بموجب احصاء 1957 كانت نسبة الكرد في مركز مدينة كركوك 33% من مجموع سكانها في حين كانت نسبتهم في كامل محافظة (لواء) كركوك هي 21% من مجموع سكان المحافظة، في حين كانت نسبة التركمان 37% في مركز المدينة و48% في كامل اللواء،، اما العرب فنسبتهم 22% في مركز المدينة و28% في كامل اللواء.

وكان سكان مركز مدينة كركوك 120 الف نسمة الى 388 الف نسمة في عموم للواء،، وبذلك يكون العرب والتركمان يشكلون حوالى ثلثي سكان اللواء واكثر من نصف سكان المركز.

وتأريخيا فأن العرب والكرد كانوا يشكلون قبائل رعوية وزراعية بالمجمل وليس هم من ساهموا في تحول كركوك الى حاضرة وانما لم تولد كركوك كمدينة ذات سلوك حضري الا بعد انسحاب الجاليات التركية من بغداد بعد دخول الانكليز الى العراق،، حيث ساهم تدهور الاوضاع في الاستانة نفسها الى استقرار الحاميات العثمانية الجالية عن العراق في خط التون كبري الذي يمتد نزولا الى اقصى الشمال الشرق لمحافظة ديالى الذي تتركز فيه اغلبية الجاليات التركمانية والتي استقرت اغلبها في كركوك،، ومما تلزم الامانة العلمية التأكيد عليه ن كركوك المدينة هي صناعة عثمانية للطبقة الاستقراطية التي كانت تمسك زمام الامور في بغداد من الجالية العثمانية التي سبقت الاشارة اليها وكيفية واسباب نزوحها واستقرارها.

والمعروف يقيننا ان احصاء 57 حدث في اواخر العهد الذهبي لبناء الدولة العراقية في الحقبة الملكية التي كان جل همها ينصب على ترسيخ مفهوم المواطنة للدولة،، الامر الذي يجعلها بمنأى عن ارتكاب اي من سياسيات التهجير او التطهير الطائفي والعرقي لتغيير التركيبة الديموغرافية للسكان هنا او هناك.

واذا كان هناك من يشير الى نزوح عربي الى كركوك بعد اكتشاف النفط لتوفر العمالة فهذا مردود على مدعيه لان المناطق المحيطة بكركوك كانت ولاتزال تعتمد على بنى اقتصاديات الزراعة والرعي،، وهي كانت ولاتزال ذات مردود اقتصادى اعلى من العمالة في قاع النفط الناشئ الذين سرعان ما اكتشف في الجنوب العراقي، مما يجعل من المتعذر حتى على عمالة الجنوب التي كانت ترزح تحت نير الاقطاع ان تأتي الى كركوك لتوفر ذات المصدر في الجنوب،، وليس من المتصور وفقا للمنطق ان نتخييل صناعات انتاجية وتحويلية كبيرة في كركوك لجذب هذه العمالة بعد اكتشاف النفط لكون هذه الصناععة لم تكن بهذا الحجم او السعة لجذب هذا العدد من العمالة الكافي لتغيير ديموغرافية السكان بهذه السرعة كما تشير المصادر الكردية الى ان طلائع الهجرة العربية الاولى او اغلبها جاءت بعد اكتشاف النفط.

ويمكن تصور ان مثل مصافي الشمال (بيجي) وهي اكبر مصافي نفطية بنيت في سبعينيات القرن الماضي كانت قادرة على التأثير في التوزيع الديموغرافي لقضاء صغير مثل قضاء بيجي، على افتراض ان حجم العمالة في هذا المصفى تفوق او توازي حجم العمالة الواردة الى كركوك منذ اكتشاف النفط الى حين بناء مصافي بيجي في صلاح الدين المجاورة والذي يأخذ النفط الخام من حقول كركوك.

اما بخصوص سياسات التعريب التي اتبعت تحديدا في المناطق المحاذية للمحافظات الشمالية الثلاث السليمانية ودهوك واربيل وتحديدا بعد اتفاقية الجزائر سنة 1975،، وايضا بما لاتخفى فيه بوادر الصفقات الاقليمية الامر المفروض دائما على الملف العراقي،،،فقد شملت فعلا المئات من القرى الكردية المتناثرة واستبدال سكانها بسكان القرى العربية المجاورة بمغريات توسيع ملكياتهم لزراعية على هذه الاراضي الزراعية الخصبة بالتميك التام او بتمليك حق المنفعة وبقاء رقبة الارض ملكا للدولة،، وبتوطين الالاف من عرب الجنوب في الشريط الابعد الى الشمال من هذه القرى خاصة رعاة الماشية الرحل القادمين من محافظتي السماوة والديوانية،، مع الاشارة الى ان اكثر من نصف المتجاورين من الفلاحين العرب الذي وسعت ملكية اراضيهم على حساب الفلاحين الكرد قد ابرموا عقودا سرية او التزامات شرف مع اخوانهم الكرد المرحلين تقضي بتقاسمهم ريع لمحصول بما يرضي الله والاطراف كافة، وان المؤسف حقا ان لم تشفع شفاعة الكرد المرحلين للمالكين العرب من القرى المجاورة الذين عاملتهم قوات البيشمركة والاسايش بمنتهى القسوى وصادرت ودمرت الكثير ممن ممتلكاتهم المنقولة بعد عام 2003.

