة وضحاها، وتحوير الإدعاءات من قبل أطراف ظلت تهاجم حكومات الشيخ المحمد وسط استياء بالغ من جانب أمير دولة الكويت الذي لا يزال يثني في مجالسه مع كبار أركان الحكم على نهج وأخلاق إبن أخيه الشيخ المحمد الذي اصطفاه الأمير من بين كل رجالات الأسرة الحاكمة بداية عهده لأنه الأكثر اهتماما بالديمقراطية ولا يحمل في صدره ضغائن من أي نوع، والأهم من ذلك كله أنه بلا أجندة سياسية تقوم على تصفية الحسابات السياسية.


تنتشر في الكويت اليوم حالة غريبة إذ لا تخلو أي صحيفة كويتية أو موقع إلكتروني أو فضائية محلية هنا من تقديم الثناء وابداء الأسف على الحملة والإساءات التي تعرض لها الشيخ المحمد طيلة السنوات الماضية، بل أن ذلك الأسى والرفض قد تنامى بشدة خلال اليومين الماضيين إذ أن كثير من المقالات بدأت بسرد مكارم والصفات الإيجابية للشيخ المحمد بل والمطالبة بإعادة تكليفه تشكيل الحكومة الجديدة بعد الإنتخابات الشهر المقبل، وسط قناعة تزداد يوميا بأن رجل الطيبة والسماحة الشيخ المحمد الذي لم يبطش بمن عادوه ولم يسئ الى أيا منهم بأي صورة من الصور قد بات يحتل مكانة واسعة في صدور وقلوب أهل الكويت الذين باتوا يترقبون عودته الى البلاد، إذ يقول الكويتيون في مجالسهم الخاصة أن الشيخ ناصر المحمد الصباح هو رجل التجربة الديمقراطية الحقيقية في الكويت، ويروون عمن عاصر رؤساء حكومات غيره أنه ليس من طينة المسؤولين الصداميين، وأنه غالبا ما كان يفاجئهم بأفراحهم وأتراحهم دون أي جلبة أو بروباغندا، عدا عن صرفه السخي على أعمال الخير واغاثة الملهوف في الكويت وخارجها عبر حكايا لا يعرفها أحد أبدا بل وبإصرار منه وأمر لمستشاريه بألا تصل أنباء تلك المساعدات الى الإعلام كي لا يفقد الأجر ويعتبر البعض أنه يرمي من وراء ذلك الى التكسب السياسي أو الأضواء.

رئيس حكومة تصريف الأعمال الكويتية الذي يتقن الإنجليزية والفرنسية ويلم كثيرا بالفارسية والتركية كان قد ودع أعضاء حكومته المستقيلة الشهر الماضي بإبتسامته المستندة الى ثقة بأخلاقه وقدراته أنه يؤمن بالديمقراطية وأن ما تتعرض له حكوماته هو جزء من تلك الديمقراطية، وان التاريخ سينصفه لا محالة حين يقول كلمته، ولم تحتاج ذمة المحمد المالية الى سنوات للكشف عن شفافيتها ووضوحها إذ انقلب سريعا النائب السابق فيصل المسلم والمرشح الحالي للإنتخابات المقبلة حين قال أنه لا يملك أي أدلة على تحرير الشيخ المحمد لأي شيكات مالية كان زعم سابقا أنه صرفها لنواب في البرلمان السابق غامزا من قناة شراء مواقفهم، وهو ما نفاه وكيل الشؤون المحلية في ديوانه نايف الركيبي الذي اعتبر الشهر الماضي أن ما يتردد لم يزد عن مبالغ صرفها الشيخ المحمد لأسر كويتية متعففة.

الشيخ المحمد المحصن منذ استقالته بثناء شعبي متنام كان قد ذهب الأسبوع الماضي الى القضاء الكويتي عبر موكله رجل القانون عماد السيف كمواطن عادي لمقاضاة مواطنه فيصل المسلم على خلفية قضية الشيكات كما يحدث في الديمقراطيات العريقة جدا التي استقرت تقاليدها السياسية منذ عقود طويلة، وهي الخطوة التي لاقت استحسان وثقة الشارع الكويتي ولسان حالهم يقول أنه لا يوجد متورط يذهب برجليه الى ادانته لو كانت قضية الشيكات سليمة، مستذكرين اللغط الذي ثار حول مصروفات ديوانه على أبواب الإنتخابات العام الماضي، حين أثار النائب أحمد المليفي أسئلة حول أذونات صرف مالي بعيدا عن الأجهزة الرقابية الرسمية، وهو أمر لم تسلم منه quot;إيلافquot; حين جرى الربط بين زيارة مصادفة لناشرها عثمان العمير مع اتهامات المليفي لإيلاف بالتحيز لحكومة المحمد، إلا أن الشيخ المحمد وعبر خطوة شجاعة أمر بتحويل مصروفات ديوانيه الى النيابة العامة وديوان الماحسبة ليقولان كلمتهما الفصل الأمر الذي لاقى ثناء ومديح النائب المليفي نفسه الذي اعتبر ما حدث بأنه يحدث فقط في الديمقراطيات العريقة، ومعلنا أن تعاون المحمد مع ملاحظاته المثارة فاق كل حد أو تصور.

عامر الحنتولي

الكويت