دعوات كثيرة هي التي عالجت هذا الموضوع الهام والشائك،لكن الغالبية العظمى من هذه الدعوات تزعمتها فكرة واحدة رئيسية،شعارها كتابة التاريخ وفق مبدأ وحدة الامة،شعارا لا يتعارض مع اهدافها الوطنية والقومية،ولا يثير القلاقل والفتن بوجهها، ذلك لغرض تحقيق القوة والمنعة لها امام الامم الاخرى.

لا شك ان الهدف الاسمى من كتابة تاريخ الامم هو تحقيق اهدافها القومية والوطنية،وامتنا العربية بحاجة ماسة الى تحقيق هذين الهدفين في الوقت الحاضر،بعد ان اصابها الضعف والوهن والتوقف في مسيرتها الحضارية،بعد سقوط الدولة العباسية وتكالب الامم والشعوب عليها مما ادى الى ضعفها وتدهورها.


ان الاهداف الاساسية التي تدعو الكتاب والمؤرخين الى تحقيق هذا الهدف ينحصر في عدة عوامل هي:
- اعادة الحقوق المغيبة تاريخيا للآمة العربية، تلك الحقوق التي غيبت بفضل عوامل داخلية خارجية بعيدة عن ارادتها نتيجة الهزات السياسية والاجتماعية المتعاقبة على الامة.
-- ظهور الوعي العام لدى جماهير الامة ورغبتها بضرورة كشف المستور من تاريخها الغامض،فالامة التي تعيش بلا تاريخ لا حضارة لها.
- تغير الظروف الموضوعية التي تمكن الامة من كتابة تاريخها بحرية تامة بعد لملمة وثائقها التاريخية،لاظهار انشطتها الاجتماعية والسياسية،واستخدام وسائل البحث العلمية ومناهج تاريخية معاصرة،كانت غائبة عنها سابقاً.
-تعمد الجهات الاستعمارية باخفاء منجزات الامة المغلوبة لاماتة الوعي القومي عند ابنائها كما حصل في الهند وجنوب شرق اسيا والوطن العربي اثناء الاحتلال الغربي لها في القرن التاسع عشر الميلادي.


ان الحالة الثالثة تنطبق على الامم التي نشأت حديثاً،ولا تنطبق على حالة الامة العربية،التي سجل علماؤها ومؤرخيها وفلاسفتها كل شاردة وواردة في تاريخها،وهم اكثرابناء امم الارض حفظأ للتاريخ والتراث والتمسك به.

وأنطلاقاً مما سبق،ان كل الدعوات التي تدعو لكتابة التاريخ وفق الهدف الاول،تخفي ورائها اهدافاً موضوعية واخرى ذاتية وسياسية آنية،وترمي في الغالب الى توظيف التاريخ والموروث الثقافي بما يتناسب والتوجهات المعاصرة لهذه الجماعة او تلك،او لهذه الايديولوجية او تلك،وهنا تكمن خطورة الدعوة في كتابة التاريخ،وخاصة اذا استغلت المرحلة المتميزة بالضعف السياسي والديمقراطي لصالح الهدف الاول.هنا تستغل الجامعات ومراكز البحوث العلمية والتاريخية والانشطة الاخرى لصالح تلك الدعوة،وامكانية فبركة الافكار لصالح طبقة دون اخرى،وهذا ما حصل لعملية اعادة كتابة التاريخ في الوطن العربي حين سخرت العملية لدعم النظام العربي الحالي.
المتمسك بالاقليمية والانفصالية وخاصة بهد الحرب العالمية الاولى وما قررته معاهدتي سايكس بيكو وسان ريمو،ونقل التجزآة في الوطن العربي الى واقع ملموس تحت زعامات عربية طامعة في المال والجاه والمنصب.

ان هذا التوجه الخاطىء في عملية كتابة التاريخ تركزت في عقول الاجيال من جيل الى جيل حتى أصبحت عملية تقريرية في نفوسهم،لا سيما وان كل دولة او أقليم كتب تاريخه المستقل بعيدا عن تارخ الامة ككل.، لدرجة ان هذا الاتجاه الخاطىء أصبح حقيقة واقعة،فلا مجال لاعادة الصحيح الى وضعه الطبيعي الا بعد جهود أستثنائية وتغيرات تاريخية متباعدة لتحقيق الارضية الملائمة لتحقيق الهدف الوطني والقومي من كتابة تاريخ الامة.

