الصديق الباحث هوشنك بروكا توقف في مقاله الأخير(مشكلة الموصل: بين مطرقة بغداد وسندان هولير) والمنشور في موقع quot;إيلافquot; على الأزمة الناشبة في محافظة نينوى العراقية بين المكونين الكردي والعربي إثر لجوء قائمة الحدباء( 19 مقعداً) إلى تشكيل الحكومة المحليه لوحدها وإستئثارها لكل السلطات، مزيحة قائمة التآخي الكردية( 12 مقعداً). حيث تطورت هذه الأزمة من خلال تصريحات المحافظ الجديد أثيل النجيفي المعادية للكرد والمستفزة لوجودهم الإداري في المحافظة. كما كان لقرار قائمقامية كل من شنكال ومخمور وشيخان بتجميد التبعية للموصل والتهديد بالإنضمام لإقليم كردستان، الأثر الواضح في رفع درجة التوتر والترقب.
المشهد في الموصل هو جزء من المشهد العام في العراق. عملية الإنقضاض على السلطة والاستحواذ على المناصب وquot;مصادر التمويلquot; جارية بشكل جنوني. لاثقة بين المكونات العراقية وأحزابها. الكل يريد تحسين مواقعه على الأرض ومن ثم التفاوض. الجانب الكردي ليس إستثناءاً من هذا quot;الكلquot;. فبعد الذي حصل في كركوك من عرقلة لتنفيذ المادة الدستورية 140 والرفض المعلن لإعادة المهجرين الكرد وتطبيع الأوضاع والإستفتاء حول إلحاق المدينة بكردستان، أمسى الإعتماد على النوايا والوعود والكلام المعسول، ضرباً من ضروب السذاجة. وفي السياسة، والعراقية بشكل خاص، لامكان للسذج والطيبين...
هناك من يتحدث عن خطأ كردي قاتل حدث عندما رضخ القادة في كردستان للأوامر الأميركية وأخرجوا قواتهم العسكرية من كركوك ورضوا بquot;الحل السياسيquot; وبكل هذه المماطلة والمطمطة. هؤلاء يحاججون بأن quot;سياسة الأمر الواقعquot; وquot;إعادة الحق لإصحابهquot; ولو بالقوة العسكرية، لربما كانت أفضل من كل هذا التسويف الحاصل ومحاولة اطراف عراقية واقليمية الإلتفاف على الحقوق الكردية وترسيخ الواقع الحالي. هؤلاء يستشهدون بتغيير موقف حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي من القضية، وسوقه لوحدات الجيش العراقي إلى كركوك وخانقين( المتنازع عليهما) ومطالبته برحيل قوات البيشمركة الكردية من هناك وحديثه المفتوح حول تشكيل مجالس الإسناد والصحوات من العشائر العربية والكردية والتركمانية لتحل محل تلك القوات. هذا ناهيك عن الإتفاقيات السرية التي وقعّها المالكي، حول كركوك وغيرها، مع الأتراك والإيرانيين، من وراء ظهر quot;شركائهquot; الكرد...
ثمة حديث في موضوع أزمة الموصل عن أخطاء متبادلة ومحاولات إقصاء لجأ اليها كل من الجانبين العربي والكردي. وهذا صحيح إذما إعتبرنا إستئثار الكرد على نسبة 75% من مقاعد الموصل بعد رفض العرب السنّة المشاركة في إنتخابات 2005 نوعاَ من quot;الإقصاءquot; وquot;التهميشquot; للمكون العربي. وعلى هذا القياس الملتبس، يمكن إعتبار قرار قائمة الحدباء بإبقاء القائمة الكردية خارج الملعب، رداً quot;للبضاعة الكرديةquot; وquot;معاملة بالمثلquot; ليس إلا.
إشارة هوشنك في مقاله إلى الأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الكردية في الموصل، بقيادة نائب المحافظ خسرو كوران، صائبة ومحقة. ففي عهد هذه الإدارة حصلت أزمات كبيرة كشفت عن قصور كبير في أدائها. هجوم الإرهابيين على شنكال ومقتل أكثر من 300 شخص وجرح الآلآف( 14/08/2007) كان يمكن تلافيه لو توفرت الحماية الأمنية المناسبة لتجمعات المدنيين العزل. الأحداث في شيخان( 15/02/2007) وهجوم الغوغاء على الأماكن المقدسة للكرد الإيزيديين كان تهديداً خطيراً للوحدة الوطنية الكردية، وإختباراً آخراً فشلت فيه إدارة الموصل الكردية. حتى الآن لم يٌعلن عن نتائج التحقيقات في الحادثتين ولم يتم القبض على أي شخض بتهمة التخطيط والتنفيذ. وفوق هذا كله، هناك تذمر جماهيري كبير من مواصلة الإهمال المتقصد لمناطق الكرد الإيزيديين، وبشكل خاص عند خطوط التماس مع المناطق العربية المحاذية لكردستان.
