There is no more lie than a truth misunderstood by those who hear it.
لايوجد أكثر من كذبة عن حقيقة يتظاهر مستمعوها في عدم فهمها

الصراع مع جوهر الحقيقة هو صراع الحالة النفسية الأجتماعية التي يَمر بها الناس بتأثير البيئة والمعتقد والثقافة العامة ومدى أهتمامهم بصحتها وثبوتيتها. والأكثر كذباً هم المتزلفون من يقومون بتزييف الحقيقة ونقلها بوجه مُشوه الى الناس......هذا مايحدثُ كل يوم في مجتمعات يهمها:
أ - معرفة الحقيقة بكاملها مؤكدة بدلائل مدونة.
بzwnj;- معرفة أجزاء مقضومة من الحقيقة وخلط أوراقها.
تzwnj;- أقناع النفس بالحقيقة وأِن كانت مُزيفة خيالية بعيدة عن الصحة والحقيقة.
ولعل الذي جاء على لسان الصحابة (نصف الحقيقة أسوء من الكذب) وقصص مسيلمة الكذاب والعرافون والسحرة في الأديان السماوية، وأمثله أخرى كالمثل الصيني القديم ( الحقيقة هي أنتَ، أنا، ثم الحقيقة ) لها دلالاتها وقيمها التاريخية في المجتمعات القديمة والحديثة.

حقيقة الأوضاع والأحداث التي أخصها بالموضوع، هي الحقبة الزمنية التي مرَّ بها العراق والعالم العربي منذ قيام أسرائيل، سقوط الملكيات في مصر والعراق في الخمسينات، والضروف ألأستثنائية الفريدة التي سادت دول الخليج العربية وايران وتركيا بعد عام 2003. وأخص بالحديث أيضاً، الصراع المُخدر الذي تقوده المعتقدات والوعود التي أنتجت الكراهية والفقر والجهل والبطالة.
ان الوصول الى الحقيقة المنظورة أوألاستنتاجية مرتبطة أساساً بنشأتنا وتربيتنا البيئية ونظرتنا الى ماهو حرام وحلال والتصرف على ضوئهما،والحقيقة أيضاً مرتبطة بمناهج تعليمنا في المدارس والجامعات وما تنقله لنا وسائل الأعلام وتنتقدهُ الأحزاب السياسية والبرلمانية. وقد صُورتْ لنا الحقيقة، كأفراد بصور ومأثر وأحداث مختلفة، الحقيقية منها، والمجزءة نصف الحقيقية، وكذلك شائعات وخرافات وشعارات وحكايات لاتمت للحقيقة بصلة.

من الضروري أن أوضح بأن البحث الموجز الذي أطرحه هنا لايتعلق بالحقائق الفيزيائية العلمية ولايخص حقائق صناعة البارود أو ما تنتجه لنا مختبرات الأدوية وحقائق عن الأوكسجين في الهواء، بقدر ما يخص النظريات السياسية والأجتماعية والمعتقدات الدينية ومايدخل منها كحقائق في الصراع اليومي الذي يدورفي عالمنا اليوم لنتمكن من تجاوز الحلال والحرام والجهاد المذهبي وتعميمهما على الخَلق عند بلورة رأي، معتقد، أو تقديم نقد موضوعي عن وقوع حدث يتطلب الدقة والمعرفة. يفرض بعض الأفاقين بأسم الجهاد والدين معالم معتقداتهم مرتبطة بأعمال من شأنها تأجيج الفتن والأبداع في فنون القتل والتفجير كوسيلة لبسط الرهبة السياسية والتقرب من الله في صراع سياسي قادته زُمر أجرامية أمية كألات ودمى بشرية لترتكب بأسم الأسلام أشنع الأفعال.
وقد تقود مثل هذه العقول من جديد نزاعات محلية أقليمية و دولية أن تَمكنتْ.

ظاهرة الحقيقة في العراق والدول العربية؟
عقول مذهبية سجينة السحر والخمول تلعن النهظة الأنسانية وجمالية الحضارة والتقدم، و تُفسِرُ بالأيات القرآنية أعتقاداتها لتحريك المُخربين التكفيرين بأسم الدين والوطنية دون مسؤولية أو ضمير. هذه هي حقيقة واقعة تراها الأم الثكلى والأب المُثقل بالهموم والأبناء الفقراء في مستشفيات العراق. أنها أكثر مما يرون في تعاليم القرآن السمحة التي تدعو الى المحبة.
المخاوف من المستقبل هي النتيجة الطبيعية عند مصارعة النفس للحقيقة. الحقيقة مقابل الكذب هي العقيدة الأخلاقية المطلوبة من طالب علم، رجل دين، زعيم حزب، قائد عسكري، مصلح أجتماعي، أمير أِمارة، رجل سياسة، أو رجل قانون. فماهي ثقافة منْ يبحث عن الحقيقة بين هؤلاء؟ ولماذا يبحث عنها وكيف؟ وماهو الغرض من هدف الوصول الى الحقيقة والألمام بها؟ وهل النية أضهار الحقيقة أم أخفائها بعد التبين منها؟ المطروح أعلاه هو مناهج لمواضيع أكاديمية تقوم بتدريسها جامعات متخصصة ويتخصص العديد من الأفراد فيها.

