سرمدي هو يأتيك فجأة، كما الظل إن بحثت عنه سخر منك إذ أنك لن تبلغه وإن لهثت خلفه، تحس أنك ملكت الدنيا وإن كنت فقيرا معدما حبيس مقعد متحرك إن كنت عاشقا، وتحس بأن الدنيا عليك أضيق من سم الخياط رغم ما يحيط بك من مباهج لو كنت في الحب تعسا، ذلك هو الحب، فإن لم تكن تلك سيرتك مع وفيمن تحب، فاسمح لي أن أقول لك أنك لم تحب!
في البداية يطيب لي الإعتذار من حائز جائزة نوبل المبدع quot;جابرييل جارسيا ماركيزquot; وشخوص رائعته quot;الحب في زمن الكوليراquot; فلسنا في زمن حب حقيقي إنتظر فيه quot;فلورنتينو أريزاquot; محبوبته quot;فيرمينا دازاquot; ما ينيف عن الخمسين سنة كي يظفر بها، وما أنا إلا بمستعير لشطر من عنوان روايته تلك، مدخلا مني كي أدلف لما أنا بصدد قوله، فشتان بين الأمس واليوم، فنحن أبعد ما نكون عن الحب الحقيقي الخالي من المصالح والشهوات، ولست بأعني فقط شهوة الجسد بل أيضا شهوة المال والمنصب وأمور دنيوية أخرى، فلقد أكتنفت حياتنا حسابات معقدة في الحب هي أبعد ما تكون عن سلوك المحبين، ولربما يشاركني بعضكم أننا قد حسمنا مسألة ماهية السعادة التي حيرت فلاسفة الرومان والأغريق قبلنا وأختصرناها في مجموعة شروط يجب أن تتوافر في الزوج أو الزوجة، باحثين عنها بكل شبق يتملكنا إحساس أحمق أن ما إن توفرت حتى يصبح ذلك الرجل أو تلك المرأة مؤهلين أن يكونو من نحب، حتى وإن كان في الأمر عدم توافر لعدة شروط أخرى ربما تكون أكثر أهمية.
ما تريده المرأة؟
إبن طبقة، مفخم يمشي مشية الواثق، يملك الكثير من مسببات السعادة، طويل بلا إسراف، رياضي البنية، لم يفقد كثيرا مما فوق رأسه يصففه بعناية، قادر على مفاجأتها برحلة في أوروبا إن شاء دون الخوض في مسألة المادة، يهادي بالماس والذهب نزولا إلى الورود حسب طبيعة المناسبة، رومانسي، مستمع جيد، رقيق ولكنه شرس مع من تكره، يقدر على حمايتها إن أرادت، ويوكل لها تلك المهمة إن هي لم ترد
ما يريده الرجل؟
بيضاء أو برونزية كإلهة إغريقية ، ذات عيون ملونة تمشي مشية غزال إذا نظر إليها سرته، ذات بشرة أبونسية لا شية فيها، من أسرة ميسورة، ويفضل أن تكون على موعد مع ميراث محترم إن طال الزمان أو قصر، عيناها كعينا هذه، وجسمها كجسم تلك ممن تطالعنا بهن فضائياتنا المحترمة
أرأيتم، أصبح مفهومنا عن الجمال معلبا معروف سلفا ، ليس بين إحداهن والحصول على لقب حسناء تذهب العقول إلا زيارة لخبراء تجميل تاجروا بالأحلام وباعوها لمن تنقصه الثقة بما خلق الله، فإن كانت إحداهن جميلة أبدع الله خلقها دون مبضع طبيب فإنها ستبقى غير كاملة حتى تقوم بتلك الزيارة المبجلة لطبيب ما تخرج منها راضية النفس، تطرب إن شبهها هذا أو ذاك بنجمة عالمية ما، وكأن الخالق المصور quot;حاش للهquot; لا يقدر على القيام بهذا الأمر بمفرده، حقنة هنا، وكيس سيليكون هناك نكمل بها ما لم يحبونا به الله إبتداء، شيئا فشيئا أصبحت أغلب النساء متشابهات، كأسنان المشط ،ينتمين إلى تلك المدرسة أو هذه من الخلطات الفورية، سعيدات بدرجة قريبة من البلاهة أنهم إستبدلن ما جبلهم الله عليه برتوش من صنع بشر، لا يدرين أنهم وأدن ثقتهن بنفسهن عند عتبة ذلك الطبيب، الذي أتحدي أي منهن إن إستطاعت أن تتوقف متى شاءت، فمن يبدأ بمظاهرquot;التحسينquot; تلك لا يستطيع التوقف، والأمثلة والضحايا كثيرون
كذلك الرجل، يصرف ما لا يملك معتمدا في ذلك على ما تزخر به محفضتة من الكروت الإئتمانية، وهي لمن لم ينكوي بها وبالا على من يضنها كما الحصى، ليست بنقود، فشهر والأخر ويغرق صاحبنا بديون يخفيها عن غيره بغية الإستمرار بمظاهر الثراء تلك، التى لا تكتمل رجولته من دونها، يركب سيارة لم يسدد منها شيئا بعد واضعا عليه أفخم حلة إيطالية سيفكر بثمنها مع أول خطاب بنكي ، ولكن كل هذا وأكثر يهون إن كان هناك ما يشتهي من كلمات الإطراء لثوقه وأناقته تطربه وتحمر منها خداه كماالفتاة البكر.
إن الحب كما سمعنا وقرأنا بعيد كل البعد عما سلف من قوالب، مثالين عليه أحب أن أستشهد بهما، الأول هو حب الأم لولدها، تحبه وإن كان دميما، أصلعا، قصيرا غليظ الأطراف، تحبه لأنها لا تستطيع إلا أن تحبه، حتى وإن لم يكن أجمل الأطفال أوأذكاهم، تحبه وإن كان سجينا أو مجرما سارق، لا تتوقف عن حبه، حبا غير مشروط، لا يناله عن إقتدار فهناك من هم أفضل منه في هذه الدنيا، ولكنها لا تحبهم هم، بل تحبه هو دون ميزة تدعوها لذلك.
المثال الثاني هو حب الوطن، ليس لأنه ألطف الأوطان، ولا أغزرهم ماءا وأطيبهم أرضا، حتى وأن كانت سويسرا تحوي ا أجمل المناظر الطبيعية، وفي إيطاليا أعرق المباني وأكثرها أبهة، بل وحتى إن كانت النرويج بها أعلى المواطنين دخلا، ولكننا ببساطة لا نحب تلك البلدان، نحب أوطاننا هذه ، فهي ببساطة... أوطاننا نحن ....هكذا
أحمد العدنان
[email protected]
التعليقات