شهر مايو العام القادم 2010 سيشهد نشر مذكرات الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية الهاشمية و التى ستصدرها دار فايكنج للنشر المحتصة بالمذكرات.
و حسب بيان الديوان الملكي الاردني فأن الكتاب سيتطرق الى محطات لافته في حياته بالاضافة الى عملية السلام في الشرق الاوسط. و حياة الملك عبد الله بين الكلية العلمية الاسلامية وجامعة جورج واشنطن و القوات الخاصة الاردنية والفكر الاقتصادي و العيش بين دبي و عمان قبل تسلم الملك الحكم كلها محطات مشوقة و مليئة بلحظات هامه مؤثره في الحكم و الكينونة السياسية.
الملك عبد الله الثاني في اول تصريح له وقت ان استلم الحكم قال لمحطة سي ان ان quot;انني لست ابي quot; و تلك هي بداية المذكرات و الحديث لانه فعلا ليس ابيه، بل سبق والده الملك الحسين بن طلال و الذي لم يعرف الاردنيون غيره ملكا لمده اربعين عاما.
و في نشره لمذكراته يؤكد من جديد انه اذا قال فعل، فها هو ينشر مذكرات في الوقت الذي كان ابيه حريصا على منع و مصادره اي مذكرات تتعلق بالاردن رغم انه كتب quot;مهنتي كملك quot; ورغم ان جده الملك عبد الله الاول له مذكرات خاصة اهداني اياها الامير رعد بن زيد موشحه بتوقيع ملكي عام 1976 في قصر زهران بالاردن.
المذكرات الاردنية فاكهة سياسية ممنوعه في الاردن
كانت هناك محاولات لنشر المذكرات لشخصيات من الاردن عبر التاريخ، الا انها لم تر النور، حيث ان بعض تلك المذكرات استئأذن اصحابها ملك الاردن الراحل في نشرها و لكن الملك الحسين رفض في حينها.
و من تلك المذكرات التى لم تنشر الى يومنا هذا مثلا مذكرات رئيس الوزراء الاردني المرحوم بهجت التلهوني الذي كان ثعلب السياسة الاردنية و داهية دهاليزها، حيث في حفل غذاء في جنيف بحضور الملك الحسين، الملكة زين والده الملك الحسين رحمه الله،في منزل السفير الاردني انذاك وطلب رئيس الوزراء الاسبق و رئيس الديوان الملكي بأدب من الملك ان ينشر بعض مما عاش في خدمة العرش فأجابه الملك بأدب نحن نعرفك و نقدرك يا ابا عدنان الا يكفيك ذلك؟، و فهم منها الرفض فعاد و هو رئيسا لمجلس الاعيان حزينا و صرح ببعض صفحات من مذكراته عن حياته الخاصة لمجلة المجلة السعودية و كيف اصطحبه مرافق الملك طلال صبحي طوقان لاجراء عملية جراحية في عينه اليمنى في مستشفى ملحس على الدوار الاول، غصبا عنه و انقذه من العمى.
اما اوراق و مذكرات الفريق على ابو نوار فقد طلبها الملك الحسين بنفسه ليلة العزاء ظنا منه انه كان يدون تاريخ الانقلاب و الضباط الاحرار، وقيل انذاك ان اهدى الملك الحسين عائلة ابو نوار البيت الذي تسكنه، فقد كان بيتا مستأجرا و ليس ملكا، في الوقت الذي صودرت اوراق وكتابات خاصة ومذكرات الطبيب الخاص للملك طلال الدكتور شوكت الساطي، فور وفاته، و هو والد زوجة الامير زيد بن شاكر، و منعت مذكرات الملك طلال التى كتبها صبحي طوقان نقلا عن احاديث الملك طلال نفسه الذى اسر بها الي مرافقه الشخصي وهو في مسشتفى الامراض العقلية في استانبول و هربت اجزاء منها و التى كانت تنشر في روز اليوسف المصرية، و حكم عليه بالاعدام لانه نشر كلام الملك طلال رحمه الله، و بعدها حصل على عفو عام في عام 1964، و غيرها الكثير من المذكرات التى لم تر النور الى يومنا هذا.
و بقت المذكرات الاردنية و الذاكرة الاردنية في طي الكتمان تتناولها الاجيال عبر التحفيظ و احيانا عبر الحفظ في لندن مثلما فعل مدير المخابرات الاسبق و رئيس ديوان اسبق. و نفس الشيء حدث مع المشير حابس المجالي و اختفت اوراقه التى كان يضعها في صندوق خشبي في منزله بعمان و التى كان يحرص عليها و لكنها ذهبت معه الى الرحمن،لا يعرف عنها احد شيئا، اما مدير الامن العام الاسبق اللواء حكمت مهيار فقد اختار الا يكتب او ينشر اي شيء، في الوقت الذي دون ليث شبيلات كل شيء على اشرطه مسجله، و كنت ان طلبت من علي غندور ان يكتب و يوثق و هو الاقرب من الملك الحسين و سياسي بارز استطاع ان يجمع اعضاء الحزب من الذاكرة في منفى بباريس و كان مهيئا لتولى وزارة الدفاع في لبنان، و لكن لم يحدث حتى يومنا هذا ان كتب، و للاسف فأن توثيق المذكرات في الاردن لم يحظ بالرعاية رغم جسامه الاحداث و ثقل التاريخ.