وأن مايجمع هؤلاء بالنسبة الى موضوعنا في الصراع مع الحقيقة، أن كل منهم قد يصل الى ( حقيقة ما) تمتلكه وتصقل طريقة تفكيره وقناعاته. ولكن شئنا أم أبينا، وسواء رضينا أو رفضنا، فأن هناك حقائق أخرى لعوامل عديدة داخلية وخارجية تسهم في أنتشار حالة معقدة وتعميقها (Myth amp; Paradox ) في سلوك وتصرفات الأفراد في المجتمع. ونستطيع أن نُصنفَ (كمثال) ماتراه المجتمعات العربية من تناقض بين الأعتدال الأسلامي والتطرف الأسلامي وبين الحرب العادلة والحرب الجهادية.

وفي عالم سريع ومتغيير بأحداثه اليومية، يجري تقييم وتحليل الأعمال السياسية بأستمرار والتهيأة لردود الأفعال من أناس ومؤسسات وحكومات لها أغراض مختلفة، وتبلور معتقدات بعضها حقيقية وبعضها خيالية لما جرى في العراق ودول المنطقة، وردود الأفعال هذه قد تُفقد السلطة السياسية توازنها الأدائي الحكومي في صراعها مع الحقيقة، وتفقد بريق أرتباط الناس بها حتى وأِن كانت تسير وفق مناهج صحيحة في محاربة الفساد وتعميم الخدمات. وعلى العكس من العراق الذي يصارع الحقيقة بمرارتها، فأن مثقفي غالبية الدول العربية لايقومون بتقييم ونقد ما هو حقيقي أو غير حقيقي للظواهر السياسية الاستثنائية التي تمر بها دولهم وحكوماتهم وطرق الكذب المتبعة في أخفاء الحقيقة. فالقبول والقناعة بعدالة نظام الحكم هي مشيئة الله على الراعي والرعية في بلدانهم، وتفوق سطوة الدولة قوة القانون والقضاء المدني وأستقلاليته وتُطمَسُ الحقيقة الى حد كبير.

وقد لعبتْ الطرق الأنشائية وحب الخطابة الشعرية الوجدانية أدوراً رهيبة في مخيلة البعض لرؤية الحقيقة بوجه مغاير لمعاييرها، وساهمتْ، دون دقة، في أضفاء وصف من يقودنا بالشجاعة والبطولة والشهامة والأقدام والبأس والقوة، بتمييز ومناصرة تفوق المنطق والخيال. وبالمقارنة، وصفُ من يعارض نظاماً أستبدادياً وقيادةً هوجاء، بالجبن والخسة والوضاعة والخيانة والعمالة ألخ...... وأدخل السياسيون والحزبيون والأعلاميون كلمات الولاء والفداء والتمجيد وأوصلوها الى حالات (تقديس) الشخصية. وكذلكَ تَمَّ ألزام المدارس والمعاهد العلمية المدنية والعسكرية لحشو مفردات محبذة في مناهجها، للدليل على الأخلاص والتقنع بلباس الوطنية حقيقةً أو تُزلفاً.

وقد يختلف شخصان في وصف حقيقة واحدة ماثلة أمامهما وهما ينظران إلى نفس الشييء و يَرَيَانِه بشكلٍ مختلف. وتجد هذه الظاهرة بشكل أكثر وضوحاً في العلوم الأنسانية و السياسية منها عن تلك التي تخص العلوم المادية الأخرى.
فهل معنى ذلك مثلاً، أن الأرقام والأحصائيات لاتخطأ؟

الأرقام تُخطئ أيضاً
هل تخطئ الأرقام والأحصائيات؟ لا، هو الجواب البسيط للمغفلين.
المنظمات اليهودية الأوربية نشرتْ مؤخراً دراسية أحصائية سنوية عن العداء للسامية والعنصرية ملخصها جاء به معهد ستيفن روث في جامعة تل أبيب، بأن حوادث العنف العدائية المُسجلة لديهم لعام 2008 تشير الى أنخفاض العداء لليهود بنسبة %11 مقارنة بعام 2007. أِلا أن الهجوم العسكري الأسرائيلي الأخير على غزة غيّرَ النسبة وزاد من عدد من يقارنون أسرائيل بالنازية الألمانية. أِلا أن أرقام لمعاهد أخرى تشير الى نسب أعلى أو أقل، حسب من يضع هذه الأرقام ونوع العينة المختارة في الأحصائية، أعمار المشاركين وثقافاتهم، والغرض السياسي من المعهد أو المؤسسة التي تنشر التقرير وتعمم الأرقام.

في مسرحية قصيرة تحمل روعة الفن ورهبة الأضطهاد وألأجرام وأرقام القتلى والجرحى، أثارتْ كاتبة المسرح البريطانية شيرل تشرتشل Caryl Churchill نقمة النقاد اليهود عليها لعملها الفني (سبعة أطفال يهود، مسرحية الى غزة) وأتهموها بهستريا تعود الأدباء على سماعها، أنها تجاوزت نصوص النقد الأدبي في مهاجمتها اليهود والسامية.