هذه الطريقة التي اشرنا اليها نلمس فيها دعوة واضحة وصريحة الى احياء الفكرة السياسية التجزيئية التي نادى بها الكثيرون من السياسيين والاجتماعيين والفقهاء في مراحل تاريخية سابقة قديما وحديثا معاً. فالقديمة تبنتها المرجئة والقدرية والجبرية(1)،والتي دارت فلسفتها حول ارجاء كلمة الحق خوفاً من الفتنة،،بمعنى ان ما حصل ما كان سيحصل اذا لم تكن ارادة الله قد ارادت ذلك،فهو قضاء الله وقدره،مستندين الى ما ورد في في القرآن الكريم : ( فعسى ان تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا،النساء 19).وما دروا ان القدر هو الوجود الحتمي للاشياء والاحداث خارج الوعي الانساني،اما القضاء فهو حركة انسانية واعية بين النفي والاثبات فالقرأن الذي به تمسكوا ولم يفهموه تؤويلا ففيه القدروجود موضوعي ملزم والقضاء سلوك انساني واعٍ ٍضمن هذا الوجود.فهنا وقعوا في خطأ التقدير.

ونتيجة لهذا الاتجاه الخاطىء،مال المسلمون معها الى التعامل مع الواقع والخضوع له خصوصا بعد انتهاء عهد النبوة والخلافة الراشدة،حين اصبح النص الديني لا يشكل المعيار الوحيد للسلوك السياسي،فأخذت الحياة والعلاقات الاجتماعية تتغلب تدريجيا على الواقع الاجتماعي في الامة،لذا انحدر خط القوة للدعوة الاسلامية القائم على العدل والحرية والصلاح وحقوق الناس نحو الاشكاليات السياسية والاخلاقية التي سادت العالم قبل الاسلام كما في الحكم الروماني والفارسي القديم، وكأن ما جاء به الاسلام ودستور المدينة اصبح في خانة النسيان والاهمال التدريجي،وهذه اكبر محنة واجهتها الامة منذ بداية العصر الاموي واستمرت في عصر العباسيين ولا زالت تعايشنا الى الان.

ونتيجة لهذا التغيير السياسي في مفهوم حكم الامة،اصبح الخليفة او السلطان او الحاكم الجديد بحاجة ماسة للقوة والعصبية كي تحيط به بدلا من حاجته للمبادىء السامية التي ارساها الاسلام وطالب باتباعها شرعا وقانونا وهي( القدرة والعلم والصلاح).ولكي تتفادي الطبقة الحاكمة النقد الفكري والعقيدي لمشروعها المضاد للشرعية الدينية الاسلامية،احاطت نفسها بحاشية مثقفة لا تجد ظيراَ من تفسير او تأويل النص الديني بما يتناسب وحاجتها السياسية الانية،ومحاولة تزييف فكرة كتابة التاريخ بما يتناسب وحاجة الحاكم المطاع صاحب الشوكة.وكان اول مظهر لهذا الاتجاه هو موقف الحياد عند بعض الصحابة من الصراع الذي دار بين علي ومعاوية،لذا عد هذا الموقف الساكت عن قول الحق بمثابة ظهور جبهة جديدة بفكر جديد التجأ اليها كل متردد وضعيف فيما بعد.

ورافق قيام هذا التوجه هو ظهور تيار الارجاء الذي اصبح خطاً جديداً لضياع الحق بالتقادم 2). وباستمرار الوقت بدأت قضية قول الحق في القضايا المصيرية يضعف وينكمش،مبررا بقيام الفتنة،ناسين ان طريق العدل والمبادىء التي جاء بها الاسلام هي التي كانت الضمانة الوحيدة لاستعادة التوازن والثقة مهما كلف ذلك من تضحيات. لكن الذي حدث كان خطيراً جدا حين تأسست الكتلة الساكتة في الاسلام مما ولد ظهور ما يعرف بشريعة الملك العضوض الذي لم يكتب له النجاح في بدايته الا حينما أوقفوا حركة الاجتهاد واحلوا نظرية الجبر وشجعوا فكرة القدرحسب تفسيرهم الترادفي الخاطىء،وتاييد الفقهاء لهم وقد تم لهم ذلك فيما بعد،واصبح الخروج على التشريع محاطاً بنظرية الجبر واعتبار الحاكم الظالم مطاعاً خوفا من الفتنة، طريقا للاستيلاء على السلطة بلا معارض،وهنا اصبحت قضية العدالة مربوطة بقضايا القدر الالهي المفسر خطئاً من قبلهم،مستندين الى قول الحق(وما تشاؤون الا ان يشاء الله رب العالمين (3).

