اعتادت مجتمعاتنا على تمجيد التاريخ والموروث وإعطائهما الأولوية على الحاضر والجديد الأمر الذي خلق مجتمعا مخدرا أو مشلولا لايمكنه أن يتعاطى مع حاجاته ومطالبه الحقيقية بشكل جريء وصادق فكان أن أدى ذلك إلى تراكم السلبيات و الأخطاء التي جعلتنا في الدرك الأسفل من التأخر والوهن الأمر وبالتالي نحن بحاجة إلى فعل ناجز قوي يخرجنا مما نحن فيه من بؤس و فشل ليضعنا على بوابة التطور والنجاح والأمل بالغد المشرق وهو ما يتطلب العمل على مواجهة كل عوامل الإخفاق الكامنة في جسدنا الحضاري وبنيتنا الثقافية من اجل التماس الحلول الكفيلة التي تجعلنا ننهض من سباتنا وتأخرنا لنرتقي بواقعنا إلى الأفضل فنحن في الواقع بأمس الحاجة إلى ثقافة صادمة تزعزع مسلماتنا وتخلخل متبنياتنا لنتمكن من الوثوب إلى إمام وتشييد مفاهيم ورؤى أكثر تجاوبا مع المرحلة واقدر على التعاطي مع الحاضر والمستقبل.

فإنتاج ثقافة تؤسس لزعزعة مفاهيمنا ومسلماتنا وقيمنا البالية هو شيء نحتاجه فعلا لان ثقافة الترميم والتجميل التي يتبناها البعض هي نظير لثقافة التخدير القائمة على إثارة العواطف وتنويم العقول و تغييب الحقائق وتجميل الأخطاء وإنتاج الخرافات والخزعبلات حيث تغذى شعوبنا التعسة بمضادات التطور من الخزعبلات والخرافات التي تنتجها وتسهر عليها مؤسسات التجهيل المنتشرة في عموم منطقتنا.

فدعاوي الإصلاح أو التجديد التي يطلقها البعض من حين لأخر ما هي في حقيقة الأمر إلا صورة من صور التجهيل أن لم تكن أسوا لأنها تغلق أمامنا منافذ التغيير وتحرمنا من نعمته لان الإصلاح أو التجديد يعني من بين مايعنيه تقوية القديم وجعله قادرا على مقاومة التغيير فهو قد يؤشر سلفا انحيازنا إلى ذلك القديم وحرصنا عليه ليكون قادرا على مقاومة إغراءات التغيير فقد اخترنا الإصلاح ولم نختر التغيير الذي يحدد بشكل أدق قوة القديم ومدى ملائمته لنا إذن علينا أن نعد المصلحين أو المجددين من اكبر أعداء التغيير بغض النظر عن نواياهم التي قد تكون طيبة أن اخطر مسوق للتخلف هو ذلك الذي يحاول أن يعطي لهذا التخلف قيمة أو يمنحه وجها لطيفا وما أكثر هؤلاء الذين لايغادرون صمتهم إلا من اجل تسويد الأوراق بكلمات مكررة عن البطولة والعظمة والقداسة فهم يعلمون أن هذه الكلمات هي التي تبقي لمعانهم وتملا جيوبهم بالثناء والدراهم فكيف نتغير ونحن نسبح بحمد تخلفنا ونقدس له بالعشي والأبكار ونعد التخلف سمة من سماتنا كما يفعل مابعد الحداثويون فقد وضع مثقفي مابعد الحداثة من العرب قراءتهم الجديدة التي لم تكن إلا تدعيما لقراءة الموروثيين والقديميين وكأنهم بقولهم نحن مختلفون عن الغرب أو أن للغرب حضارتهم ولنا حضارتنا قد اكتشفوا سرا أو أسسوا جديدا فهذا القول هو مايقوله أبناء الخرافة وأنصار القداسة و يلهجون بذكره ليل نهار.

لذلك علينا أن نؤسس لقراءة تقف بالضد من هؤلاء وتسحب البساط منهم قراءة جديدة صادمة لاتحفل بشيء قدر الوصول إلى هدفها فما نحتاجه هو أن نؤسس لثقافة تضع الناس في الصورة ركائزها التشكيك والإنكار و التصغير و التحقير والذم والتقليل...الخ من الكلمات الصادمة لابد أن يدرك الناس أن حضارتنا ليست بخير وان مستقبلنا مظلم وحياتنا قاتمة ومشروعنا مزيف وتاريخنا مشوه وان يشعر الناس أنهم موجودون في المنحدر لا في القمة كما في الزعم عندها يمكنهم أن يجدوا سبيلا للصعود بعيدا عن عقلية الأوهام التي تحول الهزيمة إلى نصر والجبن إلى بطولة والإخفاق إلى نجاح والمنحدر إلى قمة وعلينا أن نعيد كتابة تاريخنا فنركز على الأخطاء والسلبيات لان تاريخ الايجابيات والبطولات هو جزء من أيدلوجية التخدير التي يمارسها البعض علينا أن نكتب عن الإخفاقات والهزائم والأخطاء والسلبيات والفواجع والآلام والنكبات من اجل أن نخلق من ذلك دافعا للتغيير إذن لننطلق ونؤسس لهذه الثقافة الصادمة إننا بحق محتاجون إليها من اجل أن نبدأ العيش بشكل صحيح.

باسم محمد حبيب