بلغت اسعار بيع النفط الخام قبل بضعة اشهر ذروتها حوالي 150 دولارا امريكيا للبرميل لاول مره في التاريخ في شهر يوليو تموز 2008 وسط ذهول الجميع من منتجين ومستهلكين بعد ان كانت الاسعار دون 10 دولار لبرميل النفط العربي الثقيل قبل عقد من الزمان تماماً. حمى الاسعار جاء سلبا على الدول الفقيره بالطبع ولكن الدول الغنيه المستورده للنفط فتمكنت من تلافي السلبيات ببيع صادراتها باسعار اعلى.. ارتفعت اصوات كثيره لمساعدة الشعوب الفقيره بزيادة الانتاج لكسر حواجز تخفيض الاسعار.. لم تؤثر محاولات الاوبك بالرغم من زيادة الانتاج فتبين ان الاسواق تفيض بالخام ولم تكن هناك اية حاجه للنفط انما المشكله كانت تكمن في مضاربات الشركات العالميه بدليل انخفاض الاسعار المفاجئ الذي بدأ في اكتوبر تشرين الاول 2008 دون اي سبب واليوم بعد مرور شتاء قارس فما زالت الاسعار تتراوح بين 40 و50 دولارا للبرميل. فلا المنتج دخل في جيبه ذلك الربح الوفير ولا الفقراء استطاعوا من سد الثغرات التي كانت تنفتح لهم جراء الارتفاع غير المعقول في اسعار النفط. الجميع رفعوا اصواتهم بان النفط بات يشكل لهم مشكله كبرى، هناك اصوات جماعة حماية البيئه بان تزايد نسبة الغازات الملوثه للجو سببها استهلاك كميات كبيره من المشتقات النفطيه وبالتالي يجب على الحكومات التقليل من استخدامات الطاقه بهذه المشتقات.. واصوات الفقراء بكونهم الضحيه من الجانبين زيادة اسعار النفط وزيادة اسعار المواد الاستهلاكيه بالاضافه الى تدني اسعار الدولار. وهكذا بدأ الجميع يخشى شرك الاستغلال والتوجه للبدائل باستخدامات الوقود البديل والمرايا والمراوح العملاقه وكذلك مصادر الطاقه في الدول التي تمتلك المساقط المائيه بالاضافه الى العوده الى استخدامات الفحم الحجري.

هناك شواهد كثيره لنضوب النفط في الطبيعه ولكن ليس قريبا ربما بعد اكثر من قرن. لا يزال خزين الارض من الفحم الحجري يكفي لقرنين وهو الوقود الذي استخدم قبل اكتشاف النفط بقرون حينما كان النفط بهيئة بقع زيتيه تطفح على سطح الارض واستعماله لاغراض بسيطه ولما استهلكها الانسان وجد نفسه مضطرا للبحث عنه في اعماق بسيطه وبعد نفاذ هذه الكميات ايضا من الطبيعه اصبح العمق في يومنا لاكثر من 5 آلاف متر، بذلك فلابد ان يكون هناك نهايه للنفط ولكن ليس قريبا كما يشاع احيانا. اذن حمى الاسعار والصراعات من اجل النفط واحتمالات نضوبه جميعا تدفع بذوي الشأن الاستعانه بالبدائل عاجلا ام آجلا. وافتراضيا وبانتهاء النفط في اعماق الارض فالجانب المتأثر سيكون المنتج اي الدول المصدره له وهي دول جنوب آسيا ومنطقة القفقاس وبحر قزوين ومنطقة الشرق الاوسط وبعض دول افريقيا ومن ثم بحر الشمال ووسط وشمال امريكا. ربما اكثرها تأثراً دول الخليج العربي نظرا لكون باقي الدول المنتجه للنفط تمتلك ثروات طبيعيه في اراضيها بالاضافه للمصادر المائيه لذلك فدول الخليج ستكون بحاجه ماسه لمصادر الطاقه افتراضيا بعد ان كانت مموله لها فينبغي منها توليد الطاقه لاستخدامات الاناره والاحتياجات المنزليه والمواصلات واغراض التبريد المعقده بالنظر لطول فصل الصيف ومحطات تحلية مياه البحر اما الابنيه العملاقه التي انتشرت في هذه الدول بالنظر للانتعاش الاقتصادي فجميعها تعمل باستخدامات مختلفه للطاقه. هذه احتمالات على افتراض انتهاء النفط ومن جانب آخر فان مجموعة دول الخليج العربي آخذه بالحسبان معظم هذه السيناريوهات ولعل استغلال العوائد النفطيه المتراكمه في بناء الاسس الاقتصاديه المتينه كفيله بتغطية نفقات معظم الحلقات التي ستقصر بعد انتهاء النفط.

اما الدول المستورده للنفط وخصوصا الدول الصناعيه الكبرى كمعظم الدول الاوروبيه واليابان وامريكا ممن تمتلك قاعده صناعيه ثقيله فقد احتسبت وقت نضوب النفط بدقه بالغه لانها اصلا تتميز بانظمه تعتمد العلوم بتركيز بالغ وتهتم بتطوير التكنولوجيا بشكل مذهل بحيث يمكننا القول ان البون شاسع جدا بين تقديراتها مع جميع دول الارض. هذه الدول ومنذ اكثر من 50 عاما وبعد الحرب العالميه الثانيه اتجهت لايجاد وسائل بديله للنفط والفحم الحجري وحتى الطاقه النوويه مثال ذلك استخدامات المرايا لاغراض التدفئه والاناره المنزليه بالرغم من قلة ضوء الشمس فيها، وكذلك تستعين بمراوح هوائيه عملاقه مختلفه لتوليد الكهرباء وجميع هذه الدول تنعم بطقس ومناخ بارد وممطر طول ايام السنه وتعتمد نظام البحث والتطوير بشكل كبير بحيث تتجه لانجاح تجارب رياديه ستغير مفهوم الطاقه بالمشتقات النفطيه ولا غرابة في هذا التحول الهائل عندما نقارن التطورات الخياليه التي تحدث في جميع المجالات.

الدول الناميه او الفقيره التي تكون الضحيه دوما، فانها تتميز بانظمه غير مستقره ومعظمها تتعرض لهزات سياسيه تسبب هدر المال العام وتنتشر فيها الفساد الاداري وامراض اجتماعيه تتعقد من مجتمع الى آخر ولا تعتمد تنظيم الاسره ولا تعمل باساليب تربويه وتعليميه متطوره مما تؤدي الى ضعف البنى التحتيه، ففي افتراض انتهاء النفط او حتى في الوقت الحاضر فان اعتماد الزراعه مهنة الاباء والاجداد واستغلال المياه والثروات والموارد الطبيعيه ان توفرت بشكل عقلاني هي حلول مرحليه والا فانها ستتوجه للنيل من المجتمعات المجاوره لها مسببة ازمات وصراعات والايام قد تخفي في ثناياها تقلبات او تحولات قد تنقذ البشريه من هذا الشبح..

مصطفى أحمد محمد

باحث كيميائي
في مجال النفط والبيئه ـ المانيا