هنا تقف نظريات الفقهاء في خط الدفاع الاول عن هذا الاتجاه الخاطىء والخطير في حكم الدولة الاسلامية. وتبرز نظرية الماوردي (ت 450) في المقدمة والقائلة بعدم جواز نقض بيعة الحاكم الا باشهاره الكفر بالعقيدة واضعاً شرطاً على الامام ان يكون من اهل الكفاية والعدل والعلم والشجاعة لامكانية اختياره لاهل الحل والعقد الملتزمين بالعدالة والحكمة،لكننا لم نلمس توضيحا صريحا في كيفية انتخابهم الذي بقي بطريقة غامضة لذا بقي تداول السلطة بالطريقة الغامضة نفسها.

تم تلتها نظرية الامام الغزالي (ت505)،والتي دعت هي الاخرى الى الاعتراف ببيعة الحاكم والسلطة القائمة بغض النظر عن كيفة الانتخاب، وهي ليست مسامحة من الجمهور ولكن الضرورات تبيح المحضورات خوفاً من الفوضى. فأصبح الحاكم والسلطة القائمة ملزمة شرعا دون ان يحق لاحد التدخل فيها،لذا فأن الولاية اصبحت لصاحب الشوكة وهو الامام (4). وانسحب هذا التوجة على نظرية الطرطوشي الاندلسي (ت1126) ونظرية بدر الدين بن جماعة (ت 1333م)،وابن تيمية الذي نادى بعدم فصل الدين عن الدولة لانه يعني الفوضى، وتقف نظرة السيد كاظم اليزدي المرجع الشيعي الاعلى عام 1920 مبررأ لبقاء الاحتلال البريطاني على الاستقلال الوطني لانه يعني الفوضى. وقد تبنى هذا التوجه أتحاد المؤرخين العرب الذي كام مقره بغداد منذ التغيير السياسي في عام 1968 ترضية لنظام صدام حسين القمعي والمستبد، ثم برر وجود حالة الانظمة العربية بغض النظر عن الهفوات الديمقراطية والتوجهات الدكتاتورية التي رافقت مسيرتها السياسية وحتى 2003.(*)

هذا التوجه لم يكن جديدا فقد نادى به المنصور العباسي ( ت150هجرية)، حين قال في بداية حكمه:( ايها الناس انما انا سلطان الله في ارضه اسوسكم بتوفيقة وتسديده اطيعوني ما اطعت الله،) مثبتا نظرية الحكم الالهي في حكم الناس. وتأتي رسالة الملوك لابن المقفع التي نادت في انزال الناس منازلهم،اي معاملتهم طبقيا،والترفع عن العامة في التعامل الاجتماعي،وبناء الدولة وقيادتها على هوى السلطان،ثم نادى بالغاية تبر الوسيلة في حكم الامة.مكملة لمسيرة المنصور الاستبدادية،واليوم نحن في العراق وكأننا نعيش نسخة طبق الاصل منها.

هذا التوجه الخطير تجذر في عقل الامة حتى اصبح فكرا تبريريا لا يمكن الخلاص منه بيسر وسهولة. ان الفكر والمعتقد اذا ما استقر في رأس الانسان يصبح من الصعب انتزاعه منه كما يقول علماء النفس.هذه هي المرحلة الاولى التي دون فيها النص التاريخي للامة العربية فجاء تاريخها باهتا رمادياً لا تلمس منه حقيقة تذكر سوى الوقوف بجانب السلطة،مما اضاع كتابة التاريخ الاجتماعي للامة.ونستطيع ان نقول بلا تحفظ ان الامة العربية هي الامة الوحيدة التي لم يكتب تاريخها بشكل متكامل الى اليوم.

