كنت مشغولا هذه الايام بكتابة حلقات متتابعة بعنوان (لا خلاف ولا أختلاف بين السُنة والشيعة) والذي شجعني اكثرفي متابعة الحلقات، هو كثرت الردود الايجابية من القراء الاعزاء الذين يشعرون بعمق الانقسام الطائفي البغيض وما جرهُ على وطننا العزيز من فرقة وتباعد. فاردت ان ابين ان لا خلاف ولا اختلاف بين المسلمين الا في رؤوس بعض الفقهاء الذين مزقوا الامة والدين وجعلونا شتاتا لا نلوي على راي معين رصين.

وبينما انا مشغولا كنت أتصفح (جريدة آيلاف) وأذا بنظري يقع على زاوية فضائية الفضائيات لمشاهدة الحلقة التي نقلتها الجزيرة في ركنها الاسبوعي (الشريعة والحياة). وحقيقة الامر لقد تركتُ مشاهدات هذا الركن من زمن مضى، منذ ان توفي المرحوم الاستاذ ماهر الذي كان يقدم لنا فيها كل نافع ومفيد.لكن تتابع الاخرين عليه قد خيب الامال، فقد كانت السيدة أبن كنه غير موفقه فيه،(ورحم الله أمرء عرف قدر نفسه) فتنحت عنه، ثم برز لنا الاستاذ عثمان عثمانمع هذا الركن والشيخ القرضاوي دون الاخرين. والحلقة الاخيرة كانت مع الشيخ القرضاوي العالم الفقيه و دارون العالم الشهير، والفرق بين الاثنين كبير.

الحلقة كانت بكل المقاييس من أفشل الحلقات المقدمة في هذا البرنامج، فما كان يجب على الُمُخرج أن يختارها مع الشيخ الجليل لبعده عنه علما ومفهوما، لكننا نحن العرب تعودنا ان نخلط الغث بالسمين لننتج شيئاً يقال له تقديم.

من هو القرضاوي:
اسمه يوسف عبدالله القرضاوي، مصري ولد بقرية صفط تراب بالمحلة الكبرى عام 1926 من عائلة سلفية النزعة في الدين.،سلفي النزعة، ونحن نعرف ان السلفيين لهم رأي مضاد في العلم الحديث، فقد اهملوا الزمان والمكان وأغتالواالتاريخ وأسقطوا العقل،،وهربوا هروبا مقنعاً من كل تجديد، وعاشوا ولا زالوا في الماضي السحيق والقرضاوي منهم.لا احد ينكر براعة وعلم القرضاوي في تخصصه الفقهي السلفي،فهو رئيس المجمع العالمي للفقه الاسلامي، وبنظري هو مجمع يضر بالمسلمين اكثر من ان ينفعهم لا نغلاقية العقل والتفسير القرآني فيه،فهو يؤمن بالترادف اللغوي الذي خلف لنا كل هذه الازمات الفكرية القاتلة في الدين. لكنه ينفع السلاطين.، الكثير منا يُقر ان الفقيه القرضاوي لا يعرف عن دارون الكثير،فهو ودارون على طرفي نقيض. فلا ادري لمَ تم اختيار القرضاوي لهذه الحلقة المعقدة التي كان يجب على مقدم البرنامج ان يختارلها من نظراء العلم الحديث حتى لا تضيع الفرصة على الناس مما هو عند دارون من الخطأ والصحيح. لكن هذا هو شأننا نحن العرب في التعامل مع كل علم جديد.وكأننا اصبحنا والعلم على طرفي نقيض.

أما دارون فقد ولد في شباط(فبراير) 1809 في مدينة شروزبري بأنكلترا، وتلقى تعليمه فيها.ومنذ طفولته كان مولعا بالطبيعة تربى في المدارس البريطانية وفشل في علم الطب حتى تحول الى دراسة التاريخ الطبيعي، واحسن ما كتب هو كتابيه (اصل الانواع وهبوط الانسان) وحتى لا نطيل نقول: لسماحة الشيخ القرضاوي حسب ما ذُكر في سيرته العلمية، ان له 120 من المؤلفات والرسائل والفتاوى والحلقات الدينية، والتي ضررها اكبر من نفعها،واخيرا هو اليوم متزوج زواجا ابديا من برنامج الشريعة والحياة لفضائية الجزيرة العتيدة.

كل ما كتبه القرضاوي في بحوثه هو في الفقه والدين وهذا يعطينا انطباعا ان ليس للرجل من علاقة بالعلم الطبيعي الحديث، فلا ادري كيف يجيز للمُقدم ان يحشر الشيخ الجليل بهذا الموضوع الذي هو اصلا بعيد عنه في كل المقاييس ليجعله محل تهكم ونقد لاذع من كل من تابع الحلقة الى حين. لو كان مقدم البرنامج في اوربا لقدموه لمحكمة المواطنين.أما عندنا في الوطن العربي فلا سائل ولا من مسائلين.

اما دارون فهو رجل بريطاني ليس له علاقة بالدين،بل عالم كبير في علم الطبيعة لا يجاريه احد ونظريته في علم الاجناس غيرت المفاهيم لصالح الانسان والناس أجمعين. وما كتبه يعادل كل ما كتبه فقهاء الدين منذ ان ظهر الفقه والى الان فهو نفع البشرية وهم اضروها الى يوم الدين.

الدارونية حقيقة علمية لا تنكر ولا تناقش لثبوت صحتها في حقول العلم التطبيقي اليوم،ومنها خرجت الاف البحوث والموساعات العلمية التي انتفع منها العالم اليوم وسينتفع منها الى ابد الابدين.