الإهمال الرسمي الكردستاني لحال الإيزيديين كان كبيراً، وهو ناتج عن عدم وجود مشروع وطني يتعامل مع أبناء الإقليم من غير المسلمين ومن غير السنّة بشكل متساو وحسب مفهوم وقيّم المواطنة. وهذا حاصل مع الكرد الفيلية والكاكائيين والمسيحيين والشبك، إضافة إلى الإيزيديين، والذين يٌقدر عددهم في الإقليم وحسب بعض المصادر، ب600 ألف شخص، أي أكثر من 10% من عدد سكان كردستان.
مطالبة قائمقامية كل من أقضية شنكال والشيخان( أغلبية إيزيدية) ومخمور بالإنضمام لإدارة كردستان في حال ثبات قائمة الحدباء على موقفها والإصرار على تهميش قائمة التآخي، قرار جيد وصائب في نظرنا. وعلى حكومة كردستان دعم هذا القرار والضغط في إتجاه توطيد الحال وإلحاق هذه المناطق بالإقليم بعد إعلانها محافظة مستقلة. ولعل من المهم الآن التركيز على شنكال نظراً للظروف الأمنية المتدهورة فيها ومعاناة أهلها من الفقر والتهميش الدائمين.
هناك تطورات إيجابية حصلت في موقف حكومة إقليم كردستان من موضوع مواطنيها الكرد الإيزيديين في الآونة الأخيرة. أظهرت الإنتخابات المحلية ترجيح الإيزيديين للخيار الكردستاني على كل الخيارات الهزيلة الأخرى. لقد حصلوا على 9 مقاعد من مجموع 12 مقعداً في قائمة التآخي. وكان قبل ذلك، قرار حكومة أربيل تعيين حسو نرمو قائمقاماً لقضاء الشيخان. ونرمو شخصية وطنية محترمة في الوسط الإيزيدي خاصة والكردستاني بشكل عام. وهو من عائلة مناضلة مشهود لها. كذلك ينبغي الإشارة إلى قرار مجلس القضاء في كردستان تعيين قضاة إيزيديين في الإقليم، وتوزيعهم على محاكم المحافظات والمناطق الكردستانية جميعها. هذه كلها تطورات إيجابية ينبغي الإشارة إليها والإشادة بها دائماً.
حكومة كردستان مطالبة الآن باستخلاص الدروس من تجربة كركوك المتعثرة مع الحكومة المركزية في بغداد. والفكر الذي يمثله النجيفي وأعضاء قائمة الحدباء هو فكر قوي ولايزال له مريدوه وأتباعه في العراق، وهم الآن يحتلون مناصباً سيادية حساسة. يجب ألا تتخلى كردستان عن مواطنيها بغض النظر عن إنتمائاتهم الدينية والعرقية. وأي تطور وتقدم سيلاقي الإشادة والترحيب من جانب المتابعين للعملية السياسية في الإقليم.
إنتقدنا في الماضي الأخطاء فيما يخص التعامل مع موضوع المواطنة في الإقليم وأشرّنا إلى مكامن القصور إزاء الإيزيديين والفيلية والشبك من أبناء الأمة الكردية. وربما تقاطع خطابنا مع بعض quot;العرض حالجيةquot; من الذين قدموا أنفسهم هنا في المهجر بوصفهم quot;دعاة المواطنةquot; وquot;المدافعين عن حقوق الإنسانquot; وأصحابquot;مواقع الإعلام الحرquot;، ولكن تبين لنا بأن هؤلاء ماهم في الحقيقة سوى نفر من المزاودين وقناصي الفرص، من الذين لايملكون أي مشروع إصلاح حقيقي، بل أن كل همهم هو التصيّد في الماء العكر وإثارة البلابل وتضخيمها لمقايضتها بمنصب هنا أو هناك. هؤلاء قالوا لنا إنهم من المعارضة الديمقراطية في كردستان وقد صدقنّاهم، ولكن ظهر بأن عينهم كانت على مناصب المتنفذين في الحكومة والإدارة ممن كانوا ينتقدونهم على الدوام، وأن كل هدفهم وquot;نضالهمquot; كان فقط لإبعاد وإزاحة هؤلاء quot;المتنفذينquot; من مواليي الحزبيّن الكبيريّن في كردستان عن كراسيهم والحلول مكانهم من أجل الإستئثار بالمنافع والمزايا. وعملية quot;النقدquot; تلك والهجوم quot;الإعلاميquot; ذاك لم تكن سوى وسيلة من وسائل الإبتزاز وquot;الهمبكةquot; السياسية...
المسؤولون في حكومة كردستان مطالبون بتدارس الأوضاع من كافة النواحي وإصدار القرارات الحاسمة ذات البعد الإستراتيجي. هناك من يضمر للكرد شراً مستطيراً ويريد العودة بهم إلى الزمن الوغد. زمن التقتيل والتشريد وquot;التطهير العرقيquot;. على الحكومة ترسيخ قيم المواطنة في الإقليم اولاً، وتقوّية الداخل، ومن ثم الوقوف أمام أهل الحكم في بغداد للتفاوض معهم، من موقف القوي المقتدر، حول الملفات العالقة. العراق الجديد، الذي راهنّا عليه طويلاً، يجب أن يكون فيه الكل متساوون. وأي كلام آخر، أو فعل يٌظهر غير القول المعلن، هو نسف لهذا العراق قد يودي في النهاية إلى الطلاق البائن إياه..
طارق حمو
[email protected]
التعليقات