وفي المرحلة الثانية برزت نظريات جديدة مناهضة لتلك النظريات التبريرية تبناها خيرة المثقفين العرب وتقف على منهج علمي جديد وحديث،لكنها لا زالت حبرأ على ورق لم ترَ النور بعد. وتقف نظرية محمد عابد الجابري و الطيب تيزيني وحسين مروة وهادي العلوي على رأس من نادوا باعادة كتابة التاريخ وفق منهج حديث وجديد.ورغم ان الجابري في كتاباته لامس المسائل الحساسة واقترب من استنتاجات جوهرية بأعتماده على المنهج التاريخي المعاصر،الا ان معياره اعتمد على نظرية( القائد المنتصر) وابتعد عن خط المعارضة طوال التاريخ السياسي الاسلامي المعتمد على ارادة الناس في تحقيق الاماني الانسانية والتاريخية،لذا لم يحالفه الحظ في دراسة المادة التراثية وتحليلها تحليلا يساعده بالوصول الى الهدف المنشود في اعادة كتابة التاريخ، بعد ان مهد لكتابة العقل السياسي العربي ومنحة الاهمية على مقولة ان( معاوية أفهم بالسياسة) من علي بن ابي طالب،متجاهلا المبدئية وسياسة الامام علي الحدية في تطبيق العدالة الاجتماعية، فأعتبره اسير المشكلات والميول القبلية،مما افقده جدية البحث عن منهج حيادي جديد في اعادة كتابة التاريخ.

ويأتي مشروع الطيب تيزيني في اعادة كتابة التاريخ برؤية جديدة بكتابة مشروعه الضخم (رؤية في الفكر الغربي في العصر الوسيط).ثم من التراث الى الثورة.واستمر فيه معتبرأ انه مشروعه العلمي الذي لا ينافس،وقد لخص هذا المشروع بأتجاه اعادة قراءة النهضة العربية والاوربية وكيفية الاستفادة من التراث القديم للامة.

لقد لخص فكر الاوربيين بانهم ما استطاعوا كسر الطوق القديم وكتابة تاريخ امتهم وفق منهجية علمية جديدة الا بعد تحديهم لفكر الكنيسة التعسفي وضرب الفساد والتخلف في مجتمعاتهم،وبنى نظريته على فكرة ان التاريخ لا يمكن ان يغلق على الاطلاق.لذا فالثالوث الثقافي والاجتماعي والسياسي هو ما يسعى الى تحقيقه،وفق نظرية الحق والعدل في المجتمع،لاسيما وان فكر الامة فكرأً فاعلا ًيستمد قوته من مبدأ التوازن بين السلطة وحقوق الناس،وقال ان الدين الاسلامي لا يقف ابدا مع التخلف والتقوقع وحكم الطغاة،لكن النص يحتاج الى تأويل جديد بعيد عن نظرية الترادف اللغوي الخاطئة التي اعتمدت عند الفقهاء في التفسير القرآني وحجمت النص القرأني عن هدفه الاساسي.

لقد ركز الطيب تيزيني في نظريته على التعددية في عملية البناء النهضوي والاهتمام باللغة العربية الفصحى لبناء وحدة الفكر،وتأسيس جمعيات مبنية على العقلانية والتنوير بعيدا عن نظرية النقل التي تبنتها السلفية،رافضاً المشروع الامني الذي يسعى الى ابتلاع البشر وتحويلهم الى سلطة،وطالب بأحلال نظرية الجدل العلمي للخروج من المأزق الحالي،لذا اشاد بالسيد يوسف ا لعظمة الذي تحدى بمفره دولة عظمى حين وقف بوجه فرنسا في نظرية الاستبداد الفرنسي،وبذلك نبه الافكار الى الاصلاح الوطني ووضع حداً للتدخل العسكري في شئون الوطن العربي مهما كانت المبررات لان ذلك يخالف الشرعية الدينية والوطنية معاً.

لقد بنى الطيب التيزيني نظريته على ثلاثة اسس رئيسية هي:-
-الارادة الشعبية
-الوعي التاريخي للامة
-وتحويل الوعي الى الفعل التاريخي
هذا الثالوث اعتبره مقدسا قد يؤسس لحالة جديدة في تارخ الامة،رافضا التجزئة القائمة على النظام الامني والمذهبي والطائفي أي رافضاً مقولة ( العدو من امامكم والبحر من ورائكم). حين عدها مقولة انهزامية قد تصلح لموقف معين في وقت معين لاتصلح في كتابة تارخ الامة.