لقد آمن دارون بنظرية النشوء والارتقاء، وجاهد حتى وسع مداها،وقدم الاساس العلمي على حتميتها،حتى اصبحت اساساً في التفكير العلمي العالمي، الذي استطاع من جاء من بعده بتطوير النظرية الداروينية كالعالم جوريا سوريل الذي طبق الداروينية على كل مذاهب الحياة الانسانية. هذا هو دارون،اما القرضاوي فآخر مبتكراته العلمية قرآن فاطمة والفتوى بتكفير الشيعة نصف المسلمين، فهل دارون الذي نفع البشرية ام القرضاوي المتنعم وأصحابه المعممين؟

ان الشكوك التي احاطت بنظريته من قبل رجال الدين هو ما اورده من تناقض بين ماجاء في نظريته بأنه قال: ان اصل الانسان من القرد وبين ما اوردوه رجال الدين في كتبهم المقدسة من ان الله خلق آدم بشرا سويا من أول الامر،فأسكنه الجنه ثم هبط به الى الارض.والحق ان دارون لم يقل هذا ابدا،فقد كان مؤمنا بالله،لكنه قال: ان الاجناس في صراع دائم للبقاء في قيد الحياة،وفي هذا الصراع الذي لا يبقى فيه الانسب لظروف البيئة الجغراقية التي يسكن فيها.ويقصد بالاصلح ليس بالمفهوم العام للمخلوقات، بل الاصلح في النوع الواحد والفرق بين الاثنين كبير،وكلامه صحيح فنحن لا زلنا نهجن الانواع لانتاج الاصلح بشريا وحيوانيا فأين الخطأ؟ ومن قال ان دارون قال:ان أصل الانسان من القرد فيأتنا بنص من كتابه بلغته الاصلية لا المترجمة لنعرف كم نحن فينا من المزورين.

وقال دارون ان الحيوان في صراعه الدائم للبقاء يتطور ويتغير وينشأ بعضها من بعض،لكن في حدود كل نوع،فالقط والاسد والنمر من فصيلة واحدة وبالتزاوج المتناقض يولد اجناسا اخرى.الم يتولد البغل من تزاوج الحصان مع انثى الحمار او العكس والبغل يختلف في الخلِقة عن الاثنين،فأين الخطأ؟ لقد قامت النظرية عل حقيقتين هما:
الأولى::الصراع بين الكائنات لخروج الاصلح وفقا للطبيعة والبيئة.
والثانيه:هي مساهمة الطبيعة في اختيار الانسب والتي تؤدي في النهاية الى اختلاف الاشكال او الفصائل في النوع الواحد.

التطور حقيقة، والارتقاء حقيقة.وقد يحدث العكس ويتحول من حالة الى حالة لكن النوع يبقى ثابتاً وهذا ما قاله دارون. الحياة والموت تبدأ مع البداية ثم يتغلب النمو على الضعف الى ان يصل الانسان الى مرحلة الضعف والوهن فتتغلب بتغلب الموت عليه ويفنى.ألم يقل الله سبحانه في سورة المُلك (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسنُ عملا،الملك 2).

لا ادري كيف يفهم الشيخ القرضاوي هذه النظرية المعقدة التي هي بنظره ونظر كل السلفيين تتناقض مع الدين ليصبح فيلسوفا يحاور فيها العلماء من اصحاب التخصص الرصين.

قليلا من الاحترام لعقول الناس ياعثمان عثمان،هذا هو الذي دمرنا وحطم امالنا نحن العرب وابقانا في زاوية النسيان.

ونظرية دارون نظرية علمية معقدة لو استوعبها المنهج العلمي العربي لكنا اليوم احسن بكثير مما نحن فيه من الجهالة والتخلف ونظريات التراث المهين،فلا زلنا نعيش في اوهام الماضي وافكار رجال الدين المنغلقة التي اورثتنا كل التخلف والانغلاق. ويقف الخلاف بين السُنة والشيعة الموهوم في مقدمتها،ولا احد منا يستطيع اصلاح الحال.

ان النظرية بحاجة الى دراسة لتطوير اصل الانواع على مر التاريخ لنخرج باتجاهات جديدة في كل مذاهب الحياة حتى نصبح نؤمن ان التطور هو الاساس.وهذا ما هدف اليه القرآن الكريم(قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق) اي كيف بدأ وكيف يتطور.ولكن اين نحن من السيف والخنجر وكاتم الصوت وعقول الانغلاق. افتونا ايها الفقهاء من المتحكمين بعقول الناس.

برنامج الشريعة والحياة برنامج مهم لو سخر لتحديث العقول لنفع الكثير،أما ان تتحكم في البرنامج والجزيرة ككل، طبقة واحدة لا تعمل الا من اجل ترضية السلطان لا الضمير،لتبقى هي السائدة دون مشاركة الكفاءة للاخرين، قتلك ماساة قطر اليوم، ونحن نعرف ان اميرها وزوجته المصون من اكثر الناس شغفا في كل جديد بعالم العلم والتحديث؟ لفد قتلتنا الردة مثلما قتلتنا الطائفية والعنصرية والقومية المتزمتة اليوم،فهل من فكاك من المنغلقين والمصلحيين؟ أموال تهدر،وجهود تبعثر،كلها من اجل التدمير،فهل من يتنبه لما نحن فيه اليوم لاصلاح الحال،وأقول لمن يرعى الجزيرة حرام عليكم ان تضعوا هذه المؤسسة بيد قئة واحدة منتفعة لا نافعةلا تعرف التغيير.


د.عبد الجبار العبيدي

[email protected]