النشر بعد وفاة الملك الحسين رحمه الله
و ما نشر عن الاردن من مذكرات كان بعد وفاة الملك الحسين و منها مذكرات رئيس الوزراء الاسبق د.عبد السلام المجالي، و بعدها مذكرات مدير المخابرات الاسبق نذير رشيد،و كان لهما حراك سياسي و لكنهما لم تكن مكتملتان. و منعت مذكرات لمن هم قبلهم مثل اوراق سعد جمعه بينما نشر الوزير ومؤسس و صاحب دار الهندسة مذكراته من بيروت و لندن وهو الدكتور كمال الشاعر و توفى بعدها باشهر دون ان يناقش فيها،.و باستثناء كتابات لعبد الله التل عن معركة القدس، ووزير الداخلية صالح الشرع والوزيرالاسبق شفيق رشيدات رحمهم الله و قله غيرهم، لم تكن هناك مذكرات بالمعنى الحرفي المعروف و نشرت اغلبها خارج الاردن و تمت محاكمتهم و ادانتهم عليها و منعت لفترة من الدخول الى الاردن.
.و لا احد يعرف عن اوراق زكريا الطاهر الذي اتهم بقتل هزاع المجالي و في اخر ايام حياته في بيروت صرح للمقربين بأنه لا علاقه له بكل ما حدث لهزاع المجالي و اقسم انها لفقت له.
اما الملك الحسين فكان يكره التدوين بعكس ما فعلته زوجته الملكه نور.
على العموم، الملك عبد الله الثاني ليس ابيه كما قال في بداياته، و هو جريء، ذكي، سريع التفاعل مع الاحداث، يحمل فكرا اقتصاديا، لا يحلم بطموحات ابيه، و لا يسعى الى هيمنة في الشرق الاوسط او انخراط في تجمعات سياسية او محاور، او لعب دورا مخفيا. هو واضح كل الوضوح، يكرس الحريات، يبني دولة عصرية باسلوب مبتكر، لا يؤمن بمفهوم حراس جدد او قدم، و الاهم انه قرب الى الشارع نفسه كمواطن قبل ان يكون ملكا. و هو يمثل طموحا افتقده الاردنيون في عصر سابق، و يدور في فلك تحقيق احلاما كانت تبدو مستحيله بدونه بل تمت محاربه من يعتنقها سابقا.
مذكرات ملكية للدارسين و الباحثين، لا تمنيات و رؤى مستقبلية
لذا،و من منطلق مقولته الثانية quot; الحرية سقفها السماءquot;، فأن مذكراته لا بد و ان تطول سماء الساحة الهاشمية الاردنية و ان تتحدث عن صفحات مطوية،و اقفال كسرت في عهده. و مجرد اعلانه عن مذكرات فقد سمح بطريقه ذكيه لمناقشتها و دراستها و الحديث عنها من منطلق انها لم تعد ملكا له بل للعامة من كافة انحاء المعمورة.
و هناك محطات هامة يحب الناس ان يستمعوا اليها و منها قصه اجتماع الاربع ساعات في العقبة مع الملك الحسين قبل ان يوليه العرش و ماذا دار بينهما؟. و لعل من المهم التطرق الى بعض النقاط التى تثير عقل الناس و ستثير عواطفهم و تريحهم من الشائعات و على سبيل المثال ما هو الاتفاق بين الفريق سميح البطيخي مدير المخابرات والامير زيد بن شاكر، و ما هي قصة اقصاء
الفريق سعد خير من دائرة المخابرات العامة، و كيف تعرف على الشابة رانيا الياسين و ارتبط بها و هي عائده من الكويت بعد حرب الخليج و توجها ملكة محببه اليه، لماذا اقصي رئيس الوزراء عبد الرؤوف الروابده بعد خلاف مع د.باسم عوض الله حول العقبة الاقتصادية، و لماذا استبدل المهندس علي ابو الراغب و هو متواجد في دبي برئيس الديوان فيصل الفايز؟ و غيرها من دهاليز السياسية.
ان كل خطوة، كل اجراء، كل مرحله لها ذكريات و ترتيبات و تأثيرات و حسابات. من كان يقف مع الملك في قراراته، كيف كان يتخذها، المفاجأه، التحول، الاختيار، التعامل مع الظرف، مع الحدث مع الفعل و رد الفعل، كل منها تصلح كتابا منفردا.
