للمرة الألف يمكن القول أن كلّ مجتمع له quot;خصوصيتهquot; التي تنبع من معالمه وتقاليده، وعاداته وطرُق تفكيره، وأنماط تدبيره..
والارتهان للمفهوم quot;النرجسيquot; للخصوصية بوصفه علامة فارقة، يحمل في طياته وبين جنباته الكثير من التعالي على الواقع، كما أن الاتكاء على quot;الخصوصيةquot; بوصفها علامة تميّز وجودة وتكبّر، وأن صاحبها أفضل من غيره، فيه شيء من السّفه والحُمق وصغر العقل، والأنيميا الفكرية!
وقضية المَحرم -أي اشتراط وجود رجل من محارم المرأة معها أثناء السفر والابتعاد- قضية قديمة قدم الفقه، وأصيلة في حكمها أصالة الجمل في الصحراء!
ولكن هذه القضية أفرزت نتائجها، وأنتجت معالمها وخواصّها ومعطياتها، لذلك دخلت حتى في وسائل الحياة الحديثة، حيث أصدر شيخان من quot;صغار العلماءquot; يدعيان عثمان الخميس وسعد الغامدي فتوى (تحرّم دخول الإنترنت على المرأة إلا بحضور مَحرم مدرك لعهر المرأة ومكرها، بسبب خبث طوية الإنترنت)! صحيفة القبس الكويتية 12/11/2004م.
وفي عالم الجوازات والسفر، طوّرت المديرية العامة للجوازات في المملكة وثيقة إلكترونية تتيح للمحرم أو لولي أمر المرأة تقديم موافقته إلكترونياً على سفرها دون الحاجة إلى حضوره إلى مكان المغادرة!
وأتذكر أن إحدى السيدات المصريات quot;الغلباناتquot; لحقت بي قبل سنوات أثناء إحدى زياراتي لمصر ndash;بعدما قرأت في ملامحي ما يؤكد أنني سعودي quot;نمرة واستمارةquot;- راجية أن أشرح لها ما التبس عليها من مفهوم quot;المَحرمquot;، حيث تقول بأنها فوجئت بشرط إحضار quot;محرمquot; ndash;بكسر الميم الأولى حسب لكنتها المتضعضعة- حين تقدمت بطلب الحصول على تأشيرة للحج من سفارتنا هناك، وهو ما جعل هذه quot;المسكينةquot; تعتقد أنه يتوجّب عليها إحضار أي رجل يرتدي زي quot;الإحرامquot; والسلام! وما كاد الأمر ينجلي لهذه السيدة حتى صُدمت مرة أخرى حين أدركت أن مهمّة المَحرم أصبحت وظيفة بدوام كامل، وتحولت إلى تجارة رائجة لا تعرف الكساد!
ولكن أغرب الحالات في quot;عالم المَحرمquot;، ما ورد في خبر نقلته بعض وسائل الإعلام يقول: (ألزم رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقهى شهير في كورنيش الدمام بعدم تقديم الشيشة والمعسّل لزبائنه، وبالذات النساء القادمات من دون مَحرم)!
من هنا يبدو أن المَحرم لا بد من حضوره طوال الوقت الذي يبدأ من تصفّح المرأة للإنترنت وينتهي بتناول المعسّل، لذا فلا عجب أن نجد محرماً يسوّغ للمرأة تعاطي هذا المشروب quot;القبيحquot;، ومن يدري، فقد نرى في قادم الأيام من يشترط وجود مَحرم للمرأة إذا أرادت quot;دخول المدرسةquot;؟!
أحمد عبد الرحمن العرفج
التعليقات