المشروع الاخطر للسيطرة على المنطقة العربية


quot;الخلافة الإسلامية بدأت عربية وانتهت عثمانية وستكون فارسيةquot; هذه الجملة الاكثر اهمية التي قالها مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية الإمام الموسوي الخميني عام 1979 حين عاد الى طهران ليقود ثورته الى عرش الحكم الايراني.


على الرغم من وجود الدولة الدينية المسلمة على مدار ثلاث عشرة قرون إلا أن ذلك يعتبر موروثا لا أكثر لشكل الحكم المتعارف عليه في دول جنوب المتوسط ولم تشهد شعوب هذه المنطقة من العالم أي شكل من الأشكال الأخرى للدولة، حيث ظلت محتفظة بها في ظل عدم وجود بدائل حتى مطلع القرن الماضي وعقب انهيار الخلافة العثمانية، من هنا بدأت مرحلة بزوغ فكرة الاسلام السياسي بطروحاتها الحديثة التي تمخضت من مصادر و عقول غير عربية بالدرجة الأولى ولأهداف غير دينية أيضا في بذورها الأولى، في الوقت الذي تغيرت فيه أشكال الحكم سريعا في الدول العربية خصوصا بعد وصول بدائل مغايرة مع بدايات حملات الاستعمار الغربي قادت الى تشكيل دول علمانية وممالك كحال مصر والعراق وغيرهما، وهذا يعتبر مؤشر مهم على الفهم السائد حينذاك، الذي استمر محافظا على الدين كموروث اجتماعي وثقافي وتمييزه عن وسائل إدارة الدولة وأساليب السياسة في الظاهر فيما كانت في الباطن تؤسس لمشروعيتها داخل فكرة الخلافة الإسلامية نفسها وتدور حولها بدوائر لولبيبة تعيد إنتاج الاستبداد الشرقي كخاصية غير قابلة للتصدير إلا عبر الفكرة نفسها.


بدأت فكرة الإسلام السياسي تتبلور كرد فعل على الاحتلال البريطاني من قبل الشريحة المسلمة في الهند التي وجدت الايدولوجيا الدينية الإسلامية والبوذية القاعدة الوحيدة التي يمكن الانطلاق منها وذلك بسبب ضعف فكرة الانتماء القومي أولا وعدم نضوجه ثانيا في معيار الأحلام الهندية في تلك الأيام، والتمميز الطائفي الذي كان سائدا بين المسلمين والهندوس والذي ظل لاعبا اساسيا في الصراع حتى الوقت الحالي، فظهرت حركة ديوباندي التي تعتبر الاولى في تصنيف حركات الاسلام السياسي والمنظر الاول لها والتي تاسست في قرية ديوباند القريبة من العاصمة الهندية نيودلهي على يد سيد احمد خان الذي دعا الى اتباع سنة الرسول في كل كبيرة وصغيرة والجهاد في سيبل الله، وصارت افكاره تنتشر في الدول القريبة واستمرت في التاثير وصار لها الدور الأساس فيما بعد لنشوء دولة باكستان وحركة طالبان فيما بعد كأحد إفرازات الرحم الباكستاني في صراعها من أجل التمدد في مواجهة الدولة الأم ـ الهند ـ.


استمرت حركات الإسلام السياسي بالاتساع والتطور في تلك الدول في حين كانت الدول العربية الراعية الاولى للدين الاسلامي تخوض صراعا من نوع اخر مع اشكال الاحتلال الاجنبي وتجري تحولات سياسية بحتة بغياب آثار للنص المقدس فيها، ففي الوقت الذي حصلت فيه الدول العربية على الاستقلال تباعا تحت عناوين قومية او وطنية وتبن ممالك علمانية وليبرالية كان يوجد نضال اخر للتغير نحو شكل اكثر تطور للنظم وهو الجمهوريات، لكن الصوت الوحيد المطالب بالدولة الاسلامية كان يأتي من شرق اسيا والهند.


الصوت غير العربي الاكثر وضوحا كان للسيد ابو الاعلى المودودي التلميذ المخلص لحركة ديوباندي الهندية ومؤسس الجماعة الاسلامية في باكستان والذي لعب فيما بعد دورا مهما في نشر فكرة الاسلام السياسي دوليا وليس فقط على المستوى العربي، داعيا الى الصحوة الاسلامية وشاركه فيما بعد سيد قطب كأحد ابرز قيادات الاخوان المسلمين المصرية.


