كما ذكرت في مقال سابق انه وإذا صدقت التوقعات وشقت تركيا طريقها لتأخذ مكانتها بين الدول الكبرى، فـإن هذا الموقع الجديد سيفرض عليها في نفس الوقت شروطاً وأعباءً جديدة وعلى رأسها حل القضية الكردية.
لنتصور دولة عظمى مثل الولايات المتحدة أو بريطانيا أو فرنسا وهي تحوي في أحشائها قضية كبيرة بحجم القضية الكردية، وفي هاتين الدولتين شعب مستعمر يزداد تعداد نفوسه على ربع سكان الدولة وتمارس ضده أشد أنواع الإذابة العنصرية. هذا السبب لوحده كفيل بأن يسقط عن تلك الدولة صفتها الكونية من أنها دولة quot;عالمية و كبرىquot;، وهي المكانة التي تسعى اليه اليوم الدولة التركية.
من هنا نفهم، أنه كلما كبر دور تركيا وازداد شأنها، كلما ازدادت واجباتها التي تليق بمكانتها الجديدة. وحتى يٌسمح لها الجلوس مع نظرائها من الكبار يٌفترض أن تعمد الى حل مشاكلها الداخلية أولاً وأخيرا. وهكذا تدور وتلف تركيا و تصعد و تنزل لتجد أمامها دائماً حائط القضية الكردية لترتطم به ومن كل الجهات في الداخل والخارج وفي جميع المحافل الدولية. ولهذا فإن تركيا مضطرة لوضع حل لهذه القضية رغماً عنها، وهذا لا يعني انها الخاسرة بل على العكس تماماً، فحل القضية الكردية بطريقة سلمية عادلة يخدم المصلحة التركية بالدرجة الاولى، إذما إحتكمت تركيا الى منطق العقل.
النمو الإقتصادي في تركيا جلب معه نوعاً من الرفاهية، فدخل الفرد حالياً هو مابين 7000 ـ 8000 دولار والهدف، حسب الخطط، هو عشرة آلاف دولار عام 2011.هذا الرفاه يجعل الشعوب أكثر عقلانبة وأكثر ميلاً الى الحلول السلمية لقضاياها وهذا ما نلاحظه في تركيا في السنوات الأخيرة.
الكرد سيستفيدون من موقع تركيا كدولة كبرى مستقبلاً، حيث سيتوجب على هذه الدولة ــ اذا افترضنا ان تركيا تصالحت مع كردها وتوصلت إلى حل فيدرالي معهم ــ أن تأخذ على عاتقها المساهمة في حل القضية الكردية في الأجزاء الأخرى. وهل هناك شيء طبيعي آخر مثل إتخاذ هذا الموقف؟. فكما يتألم العرب جميعاً لأجل أخوانهم الفلسطينيين أو لقضايا أخرى تخص أخوانهم العرب من المحيط الى الخليج، فسوف تكون الحال نفسها بالنسة للشعب الكردي. من الطبيعي ان يتحرك الكرد في تركيا لأجل أخوانهم في اجزاء كردستان الأخرى. واذكر هنا بموقف توركوت أوزال الرئيس التركي الأسبق في حينه: quot;الكرد والترك شركاء في هذا الوطن، ونحن ملزمون أن نحمي أخوتنا كرد الخارج بنفس المنطق و المسؤولية التي نبديها إتجاه أخوتنا أتراك الخارج في قبرص و بلغاريا والقرم والبلقان و حتى أتراك آسياldquo;. وحتى تبدو القضية واضحة فإن تركيا جازفت بكل شيء ووضعت في الحسبان الدخول في حرب مع الجارة اليونانية في صيف عام 1974 عندما غزت قبرص لإنقاذ أتراكها القبارصة.
هناك أطراف كثيرة في تركيا تدعو الى حل فيدرالي بين الأتراك وبين الكرد ككل و ليس فقط أكراد تركيا، وهذا سيجعل من تركيا دولة كبرى تتجاوز دورها الإقليمي والذي سيصبح عالمياً. هذا كان مشروع الرئيس الراحل أوزال في بداية التسعينات. وحسب بعض المصادر حدث هذا الإتفاق في (كامب دافيد) بمباركة أمريكية ولم يكن للكرد يد في الأمر.
عندما يكتب أحدنا عن بعض الإيجابيات لدى خصومنا تهيج المشاعر وتلصق الإتهامات. هذا ما حدث معي في التسعينيات عند كتابتي عن أوزال وعن مشروعه لإنتهاز تلك الفرصة حينها. وحتى نعرف أهمية تلك الفرصة فقد إضطرت الدولة السرية الى قتل الرئيس أوزال في عقر القصر الجمهوري وفي وضح النهار والذي لم يعد سراً بعد، وذلك لوقوف العسكر ضد حل القضية الكردية.
إن الكرد في الدولة الجديدة لا يمكن أن يأخذوا دور المتفرج على ما يتعرض له أخوتهم في الدم وأقاربهم على الطرف الآخر من الحدود وعلى مرمى حجر منهم كما هو حال كرد سورية [ومن النادر أن نجد عائلة كردية سورية ولا يوجد لهم أقارب على الطرف الآخر من الحدود ] الذين يتعرضون لأبشع صور العنصرية من تجريد للجنسية واستيلاء على أراضيهم وتعرضهم للظلم والطغيان والسجن والتهميش، والأخطر من كل ذلك هو سياسة التجويع ــ قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق ــالتي تٌمارس بحق الكرد..إن سورية تدفع بالكرد الى حلول إنفصالية دفعاً للتخلص من الجحيم الذي يعيشونه في وطنهم، ثم يتٌهمون في نفس الوقت بالإنفصالية جوراً.
أن نعيش كسائر الشعوب الأخرى وبنفس الحقوق هو حلم مشروع للشعب الكردي، والحل السلمي هو الحل الامثل وهو لمصلحة الجميع. لا نريد الإنتقام من أحد. لسنا ضد الوطن السوري أبداً. النظام السوري يحارب كل ما هو كردي ويتآمر ضد شعبه مع دول الجوار..إذا أراد النظام المحافظة على وحدة البلاد دون فقدان أجزاء أخرى من التراب الوطني بعد إسكندرونة و الجولان عليه أن يتصالح مع شعبه الكردي ويشعره بالفعل أنه quot;جزء من النسيج الوطنيquot; وعدم دفعه الى ايجاد حلول اخرى لكي يفك اسره.
هل هناك عاقل يعتقد بأن العرب سيتخلون عن أخوتهم الفلسطينيين؟؟.إذن لماذا يطلبون من الكرد أن يتخلى عن اخيه الكردي؟.
تلك الصورة المخملية التي نريدها لتركيا بكردها وتركها، قد تنقلب الى سواد حالك إذما حدث العكس وإرتضت تركيا أن تبقى دولة quot;عالمثالثيةquot;.عندها ما علينا إلا أن نتقاسم الجحيم معاً في حروب وصراعات لن يستفيد منها أحد. ولكن أن يظل شعب تعداده أربعون مليوناً دون حقوق وكيان فهو ضرب من الخيال.
العراق دفع ثمن الخطأ، والأتراك يحاولون تفادي الخطأ العراقي في التعاطي مع القضية الكردية. الكرد السوريون يتمنون أن تعود سوريا عن غيها وتأخذ زمام المبادرة للتصالح مع كردها. أما أيران فإنها ماضية للحصول على القنبلة النووية لتقضي على الجميع.
بنكي حاجو
طبيب كردي ـ السويد
[email protected]
التعليقات