من باب المصلحة الوطنية وحرصنا على أستقلال العراق وإحترام سيادته، نتمنى جميعاً أن يخلو البلد اليوم قبل الغد من أي وجود عسكري أجنبي على أراضيه، هذا أقل ما يمكن قوله طالما نحن نأمل أن نكون كبقية دول العالم نتمتع بكامل السيادة ونتحكم بمصيرنا وحياتنا ومستقبلنا. والعراق دون أدنى شك بحاجة لهذا الأمر عاجلاً أم آجلاً ولايمكن المساومة عليه إذا ما أردنا أن يكون البلد خاضعاً لإرادة أبنائه وقواه السياسية والمجتمعية الساعية الى البناء والعمران والنهوض على القدمين وبالتعويل على القدرات الذاتية، ولابد من أن يساهم الجميع في تحقيق هذا الأمر من خلال تقديم الأفكار والطروحات القويمة حول سبل خلقنا لأفضل الأجواء السياسية والأمنية المُمَهدة لإعادة السيادة العراقية الكاملة المرهونة دوماً بخروج القوات الأجنبية وبسط الدولة سيطرتها الكاملة على مقدرات البلد.


والأمر يبدو أنه بحاجة دون شك الى حالة من التريث والتفكير العقلاني وعدم التسرع إن كان من قبل الحكومة الإتحادية التي تطمح الى أن يتحقق الأمر خلال السنوات الأربع القادمة ضمن مشروع الأتفاقية الأمنية العراقية ndash; الأمريكية أومن قبل القوى السياسية أوالتيارات الموجودة التي تدعو، إنطلاقاً من مسلماتها الآيديولوجية والسياسية، الى خروج القوات الأجنبية على الأراضي العراقية. والتمهل في هذه المسألة ليس أمراً ضيّراً ولايمكن أن يكون كذلك طالما هناك مشاكل وملفات عراقية داخلية عالقة تنتظر البت فيها بشكل أفضل وحسمها قبل أن تحصل عملية إنسحاب القوات متعددة الجنسيات من العراق، والتي من المقرر أن تحصل مع نهاية عام 2011 حسب ما علمناه من مضمون الأتفاقية الأمنية العراقية ndash; الأمريكية أوكما سمعنا وقرأنا ذلك في القنوات الإعلامية عبر التصريحات الرسمية الخاصة بالموضوع، وربما أهم وأبرز هذه الملفات هي أولاً: مسألة بناء الجيش العراقي من جديد بالمستوى الذي يقدر على حفظ الأمن والدفاع عن السيادة العراقية. فالعراق من هذه الناحية مايزال غير مُرَتَبا ومؤهلا، وحسب بعض المصادر لن يكون الجيش العراقي جيشاً متسلحاً بالقدر الكافي حتى عام 2018 أي بعد عشرة سنوات، هذا فضلاً عن إشكالية تدريب القوات المسلحة وتثقيفهم بالمبادئ الوطنية الجديدة المستندة الى روح الديمقراطية والمتوافقة مع ما يستدعيه العراق الجديد، أي تعميق ولاء الجيش للمجتمع والدولة وتجريده من أي ولاءات حزبية أوطائفية تسيء الى مهمته الوطنية والتزامه المهني بالواجب الملقى على عاتقه.


والنقطة الثانية: هي مسألة تعزيز مشروع المصالحة الوطنية التي ماتزال تعيقها معضلات وعوائق بحاجة الى المعالجة العقلانية والوطنية ودون أي تهور وتسرع، خاصة عندما نلاحظ أن العلاقات الوطنية بين القوى والتيارات السياسية ليست على مايرام بالنحوالمرجو وإنما تشوبها شوائب وخلافات أونزاعات وإختلافات لاحسم لها إلا بالتقيد بمبدأ الحوار والتحاور والإبتعاد عن أي شكل من أشكال التعاطي اللاعقلاني أوالعنفي إن كان من طرف الدولة أومن قبل التيارات السياسية، والعزم على مواصلة التباحث والتفاوض بشأن الخلافات والمشاكل للحد منها والوصول الى الحلول القويمة والصيغ التوافقية المناسبة التي ترضي الأطراف وذلك كل على قدر إستحقاقها ومكانتها في العملية السياسية وتأثيرها على المعادلات وحقوقها المشروعة.


والنقطة الثالثة، هي ضرورة تسوية ملفات حية لاتقبل التأجيل، وقد يكون أبرز هذه الملفات التي تهدد أمن البلاد بل تخرب كل ما بنيناه أمنياً بعد سقوط النظام البائد 9/4/2003 هوملف دمج عناصر الصحوة في مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية/الخدمية وتوفير المعيشة الكريمة لهم بعد أن ساهموا أعظم مساهمة في محاربة الإرهاب في أعقد المناطق العراقية وحاربوا القاعدة بل طردوها في مناطقهم. وما يدفعنا لأن نؤكد على هذه المسألة هوأن الصحوات العراقية باتت جزءاً لايتجزأ عن المنظومة الأمنية العراقية وعليه تستحق بحق أن توفر لهم الحكومة ما يطالبون به من مطالب متواضعة هي بكلمة تأمين العيش بعد أن سلمت القوات الأمريكية الملف الأمني في مناطق الأنبار للحكومة بكامله وخرجت من الإلتزامات النفقاتية التي كانت تنفقها على أبناء الصحوة.


أما النقطة الأخرى والأهم هي ضرورة حسم المادة 140 من الدستور العراقي والإسراع في توجيه المراحل الأساسية الخاصة بتطبيقها، أي عدم الممطالة في الأمر أكثر من ذلك ولا التفكير في إيجاد أي خيار بديل لتطبيق المادة. فإذا كانت المسألة الأولى المذكورة في النقطة الثالثة تمس حياة مكون كبير من مكونات الشعب إلا وهوسنة العراق فأن المسألة الأخيرة تتعلق بتطلع مشروع ودستوري للكُرد كمكون آخر أساسي للشعب، مما يعني أن أي قصور تجاه هذين الملفين وعدم حسمهما، أوالتباطؤ مع القضايا الأخرى التي ذكرناها آنفاً بشأن مسألة إعادة تأسيس وتنظيم وتثقيف الجيش وتفعيل المصالحة الوطنية، عندئذٍ ستكون العواقب على البلد وخيمة جداً سيما إذا خلت الساحة من طرف آخر مقتدر على إحتواء النزاعات والخلافات سياسياً ودبلومسياً وعسكرياً كالولايات المتحدة الأمريكية ووقعت مسؤولية معالجة كل هذه المشاكل والخلافات على كاهل حكومتنا الإتحادية التي لاتستطيع، دون شك بقدراتها العسكرية والأمنية والسياسية الراهنة أن تواجه المزيد من النزاعات والخلافات فضلاً عما تواجهها الآن من أزمات وتعثرات تشهدها العملية السياسية في البلد.

عدالت عبدالله