المنطقة العربية كانت محل استقطاب لزعماء الاسلام السياسي المحليين من الاعاجم وخصوصا بعد اكتشاف البترول، وفي خضم حملاتهم للوصول الى السلطة في غالبية الدول التي ينتشر فيها الاسلام بدءا من دول جنوب شرق اسيا مثل ماليزيا واندونيسيا حتى جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقا امثال اوزبكستان وكازاخستان وتركمانستان واذربيجان، ويعتبر الاسلام وسيلة الوصول الى عقول وقلوب ملاك هذه الثروة الهائلة، وهو البوابة الوحيد التي يمكن من خلالها الحصول على المساعدات المالية الكبيرة التي تمد هذه القيادات باكسير الحياة..


استمر نشاط دعاة الإسلام السياسي القادمين من دول شرق اسيا داخل الدول العربية، في المقابل استمر توجيه الدعم المالي من قبل الحكومات العربية وايضا من قبل الجماعات السكانية تحت عناوين مساعدة المسلمين، والذي سهل فيما بعد نشر افكار الإسلام السياسي عبر المساجد تحت يافطة دعم أخوتنا المسلمين المضطهدين في أصقاع الأرض ولعل التذكير بقضية المجاهدين الأفغان وحربهم مع الجيش السوفياتي يلقي الضوء كثيرا على العلاقة الترابطية بين قضايا المسلمين من غير العرب وفكرة الإسلام السياسي.


الجدير بالذكر هنا الإشارة الى الدور الذي لعبه السيد جمال الدين الافغاني الذي ساهم في احياء دور الاسلام سياسيا وبعض طروحاته ومواقفه من الاحداث انذاك وفق رؤية دينية، كما ان اختيار البلاد العربية وبالذات مصر منطلقا لنشاطه ذاك بعد أن شعر ان بقاءه في الآستانة ـ اسطنبول ـ لن يدر عليه شيئا كما انه لن يقدم للعثمانيين الذين يحكمون باسم الدين اي جديد، فرحل الى مصر في ضيافة الخديوي إسماعيل وحصل فعلا على مكاسب جيدة منها مرتب شهري قدره الف قرش مصري في ذلك الوقت لدعم انتقال الخلافة الإسلامية من الباب العالي إلى الملك المصري الخديوي إسماعيل.


رحلات أبو الأعلى المودودي وجمال الدين الافغاني وغيرهم ساهمت مبكرا بالتثقيف بفكرة الإسلام السياسي التي تلقاها فيما بعد مؤسسوا حركة الاخوان المسلمين وكان اول المتأثرين بهما حسن البنا مؤسس الحركة الإخوانية، الذي ذهب ينظر لهذه الافكار الغريبه عن هموم بلده والتي لا يجنى منها أي فائدة وطنية سوى ما يقدمه للأخر القادم من الشرق الأقصى كممهدات لتحقيق هويته الوطنية عبر الثقافة الإسلامية وإعادة صياغتها حسب حاجته هو بعيدا عن حاجات وتطورات الجغرافيات العربية.


البحث عن التمويل كان هاجس حركات الإسلام السياسي الأعجمية، وحتى بعد الانتصارات التي حققتها هذه الحركات بالسيطرة على الحكم في بلدانها كحال طالبان وثورة الخميني الا انهم استمروا بطرق ابواب خزانات المال العربية، وصاروا يخططون فيما بعد للاستحواذ على هذه الثروات الطبيعية، والحبل السري المغذي لذلك هو نشر افكار الإسلام السياسي.


الخميني رجل الإسلام السياسي الأعجمي الذي عاش في مدينة النجف في العراق وحصل على كافة أنواع الدعم من قبل مسلمي العراق عاد بعد انتصاره في ايران ليستهدف السيطرة على العراق كدولة وكشعب بخطاب سياسي مفعم بالجمل الدينية، ويمد اذرعه في اكثر من مكان عربي ليحقق حلمه بعودة الخلافة فارسيا كما يحلم في بداية المقال، ها هي جحافل الأحزاب المختبئة خلف العباءة الدينية تعيد إنتاج فكرة البحث عن الأب لتدخل تاريخ السلطة السياسية عبر البوابة الإيرانية، وما أشبه اليوم بالبارحة، وما أفضح الفروق!

سيف الخياط