لاغرو ان الحديث عن الانتخابات النيابية القادمة في کوردستان والتي حددها رئيس إقليم کوردستان مسعود البارزاني بموجب صلاحياته الدستورية بيوم 25 يوليو تموز القادم، يقود الى الحديث عن قضايا أخرى لها علاقة مهمة و حتى جدلية بالعملية الانتخابية، ولعل أهم و أکثر هذه القضايا أهمية و حساسية قضيتي کرکوك و الفساد اللتين مافتئتا تشغلا بال المواطن الکوردي و تکادان أن تکونا بمثابة همه اليومي.

کرکوك، التي يبدو أن لعبة التأجيل و الارجاء و التعليق قد ساهمت و بقوة في إضفاء هالة من الضبابية و الغموض عليها و جعلت من الحلول المطروحة لها في إطار الدستور شيئا بعيدا المنال وانه ليس هناك من ثمة طرف سياسي عراقي ما بمقدور الکورد الاعتماد أو التعويل عليه لکي يسلك شيئا من الحيادية و الموضوعية في معالجة قضية کرکوك، وان الشارع الکوردي برمته بات يشعر بسخط و إمتعاض واضحين من الاداء السياسي(القاصر)فيما يتعلق بکرکوك وان الشعارات الرنانة و الطنانة و النارية التي رفعها کل من الحزبين الکورديين الرئيسيين فيما يخص کرکوك قد أثبتت سقمها و خواءها الکاملين على أرض الواقع وانه مامن کوردي بات يثق بتلك الشعارات و لا بمطلقيها.

ويبدو أن مختلف القوى السياسية الکوردية مع منحها کل تلك الاهمية الاستثنائية لقضية کرکوك، فإنها مع ذلك لاتمتلك أية أوراق أو ضمانات تدعوها لطرح شعارات قوية بصدد کرکوك، لکنها مع ذلك تؤکد على تمسکها اللامحدود بالقضية و عدم تفريطها بها تحت أي طائل، لکن المهم في الامر هذه المرة أن الشارع الکوردي قد عبر مرحلةquot;الانفعال و الفورانquot;العاطفي وبات ينظر للأمور بمقاييس عقلية و يقيمها في ضوء ذلك قطعا فإنه سوف يتوقف طويلا أمام أية إدعاءات لأي تيار سياسي کوردي بهذا الخصوص و لن يأخذ به أو يصدقه إعتباطا.

الملف الاخر، أو بالاحرى حديث الشارع الکوردي أي الفساد، يبدو أنه من المفات البالغة الحساسية التي تستأثر بإهتمام المواطن الکوردي و تدفعه للبحث و التقصي في متاهاته و عوالمهquot;المتباينةquot; وان کلا من الزعيمين الکورديين قد لا يحسدان إطلاقا على وضعيهما بهذا الخصوص حيث يحاط کلا منهما ببطانتين تکاد أن تترهلا من فرط ضمهما لشخصيات يتهمهم معظم الشارع الکوردي بالفساد، ويبدو أن أي منهما لن تکون لديه خيارات کثيرة لمعالجة هذا الملف بصورة جذرية غير أن الدوائر المقربة من کليهما تشيران الى انهما سيسعيان لطرح صيغة رؤية ما للتعاطي مع الموضوع من دون حسمه بشکل نهائي وان ماطرحه الرئيس البارزاني عشية اعلانه لموعد الانتخابات النيابية بخصوص مسألة الفساد الاداري و المالي الذين ينخران بجسد الاقليم عندما قال:(ينبغي القضاء المبرم على الفساد في الاقليم عبر تشکيل هيئة نزاهة فاعلة و ينبغي العمل الجاد لتکريس حکم القانون)، قد لاتجد لها من صدى أو ترجمة مطلوبة على أرض الواقع ذلك أن الفساد المالي و الاداري بات يمتلك جذورا صلبة و قوية ليس من اليسير أبدا إقتلاعه بهذه الطريقة. لکن النقطة المهمة هنا، هو أن الشارع الکوردي وبحسب العديد من المراقبين و الاوساط السياسية المتباينة في المنطقة، يثق بالبارزاني و يجد فيه نفحة مثالية يفتقدها تماما في الآخرين وقد يسعى البارزاني للمراهنة على نزاهته لکي يضمن فوز الحزب الذي يتزعمه على أمل أن يضع حلولا محددة للمشکلة بعد أن تهدأ العاصفة. أما الرئيس جلال الطالباني، فإنه قد أکد لأکثر من مرة عن عزمه و جديته في معالجة الفساد، غير أن العديد من الاوساط المطلعة و حتى القريبة منه، تشکك کثيرا في طروحاته بهذا الشأن وتؤکد من أن قضية الفساد باتت أکبر من حجم سلطاته و صلاحياته الحزبية التي تتعرض لهزات عنيفة سيما بعد عزم نائبه السابق نوشيروان مصطفى على الدخول في الانتخابات بقائمة منفصلة مما سيساهم بإنقاص المزيد من الاصوات التي من الممکن أن يحرزها الاتحاد الوطني الکوردستاني بل وان اوساطا سياسية کوردية تذهب الى أبعد من ذلك عندما ترى بأنه من الممکن أيضا أن يحوز مصطفى على أصوات في معاقل الحزب الديمقراطي الکوردستاني نفسه الى جانب الاتحاد الاسلامي الکوردستاني الذي يتربص بکلا الحزبين و من المحتمل جدا أن يکون منافسا قويا للديمقراطي الکوردستاني في محافظة دهوك تحديدا، الملفت للنظر، أن کلا من نوشيروان مصطفى و الاتحاد الاسلامي يستغلان و بذکاء ورقة الفساد تحديدا و يستخدمانها کقميص عثمان للإنتقاص من جماهيرية و شعبية کلا الحزبين سيما وان هناك تکهنات عن دخولهما الانتخابات بقائمتين منفصلتين وهو امر قد يکون مفيدا لخصوم کلا الحزبين تجعلهما يدفعان ثمنا باهضا قد لاتجبره الايام.

والواضح أن المواطن الکوردي قد لايجد لديه ذلك الاندفاع و الحماس المطلوبين للتدافع صوب صناديق الاقتراع للإدلاء بصوته لمن ليس لايفيده وانما حتى يضره بشکل أو بآخر ومن هنا، فإن کلا الحزبين الرئيسيين سيعانيان من متاعب جمة بهذا الخصوص ولن يجدا الطريق عبدة أمامهما کالسابق وعلى الرغم من أن هناك نحو 40 کيانا سياسيا و مستقلا ستتنافس في هذه الانتخابات النيابية فإن الغالب هو أن الحزبين الرئيسيين و الاتحاد الاسلامي الکوردستاني و کتلة نوشيروان مصطفى ستهيمن على السوح الانتخابية.

وعلى کل حال، فإن مختلف التيارات و الکيانات السياسية المشارکة في الانتخابات تضع يدها على قلبها وهي تنتظر اليوم المشهود، اليوم الذي سيحدد في المواطن الکوردي خياره النهائي و يختار الذين سيمثلونه، ورغم أنه سيکون يوما مهما و حساسا، لکنه سوف لن يکون بمثابة منعطف يقلب الموازين رأسا على عقب لأنه مازالت هنالك المزيد من الخيارات المتاحة أمام القوى السياسية المشارکة لکي تحرك الشارع بالسياق الذي ترغب فيه.

نزار جاف