أما مشروع المفكر الكبير المرحوم حسين مروة احد رموز الثقافة العربية في القرن العشرين والذي اغتيل سنة 1987 بسببه فقد هدف بمشروعه الى ضرورة قراءة التراث الاسلامي قراءة رئسية وبرؤية تقدمية وبعقل منفتح بعيدا عن النصية الجامدة،فاتحاً الطريق لكثير من الباحثين لتكملة المشوار الذي طرحة الطيب تيزيني والمفكر السيد هادي العلوي فكان مشروعه ملخصأ في ((النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية)والذي اثار جدلا واسعاً في الاوساط الثقاقية وموقفا متطرفاً منه في الاوساط الدينية السلفية التي عدته خروجا على الشريعة والذي قتل بسببه فيما بعد.وخلف للمؤرخين والتاريخ فكرا نيرا ماكان يجب ان نخسره في فترة زمنية حرجة نحن احوج ما نكون اليه.

ويقف مشروع السيد هادي العلوي في اعادة كتابة التاريخ شامخاً، المعتمدعلى اشاعة تعليم اللغة العربية الفصحى ونشرها بين الجمهور لانها الاساس في ربط الماضي بالحاضر وشعور الناس بانهم من امة واحدة.ان الروح النقدية للعلوي كانت تهدف الى تثوير الوجدان العربي ورفعه الى مصاف الرؤية العقلية المجردة والمتسامية،لذا انصب همه الوحيد في كتابة التاريخ نحو النظرية العقلية واستبعاد نظرية النقل في الاعتماد على النص التاريخي، وهذا ما ذهبت اليه فرقة المعتزلة،بابعاد صفة القداسة عن الموروث الفكري لامة العرب والذي به ساد التيار القمعي للافراد ومصادرة حرية الناس و الضمير.

وبغض النظر عن كل المشاريع القديمة والحديثة الصائبة منها والخاطئة،فنحن بحاجة الى مضاعفة الجهد لدراسة حالة التراجع المسيطرة على مجتمعاتنا العربية منذ قرون وما زالت،فلا معنى لدينا الا اذا بحثنا عن سر التهافت والضعف وقلة الاتقان والركض وراء الفتات والمفاخرة بما هو ليس من صنع ايدينا وادمغتنا.لذا لابد من البحث عن اسباب التراجع وتشخيصها ووضع الحلول الناجعة لها،ساعتها بامكاننا الشروع بعملية اعادة كتابة التارخ وفق مبادىء وحدة الامة تحت شعار الحق والعدل.

وأول ما يجب عمله قراءة التراث قراءة علمية بعيدا عن المغالاة والمباهاة التي اعتدنا عليها واصبحت قانونا في فكر الامة. ويجب ان يكتب التاريخ في اجواء الحرية التامة بعيدا عن العاطفة والميل الفكري المنحرف وبلا خجل او وجل سيساعدنا على الخروج من الجوانب السلبية التي علقت في الاذهان من جراء ما كتبه وتمسك به وعاظ السلاطين الذين حققوا همود الهمة والخذلان في الفكر العربي الاسلامي.

وللتاريخ نقول :رغم موقف الضعف الذي لازم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بعد فشل تجربة الجمهورية العربية المتحدة،لكن عبد الناصر كان الوحيد الذي من بين دعاة الامة واصحاب الشوكة والسلطة داعية وحدة واول مطبق لها شعبياً وحكومياً من الناحية العملية في العصر الحديث. ومن بعده فشلت كل الاحزاب والجمعيات القومية من تحقيق هذا الهدف الوطني الخالد.

وخلاصة القول: نقو:ل ان كل امة تشعر بشخصيتها المستقلة، عليها ان تميل الى القيام بتجاربها المصيرية دون ان تتبع الاخريات،واذا كنا نتعظ بالتاريخ فلماذا لانتعظ بما جرى لامم السابقين،ونقع بنفس الاخطاء السابقة في كل مرة.فالحرب اذا لم تكن دفاعاً عن حقوق الاوطان فهي لا تفيد القائمين بها في شيء لانها في النهاية تؤدي الى خسران مبين. كما ان تجربة الاستبداد بالسلطة ثبت فشلها فكم من مرة تولى حكم الوطن رجل مستبد بالامر من دون الناس وادى به الاستبداد والغرور الى ميتة سيئة وضياع اهله والوطن،ولنا في تجربة مروان بن محمد الاموي والمستعصم العباسي وموسليني وهتلر وصدام حسين مثالاً.