وتجدر الاشارة هنا ان سياسات النظام الفاشستي انذاك لم تشأ ان تدفع الفلاحين الساخطين المنزوعة ملكية اراضيهم الى قلب الشمال المتمرد تجنبا لاستثمار سخطهم وانما دفعت اغلبهم الى قلب العاصمة بغداد بشروط لم يكن ليحصل عليها اي من الفلاحين العرب من شريط التماس مع حافظات الشمال، وساعد كثير من هولاء تقاسم ريع المحصول الذي تمت الاشارة اليه للبدء بتأسيس حياة جديدة في العاصمة،، وهناك منهم من هجروا الى محافظات اخرى واسسوا فيها حياة جديدة كانت اقرب لامنياتهم من خطر البقاء على خطوط التماس والتمرد وكونهم عرضة لابتزازات طرفي الصراع،، المتمردين والسلطة،، ومن هذه الفئة على سبيل المثال لا الحصر الكرد الذين تم ترحيلهم الى محافظة الانبار الذين انصهروا وتصاهروا بمجتمعاتها ولم يعد بأمكان اغلبهم التخلي عنه ازاء اية اغراءات اخرى،، وعلى هذه الشاكلة هناك امثلة كثيرة للقرى الكردية التي رحلت الى الجنوب الحزين.

اما الكرد في مراكز مدن التماس او ما بعد الخط الاخضر،، فلم يتعرضوا لى سياسة الترحيل الجماعي القسري كما حدث مع القرى المتهمة بدعم وايواء المتمردين وانما تم احكام ما يمكن ان اسميه القبضة الباردة عليهم،، حيث لم تكن الحكومة تسمح بالغالب او تتشدد كثيرا بمنح تراخيص البناء للسكان الاصليين من الكرد ما بعد 1975 بل وحتى مستحقي قطع الاراضي من العسكريين منهم وذوي شهداء الحروب الصدامية كانت تمنح لهم قطع الاراضي السكنية في مراكز المحافظات القريبة بل وكانت كثيرا ما تنمح لهم هذه الاراضي في مركز العاصة بغداد الامر الذي كان يثير حنق اقرانهم العرب الذين كانوا يمنحون سندات ملكية اراضي البناء وفقا لقاعدة مسقط الرأس والتي كانت بثمن بخس مقارنة بأثمان اراضي اقرانهم الكرد في مركز العاصمة بغداد او مراكز المحافظات المجاورة والتي كانت تفوق من حيث القيمة قيمة الاولى عشرات ومئات المرات،، وقد اتبعت هذه السياسة في مدن خانقين ومندلي وطوز خرماتو وكركوك صعودا الى الموصل.

وساهمت هذه السياسة الخرقاء في التأسيس لفجوة لم تندمل حتى الان ويبدو انها لن تندمل قريبا بين فسيفساء النسيج العراقي الجميل،، خاصة وان القيادات الكردية حاولت منذ 2003 استغلال تلك السياسيات لمشروع دولتها المؤجل،، فنكأتها من اية جهة اندملت

وفيما يخص كركوك وطبقا لمى يتوفر لدي من معاينة موقعية وقرأة ثلاثية الابعاد للصورة بحكم كوني اصلا من اهالي مدينة خانقين المدينة الحلم التي لم ار في حياتي مدينة اجمل واحلى منها ولا اطيب من ناسها وتاسامحهم على كل ما مر عليهم من قسوة السياسيات الرعناء،، واذا ما اردت ان اخرج عن التحليل الى ذاكرة الصورة منذ اكثر من ثلاثة عقود وانا امسك عباءة امي في بازاراها الكبير الذي تمتزج فيه كل حضارات الدنيا فما تخرج من شارع السراي الذي تفوح منه رائحة العثمانيين حتى يجول بصرك فلا يرتد اليك خاسأ وهو حسير وانما يعبر بك عبر قصير شيرين المدينة الايرانية المجاورة حتى تجده يجوب بقاع فارس عبر الاف السنوات،، ثم تنطلق مأذن الجوامع تلك التي تشهد لعلي بالولاية وتلك التي لاتأتي عل ذلك فتراك عند القرن الرابع الهجري في كوفةعلي بن ابي طالب الذي لاتشرك بقداسته لاهذه المأذن ولاتلك.