أن ( الموافقة أوالأمتناع ) عن تغيير الأرقام بالشكل الذي يناسب الغاية السياسية المُرادُ تحقيقها أو المُنظمة، تلعب دوراً مخجلاً في عملية قتل الحقيقة وتعميمها للرأي العام، كما هو الحال للصدمة التي اصابت المجتمع الأمريكي وتقززه من مؤسسات مالية ومصرفية تلاعبت بالاموال المودعة لديها للحصول على أرباح والقيام بسرقات بمليارات الدولارات، حيث لاتزال عملية جمع الحقائق وفحص سجلات وتدقيقها تسير سير بطء السلحفاة لتورط أسماء يهودية مالية لامعة في تزوير الأرقام والبيانات. وقد لايكون في المستطاع كشف الحقيقة أو الوصول أليها.

لسان حال المواطن يتسائل.... هل هناك حقيقة مطلقة لأسباب الصراع السياسي القائم في بلداننا اليوم؟ والجواب هو كلا بالطبع. فألاعيب السياسة والسياسيين حقيقة أدراكية خُلُقية جدلية مرتبطة بمعتقدات قد تكون علمية أو دينية أو أجتماعية، ينفر منها البعض و تُقرّب من ألأخرين ترابطاً وتوافقاً لأتباعهم طرق مقبولة تلمس قناعة المواطن بأن مايمثلونه ( يمثل الحقيقة كما يراها و يرغب بها الناس، أو أن مؤسسة معينة وماتزوده من أرقام وأحصائيات ( بنسبة لابأس بها) هي الحقيقة كما يرغب بها الناس، مع أنها جزء مجزء من حقيقة.

قصة النبي موسى وقصة المهاتما غاندي
في ندوة ضمتْ مجموعة أمريكية من جامعة ميرلاند عام 2004، طُرحتْ مقارنة تاريخية تختلف فيها أراء ومعتقدات الأفراد، وكما أُطلق عليها (دراسة ملغومة الغرض )، إلا أن لها عِبر ومنفعة مروضة للعقل:
أيهما تصدق أكثر كحقيقة واقعة، قصة موسى أم قصة غاندي؟
وبسبب التباين بين قصة موسى كنبي التي يرد ذكرها في الكتب السماوية و قصة غاندي كمصلح إنساني هندي التي لاترد في أي من الرسالات السماوية، فأن هناك أحراجاً تعليمياً وأثارةً فكرية للتحليل والدراسة، كما أنها أيضاً، إهانةً للتمسك بحقيقة دون أخرى لسلوك مختلف تماماً. فالديانة الهندية لاعلاقة لها بالقرآن، الأنجيل، أو التوراة، ولمعرفة أي من القصتين تبدو حقيقية وأكثر أنسانية وأقناعاً هو موضوع في غاية الاهتمام وألأثارة والتعقيد عند التحليل.

ومن الطبيعي أن تكون ألأجابات مختلفة حسب البيئة الأجتماعية والمعتقدات الدينية والفلسفة السياسية والأخلاقية التي نحملها كأفراد وندافع عنها.

تصديقُ حقيقة كفاح غاندي الأنساني بدتْ أكثر أغناءً وأنسانية للمشاركين في الأجوبة، وأسهاماته للمجتمع كانت أكثر أقناعاً في سلوكه السلمي لأنقاذ شعبه من العبودية والذل دون قتال البريطانيين، أِلا أن النبي موسى أيضاً أنقذَ الشعب اليهودي كما (يُعتَقد في الكتب السماوية ) وتَسلّم من الله الوصايا العشر في جبل سيناء. فلماذا تُسفّه قصة موسى ويَطعن بصحة عصاته السحرية من غالبية المشاركين؟ قصة النبي موسى تُعتبر من الأساطير والخرافات في نظر البعض رغم أصرار وقناعة اليهودي الشرقي والغربي بها، ورغم ورودها في القرآن الكريم. فأين تقع الحقيقة؟

أن ماأريد أن أوصل القارئ اليه هو أن المعتقد وحده هو الحقيقة التي يحملها الفرد مع ثقافته في ذاته وعروقه، إلا أن ذلك لايعني كمال الحقيقة تماماً..... وسواء أكانت المقارنة البحثية تتعلق بالسيد المسيح كنبي أو كارل ماركس كمنظر أقتصادي فأن المعتقد يتصدر الحقيقة حتى ولو لم يكن يمتلك صفات ومعايير الحقيقة الكاملة. فالصراع مع الحقيقة هو صراع جدلي، تراه الديانات بصور وأشكال مُختلفة، فالديانات البوذية مثلاً، ترى أن للحقيقة أربعة جوانب، فهناك حقيقة أمامكَ وحقيقة خلفكَ، وعلى يسارك ويمنيكَ....وما على الأنسان إلا الوعي بها والنظر الى جوانبها المختلفة.

ضياء الحكيم
[email protected]

ملاحظة: لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.