علينا ان نعترف ان الدولة الاسلامية منذ بداية النشأة خلا عهد النبوة، سارت على نظام سياسي مهد للاستبداد والتفرد بسلطة الدولة وضياع حقوق الناس بالتقادم.بالرغم من ان الخلافة كانت ابتكارا موفقا،لكن لا يمنع من القول ان الخلافة هي رياسة الامة كانت في حاجة ماسة الى دراسة وتنظيم،لان الخليفة هو رأس الدولة وليس مقدساً،ولا يمكن ان تترك هذه المسئولية له دون تحديد مدة او مدى سلطان،لذا تحولت فيما بعد الى ملك مستبد وراثي وكان ذلك يتعارض مع طبيعة الاسلام وهي دولة الشورى. ورغم ان الفقهاء عالجوا المسائل الشرعية بكل دقة لكنهم وقفوا من السلطة وحقوقها وواجباتها موقف المكبل اليدين،لذا كتبوا تاريخها بما املته حاجة السلطة لا حاجة الامة،لان الشورى كانت بيد رئيس الدولة الذي استخدمها استخداما فرديا أخل بحقوق الناس مما ادت الى مضاعفات الفتنة والاضطراب السياسي وحالت دون ضبط نظم الحكم في الاسلام.وحتى نكون واقعيين عند كتابة تاريخنا من جديد علينا ان نقر ان الامة لم يتقرر لها شرط الانتخاب للخليفة وعزله في حالة التقصير،ولم تقرر له مدة حكم او مدى سلطان، وعاشت بلا دستور ينظم حياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية بعد ان اخفت دستور المدينة الذي كتبه الرسول (ص) وتقررت فيه حقوق الناس وواجباتهم تحديدا للمسئولية الجماعية باكثر من 72 مادة قانونية في السنة الخامسة للهجرة،وتقف مادة وحدة الامة في المقدمة،والتي اعتبره المؤرخون أول تشريع دستوري تضمن المبادىء الرئيسية السامية في حكم الناس،لذا ورثت الاستبداد السياسي والتوجه التاريخي الخاطىء.ومالم يعد الاسلام حيا ًفي نفوس اهله لا في لغتهم فقط لا يمكن ان نتوقع ان يقوم اهله بواجب التبليغ والشهادة والحق وكتابة التاريخ وفق اهداف وحدة الامة تحت شعار الحق والعدل.

واليوم وقد تحرر العراق من دكتاتورية الرأي الواحد، فهل بامكان الحكومة الحالية اخذ زمام المبادرة لاعلان مشروع اعادة كتابة التاريخ وفق منهجية علمية بعيدا عن التكهنات والافكار المتزمتة؟ قيكتب لها قصب السبق في هذه المهمة الوطنية الصعبة؟

المصادر المعتمدة
----------------
1-المرجئة والقدرية والجبرية- فرق اسلامية ظهرت منذ القرن الاول الهجري ونادت بالاعتزال وسلطة الجبر في حكم الناس ونسبت قيام الامور الى القدر الالهي.
2-الدكتور حسين مروة ndash; النزعات المادية في الفكر العربي الاسلامي ndash;بيروت ج1 ص 563.
3-القرآن الكريم سورة التكوير آية 29
4- يقصد بصاحب الشوكة الامام المنصب على رياسة الدولة.
bull;الماوردي ndash;الاحكام السلطانية،ابو حامد الغزالي ndash; الاقتصاد في الاعتقاد،الطرطوشي-كتاب سراج الملوك،ابن الازرق- بدائع السلك في طبائع الملك،ابن تيمية ndash;كتاب السياسة الشرعية./اليزدي ndash;الشيعة والدولة القومية للاستاذ حسن العلوي.
bull;ملاحظة هامة :
bull;------------
bull; المقالة معتمدة على ماكتبة الدكتور علي كريم سعيد في كتابه الموسوم اصول الضعف،مع دراسة نقدية،شملت اراء جديدة اضيفت لما كتبه الباحث الكريم زيادة في المنفعة العامة.


د.عبد الجبار العبيدي
[email protected]