فصول المذكرات الاربع
و لعل سبعه فصول في كتيب من مائتين صفحه، كافيا ليكون مقدمه عن مرحلة يراد فيها التعرف على المسيرة الاردنية لملك ذو حضور فاعل و نشيط، فرضت الظروف عليه ان يتحمل اكثر مما في طاقته، و ان يبذل جهدا اكبر مما هو متوقع منه، و ان يساهم في مسار الاحداث و التأقلم مع الانحناء للعواصف.
قد ينظر القاريء الى صفحات اولها كيف استقبل او يوم في حياته ملكا، و صفحات مطوية منها مثلا لماذا غير الملك كلمته في شرم الشيخ بعد عرض الرئيس الاسرائيلي باراك على الهاشميين بالرحيل و ترك الحكم، كيف تم تسميه موظفات نشيطات يعملن في مكتب الملكة رانيا وزيرات، المثلث السياسي المصري السعودي الاردني، الخيارات الاسرائيلية في المنطقة و الدور الاردني، اقصاء الامير حمزة عن الحكم، الشراكة الامريكية و التحالفات في المنطقة، اخراج د بسام عوض الله من مؤسسه الحكم، الدور الاردني في العراق، دور زيد الرفاعي في ادارة الدولة الاردنية من خلف الستار، اقصاء الامير الحسن عن ولايه العهد، زواج الاميرة هيا من الشيخ محمد بن راشد و العلاقة المتميزة مع دولة الامارات،العلاقة المتوترة مع قطر، الشد و الجذب في العلاقة الاردنية الفلسطينية، التهديد الايراني للمنطقه، الدور الاردني في العراق، الورقة الاسلامية في الاردن بين ميزان الاخوان و مثلث اليسار و الشيوعيين،هجوم هيكل الصحفي المصري والبلبلة التى اثارها في الشارع،اول لقاء مع اوباما رئيسا في البيت الابيض، و ربما يعرج على كتاب الملكة نور quot;لمسه صدق او حنان quot; ويكرس له جزءا من فصل، اما اليوم الاخير في حياة الملك الحسين فهو بداية كتاب جديد.
المذكرات هنا تكتب بفصولها الاربعة لا فصلا واحدا انطلاقا من متعة الاستمتاع بكل فصل و حواسه و رياحه و هوائه و شتاءه و دفء ارضه و ثلوجه، و هي متعه اردنية لفصول اربعة في جبال سبع تحدد جغرافية الاردن و طبيعته شرقا و غربا.
المذكرات الحية أفضل من تاريخ مات صاحبه و دفنت اجياله
ليس المطلوب من ملك كتاب في الادب، او الاجتماعيات، و انما سرد لمرحلة سياسية للباحثين و الدارسين و محبي قرأة المذكرات، وهي مرحله حياه شاب لم يحلم يوما ان يكون ملكا فتوجته الاحداث ملكا و توجه الشعب في القلوب. ان الملك عبد الله الثاني بتعاقده مع دار فايكنج و هي اهم دار في نشر المذكرات يفتح سماءا جديدا في حريات غير مسبوقة تنشط الذاكرة و تحفظ التاريخ.
ان يقراء العامه مذكرات منشورة و يناقشوها و ينتقدوهاو يضيفوا عليها بوجود صاحبها افضل الف مره من مناقشة مذكرات مكتوبه، و لكن غير منشورة في عهده، و منها مثلا مذكرات للملك الراحل الهاشمي فيصل طيب الله ثراه، نشرت عام 1932 بعد وفاته في سويسرا، و اهم من احاديث منقولة على لسان بريطانيه صديقة رئيس وزراء لعبت دورا في الشرق الاوسط و ترتيباته في مؤتمر عقد بفندق في القاهرة في بدايات القرن التاسع عشر، و اعتمد عليها في كتاب صدر حديثا بعنوان quot; صناعه الملوك في الشرق الاوسطquot; تظهر انها هي التى صنعت الملوك و اتت بفيصل الامير الحجازي و الذي درس و تعلم في كلية فيكتوريا البريطانية بالاسكندرية ليكون ملكا على العراق!!!!!!!. و لكنه ملكا خالف توقعات من اتي به و عمل عكسها على حد قولها.
نحن أمام مذكرات هاشمية جديدة و مهمه و حيه بخط الملك عبد الله الثاني ملك المملكة الاردنية، تأتي في اطار التكامل و التتابع لكل من مذكرات الملك فيصل، مذكرات الملك عبد الله الاول، مذكرات الملك طلال، مهنتي كملك للملك الحسين، كتابات عن القضية الفلسطينية للامير الحسن.
د.عبد الفتاح طوقان
[email protected]
التعليقات