يستشري الفساد الأداري المالي في العديد من دول العالم العربي والغربي، وفوضى أهدار طاقات الدولة دون رقيب متمكن للمحاسبة والرقابة، سرطان قاتل ينخر في مجتمعنا العراقي.......هذه حقيقة يستطيع المواطن التعرف عليها والاشارة اليها بالحديث مع من أنتخبوهم في مجلس النواب والسلطات المحلية، كما أن في أستطاعة المواطن لفت أنظار المسؤولين في لجنة النزاهة السراق والمُحتالين والمرتشين. وفي رأيي، أن التغاضي عن هذه الأمور أو تبريرها بالأعذار هي مشاركة السارق في السرقة.

أن مراجعة سريعة للسرقات والأحتيالات والرشاوى المالية التي تَمّرُ وتُمرّرُ كل يوم، توصل الى محطة رائحة فساد عام يزكم الأنوف.

يضع المسؤولون في العراق مسؤولية تبديد ثروة العراق وأهدار طاقات البلاد على بعضهم البعض. فمن هي الجهة المشاركة في الفساد الأداري المالي؟ وكيف تتعامل مؤسسات الدولة معها؟ وماهو هرم المسؤولية؟ وكيف سيتم غلق أبواب الفساد في بلد تخاطفته أيادي، جهل العامة ويأسهم في الأصلاح من جهة وجشع بعض المسؤولين الجدد في الأدارة.

وقبل الأسترسال في الحديث، نُذَكِّرُ بأن سرقة المال العام ظاهرة تتعدى العراق، بل أن أخطر طرق الأحتيال المالي والسرقة والتهريب نجدها في أغلب الدول المتحضرة والدول المُحيطة بنا. حلُّ هذه المعضلة لايمكن أن يأتي من الخارج أو الداخل فقط. فالأحتيال يجد الأعوان في الداخل والخارج. وفي بلد يتظاهر فيه الكثير بالتقوى والأسلام القويم، لابد أن يسود الأعتقاد بأن ألأصلاح يجب أن يتم من الداخل.

هل تذكرون أننا خير أُمة أُخرجت للناس، وأننا أهل المجد والحضارة والدين القويم، أذن، ماهذا الصمت على أنتشار حالة السرقة والنهب والتزوير والتهريب، ثم أقناع النفس بالفضيلة والأستسلام للمال الحرام. لقد سبقنا المصريون بأستهزاءهم من مثل هذه الحالة المُزرية ( كُنا عاوزين نبحث عن أِمام عادل، طلع علينا ألف عادل أِمام ).

التقارير التي تصلنا بين الحين والحين لأخبار مؤكدة وغير مؤكدة عن تجاوزات مالية وتضخم أجهزة أدارية وأمنية بأسماء وهمية تُلهب قلب الأنسان بالنار وتنفر منها النفس بالأشمئزاز والقرف. فنون العبث بأموال الدولة هو أحتقار للطبقات الفقيرة التي تسود البطالة بين أبناءها منذ عام 1991. واجتثاث الفساد المالي والإداري من مفاصل أجهزة الدولة هي مسؤولية عامة وليست مسؤولية المالكي رئيس الوزراء وحده، فالرجل لايملك عيناً سحرية لآفات المجتمع العراقي كله، وفساد بعض المسؤولين في الدولة مسألة قضائية تضامنية تُعالج وفق القانون والحق العام.

وياللعار، حين يجري التنافس بشدة في ملئ أدارات حكومية بالأصحاب والاعيان ولايرافقها تنافس في الأصلاح والأستقامة والحد من التلاعب بأموال الدولة. الغموض يلف من يسرق وغبار الأشاعة تلف السارق والنزيه لتعمى الأبصار عن السارق الحقيقي، وعلى هذا المنوال تجري الأمور.

في تقارير تحمل الدقة، كتبَ الصحفي وكاتب الأفلام الوثائقية أد هاريمن Ed Harriman Ed Harriman عن أدانة للجانبين العراقي والأمريكي بعد التقرير الذي قدمه فريق التدقيق الأمريكي برئاسة مفتش عام. فمن تاريخ تشرين الأول 2003 الى حزيران 2004، تبينَ أن ملايين من المصروفات المخصصة للحكومة الأنتقالية وقدرها 8.8 مليار دولار كانت دون سندات صرف أو وصولات مُسجلة عن كيفية صرفها.

هذا الى جانب نقل الاموال والسرقات التي جرت من أربيل الى خارج العراق. ولم أجد أي غرابة بالأطلاع على العديد من التقارير المؤسفة عن العراق ( بلد الثروة الطائلة والفساد المالي ). لكننا الآن في سنة 2009، فما الذي تغيّرَ؟
أحدى المنظمات الدولية التي تراقب الفساد المالي Transparency International أنجزت تقريراً شمل 163 دولة في العالم، أظهر العراق الدولة الثالثة في الفساد المالي الأداري بعد جُزر مينمار وهايتي.

لن نرى شيئاً مغايراً عام 2009 رغم وعود السلطة بسوق السُراق والمحتالين الى القضاء ومحاسبتهم. فأنتشار الفساد الأداري المالي وتعاظمه في مؤسسات بالية لم يتم تطوير نظمها الحسابية لأكثر من 60 عاماً كان قد وُجِدَ ليبقى. ودخول الحاسبات الألكترونية ونظم التدقيق والمراقبة الحديثة لن تُغييرَ منا، فالرغبة مفتوحة على الترحيب بالرشوة وتُقبّلها بل وأحتضانها أجتماعياً Culture of corruption لتصبح السرقة وطرق الأحتيال، الحالة العادية في مجتمع تختلط فيه حقيقة السرقات مع الأشاعات وتُروجيها للأنتقام أو أساءة السمعة وخلط الحابل بالنابل.

ضياء الحكيم
[email protected]

ملاحظة : لأسباب تتعلق بأصول النشر، يرجى عدم الأقتباس دون الرجوع الى الكاتب.