تمكن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من تحقيق نجاحات ملموسة على الصعيد السياسي الداخلي وخاصة ميدانياً وأعاد الأمن والإيقاع الطبيعي للحياة الاجتماعية والمهنية في الكثير من مناطق العراق لاسيما في العاصمة بغداد وهو يستبعد أي تعديل ممكن في جدولة انسحاب القوات الأميركية من العراق وقد قلل من أهمية عودة النشاطات الإرهابية الجبانة داخل العاصمة العراقية في الأيام القليلة الماضية واعتبرها ردة فعل عنيفة من قبل فلول النظام الصدامي المنهار وحليفه تنظيم القاعدة الإرهابي أو ما تبقى منه من خلايا نائمة أعادت ترتيب صفوفها مؤخراً وتسللت إلى بعض مناطق بغداد لتزعزع الأمن والاستقرار وتعرقل مسيرة الإصلاحات السياسية التي بدأها في الآونة الأخيرة وعلى رأسها ملف المصالحة الوطنية. وكان أمامه تحدي كبير تمثل في جلب الاستثمارات الأجنبية إلى بلاده من أجل توفير الفرص الكافية لنجاح التجربة العراقية البديلة لنظام الحزب الواحد وبناء دولة المؤسسات والقانون وإعادة بناء البنى التحتية للعجلة الإنتاجية العراقية ف جميع المجالات وقد بدأ جولة أوروبية قادته إلى روسيا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وفرنسا على مدى شهور ليردد أمام أسماع الأوروبيين خطاباً واضحاً ومطمئناً للشركات الأوروبية في مجال الاستثمار في العراق لأن العراق بأمس الحاجة لهذه الاستثمارات ولاخوف على أحد من القدوم إلى العراق فالذي يحدث ما هو إلا خروقات أمنية محدود جداً. وقد جاءت رحلته الأخيرة إلى فرنسا في الرابع من آيار الجاري تتويجاً لجهود حثيثة سابقة تجسدت في زيارات متبادلة بين الجانبين العراقي والفرنسي على أعلى المستويات إثر زيارات لرئيس الجمهورية العراقي جلال طلباني إلى فرنسا ونظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى العراق وزيارات عديدة لوزراء خارجية البلدين وزيارات قام بها عدد من الوزراء والمسؤولين العراقيين وعلى رأسهم الدكتور عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية وكلها سبقت ومهدت للزيارة التاريخية التي قام بها أول رئيس حكومة عراقي بعد التغيير إلى عاصمة النور باريس وناقش خلالها ملفات كثيرة وبدقة متناهية شملت كافة المجالات والاختصاصات السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والثقافية والتربوية والتعليمية وأهمها ملف الطاقة والنفط. وبعد اجتماعه بوفد من جمعية رجال الأعمال ورؤساء الشركات الكبيرة quot; ميديفquot; قدم صورة واقعية لواقع الاستثمار في العراق والفرص المتاحة اليوم أمام الشركات الفرنسية لتتنافس وتخوض المناقصات وتأخذ حصتها اللائقة بها خاصة وهي الخبيرة في السوق العراقي لما لها من تجارب سابقة ولعدة عقود وكانت قد قامت بالعديد من دراسات الجدوى واستثمرت الكثير من الأموال في فهد واستيعاب احتياجات السوق العراقية وهي قادرة على تلبية تلك الاحتياجات وبمستويات فنية وتقنية رفيعة حيث لم يعد هناك أي نشاط محتكر لهذه الدولة أو تلك والفرص متاحة أمام الجميع وسيختار العراق وبحرية تامة أفضل العروض المقدمة له من قبل جميع المشاركين في المناقصات المطلوبة، فهل ستستجيب الدولة والشركات الأوروبية لهذا الرهان الصعب؟.

يعتقد بعض الأوربيين أن العراق لا يمتلك قراره بيده بعد ويلمحون إلى تشبث الأميركيين بغموض فقرة وردت في نص الاتفاقية الأمنية تقول أن الانسحاب سيتم حسب تطورات الأوضاع الميدانية وقد ألمح أحد القادة العسكريين إلى أن الولايات المتحدة الأميركية ربما ستبقي بعض القوات المقاتلة في المناطق الساخنة أمنياً كالموصل وديالى لكن المالكي أصر على احترام الاتفاق الأمني وتطبيق بنوده حرفياً وتنفيذ كل ما جاء فيه لاسيما فيما يتعلق بمواعيد وجدولة الانسحاب من المدن أولاً ومن العراق كله فيما بحد ولا رجعة في ذلك. وقد وعد الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بسحب القوات الأميركية المقاتلة في نهاية آب 2010 ومن ثم سحب جميع القوات بشكل كامل بحدود نهاية العام 2011. فالعملية السياسية في العراق سائرة في طريقها رغم العقبات والتعثرات التي تعرقل تطورها ولكن هناك أمل كبير في تطبيع الأوضاع وانحسار دوامة العنف وإنكباب البلد برمته شعبا وقى سياسية على عملية البناء والازدهار بعد التخلص من الوجود الأجنبي تماماً واستعادة السيادة كاملة والتفرغ لصيرورة إعادة الإعمار وتكريس العملية الديمقراطية في البلد.

د.جواد بشارة

[email protected]