العلاقات السورية ـ التركية تطورت بشكل متسارع في السنوات الأخيرة. وآخر تجليات هذا التطور كانت المناورات العسكرية المشتركة على حدود البلدين. طبعاً هناك مصالح مشتركة بين الطرفين، كأي بلدين متجاورين، ولكن الإتفاق الحالي، برأينا، هو ضد مصلحة الشعبين، إذا إعتبرت كل من تركيا وسوريا أن الشعب الكردي هو جزء من quot;النسيج الوطنيquot; لديها. فالمناورات تجرت على حدود البلدين، وعلى طول هذه الحدود يعيش الشعب الكردي بإستثناء بعض الجزر الصغيرة وسط البحر البشري الكردي( التركمان في منطقة قرقامش، وهناك عدد من المهاجرين القفقاسيين بالقرب من منطقة كيليس بين حلب وعنتاب وما عدا ذلك فان اغلبية السكان هم من الكرد. وبالأرقام: هناك أكثر من 3 ملايين كردي في سورية وحوالى 30 مليون كردي في تركيا).لذلك الإتفاق هنا هو ضد الكرد.
المثير هنا هو أننا لم نكن نتوقع أن يصل هذا التقارب الى درجة تبادل الأسرار والإستراجيات العميقة. فالعالم العربي كله والسوريون بشكل خاص يعرفون جيداً مكر البعثيين ودسائسهم منذ إستيلائهم على السلطة عام 1963. ففي كل مراسيم إلقاء قادة البعث للخطابات في المناسبات الرسمية، كانت تجري تحضيرات وإستعدادات كبيرة لتهيئة الجو العام. فقبل إلقاء كل خطاب كانت القوات السورية تقوم quot;بمناوشاتquot; على الحدود مع إسرائيل أو تقوم بquot;معركة جويةquot; مستخدمة طائراتها المقاتلة. كل تلك المعارك الوهمية كانت عبارة عن مسرحية هدفها هو أن يذكر القادة في خطاباتهم بأن المعركة مستمرة حتى تحرير فلسطين و انه quot;لا صوت يعلو فوق صوت المعركةquot;، والثمن كان دماء الشهداء وهم في ريعان الشباب لإخراج تلك المسرحيات. الخسارة كانت دائماً في الجانب السوري، لا بسبب جبن أو تهاون الجندي السوري، ولكن بسبب الإخراج المسرحي السيء. وأكبر خسارة تكبدها السوريون كانت في المعركة التي دارت في الأجواء اللبنانية عندما خسرنا أكثر من مئة طيار وطائرة في غضون ساعة واحدة.
المسؤولون السوريون أعطوا حلفائهم الاتراك ذلك السر الإستراتيجي المذكور أعلاه...وطبقه رئيس أركان الجيش التركي الجنرال إلكر باشبوغ. فهذا الأخير عقد مؤتمراً صحفياً قبل عشرة أيام وعد فيه الصحفيين باللقاء بهم بعد إسبوع. وفي 28 نيسان أي قبل المؤتمر الثاني بيوم واحد، سقط عشرة جنود أتراك قتلى في المنطقة الكردية ( من السهولة إلصاق التهمة بمقاتلي حزب العمال الكردستاني) ليخيم هذا الحدث على جو المؤتمر.ففي المؤتمر الصحفي الأول تعرّض رئيس الأركان الى إحراج شديد ولم يستطع أن يرد على الكثير من الأسئلة المحرجة التي وجهها إليه الصحفيون، مما دفع به الى أن يعدهم بلقاء آخر كما سبق. ويوم أمس عقد الجنرال مؤتمره الذي تحول الى خيمة عزاء. وهل هناك صحفي يتجرأ في هذا الجو المشحون أن يحرج سيادته، إذ أن هناك quot;فورة دمquot; في جميع أنحاء البلاد.
طبعاً لا تعرف الجماهير المكسينة أن دماء هؤلاء الجنود كانت مؤامرة رخيصة قدمت قرباناً لمؤتمر صحفي ليكون الجنرال مرتاحاً في مقعده أمام الصحفيين وشاشات التلفزة.
ما الذي ستأخذه سوريا من الأتراك ثمناً لإستراتيجية الخطابات من الدولة السرية التركية والتي تدار من مقر رئاسة الاركان والتي لها باع طويل في فن التآمر على الشعبين الكردي والتركي، وسأحاول التطرق الى هذه الناحية مستقبلاً. و لكن سأسرد عليكم مثالاً واحداً اليوم حتى لا أطيل...
في 21 تشرين أول 2007 قتل 12 جندياً تركياً على أيدي مقاتلي حزب العمال الكردستاني. وعلى الفور بدأت الدولة في إستثمار الحادث. واليوم تم وضع اليد على المكالمة الهاتفية بين اللواء آتيلا أوغور والرقيب لوند، حيث أن اللواء يقف الآن في قفص الإتهام فيما يعرف بقضية عصابة الحرب الخفية (أرغنكون) الشهيرة والتي تهز تركيا حالياً. فقد إنطلقت مراكز التآمر لإشعال نار الفتنة بهدف إشعال حرب أهلية بين الكرد والترك في البلاد لفتح الطريق أمام العسكر للإستيلاء على السلطة والقضاء على حزب العدالة والتنمية. وأدناه نص المكالمة الهاتفية:
الرقيب: الشعب هائج وثائر ياسيدي..
اللواء: ما هو الوضع في المنطقة عندك؟[المنطقة هي قضاء تابع بمحافظة قيسري في وسط الأناضول]
الرقيب: سيدي وضعنا ممتاز.....[أي إثارة الشغب في الشارع بين الجماهير]
اللواء: مالذي يمكن أن يحدث أريد أن أعرف؟
الرقيب: حوالي ألف شخص مجتمعون هنا و يطلقون الهتافات
اللواء: مفهوم.الوضع هو نفسه في كل مكان.هنا في أنقرة أيضاً نفس الشيء.
الرقيب:ليفعلوها إذن يا سيدي[يقصد التخريب]
اللواء: بكل تأكيد. ليحرقوا ويهدموا. لم تعد أمامنا أية وسائل أخرى
الرقيب: نعم نعم.... لم تعد أمامنا وسائل أخرى.
طبعاً لم تنجح المؤامرة
ثمن الخطابات و تآمر العسكر هي دماء الأبرياء.......
هل تشمل الصفقة إستعادة النظام السوري للواء (إسكندرون) السليب الى أحضان الوطن الأم؟؟؟
د. بنكي حاجو
طبيب كردي ـ السويد
التعليقات