وكم كنت اقاسي وكانت مدينتي تموت وتضمحل يوما فيوما وانا ما عادت امسك بعباءة امي في دروبها وحارتها،، وقد بدأت اشق دروبها عبر تأريخ موغل في القدم وانا احيي الباعة وجل جلهم من الكرد كحال مركز المدينة التي اهبط اليها من الريف المجاور وهم يردون التحية علي (هلا بسيد ) حيث لا يلفظ الكرد الطيبون لام التعريف،، وحيث يبجل الكرد الطيبون ذرية ال محمد من السادة الصميدع والنعيم الذين يسكنون الريف المجاور وحيث يأتي الكرد بمرضاهم الى احدى تكايا القبيلتيين العلويتتين قبل ان يذهبوا به الى الطبيب،، وهذا ديدن كرد خانقين شيعتهم وسنتهم،، فعليهم وعلى ارض خانقين السلام التي لاتزال تسكن قلبي اينما حملتها صفقات السياسة.

وعودا على كركوك التي لا احسب ان اهلها من العرب ليسوا اقل مني لخانقين واناسها حبا لاهليهم الكرد فيها،، فأن سياسات تهجير الارياف والقبضة الباردة على كردها في مركز المدينة، وبحساب منطقي لمتوالية زيادة عدد السكان العالمية اثابتة (يتضاعف السكان كل عشرين سنة ) وهذا طبعا للثابت منهم وليس المهجر الذي ابتلي ما بعد التهجير بالانفالات البائسة،، وحسابات التوطن في مستقرات اخرى سبقنا في الاشارة اليها،، وعطفا على نسبة الكرد في المدينة بأحصاء عام 1957 فأن دفع الاحزاب الكردية لمئات الالاف (يقول العرب والتركمان المعترضون على ضم المدينة الى كردستان،،ان اغلبهم ليسوا من اكراد كركوك وان بعضهم من اكراد تركيا وايران،،وان البعض الاخر اسماء وهمية بتزوير السجلات واخرون يستقدمون للتصويت ويعادوا الى محافظات الشمال) الى مدينة كركود لتكريدها عدديا لالحاقها بأقليهم السياسي هي سكين غادرة تمتد الى خاصرة وطن رائع جميل اسمه العراق،،اراد ان يذبحه القادة المصابون بالعصاب المزمن،، وليس من المرؤة ان يذبحوه ثانية بصمتنا وتخاذلنا،، وبصفقات مشبوهة لمصابين بمرض السالفين.

وبعد فأن القيادات الكردية التي ارادت ان يقدم لها عرب العراق كروك اقرار منهم بكردستانيتها لكي تحتج بذلك ازاء الجارالتركي المتوجس وازاء الراعي الامريكي غير المستعد لاغضاب هذا الجار وهو اقرب واهم حليف اليه في المنطقة حتى من اسرائيل ،لم يعد امامها الا ان تؤثر لمرة واحدة من اجل العراق الديمقراطي وكانت المستفيد الاول من ديمقراطيته ،، وتبقي له رئته الاجمل ،كردستان العراق، بلا اي برميل بارود ،،قد ينسف كل ما تحقق لكرد العراق قياسا لما عانوه من جور بغداد عيهم ،، وان كنت لا ارى اي افق لضمان ذلك الا بتنازل الاقليم عن بعض صلاحيته الدستورية التي وضعته فوق صلاحية الدولة الاتحادية ،،اقرارا بما يرفض الكرد تسميته بدولة المركز قبل ان ينزع عنهم غيرهم ذلك ،،فلم يعد ازاء الكرد وقد راحت كركوك ،الهبة المشروطة، بأحكام قبضة حلفاء الامس من المعارضة السابقين على عرش بغداد ،وقد هلهلوه قبل غيرهم ،،ان يعملوا على ضم كركوك بالقوة التي يملكونها واقعيا ليخسروا غطاء بغداد نفسها ازاء سخط الجوار التركي والايراني المتربص ،،وبحياد تام من واشنطن هذه المرة التي صارات قيادات الشمال العراقي عبئأ كبيرا على ما تريد انجازه في العراق استثمارا لما ترتب على نجاح ستراتيجية زيادة عديد القوات بعد انتكاسات عدة ،، ولاشد ما نخشاه ان تبوح الاصوات الهامسة خلف بوابات البرلمان العراقي ،، ومن اكثر اعضائه وقواه اعتدالا بما تراه من ضرورة دفع الاقليم الى الاستقلال بلا كركوك ،، ولا ميزانية هائلة من المركز الذي يصر القادة الكرد على تهميشيه والغائه الا عند حاجتهم اليه.

إبراهيم الصميدعي

[email protected]