تابعت باهتمام المقابلة التي نشرتها مؤخرا صحيفة النهار الكويتية مع الكاتب و داعية السلام المصري علي سالم، بمناسبة الذكرى 15 لزيارته لإسرائيل و دفاعه المستميت عن السلام العربي الإسرائيلي منذ ذلك التاريخ.
و عود على بدء، من المهم التنويه بان علي سالم كان دائما نموذجا للكاتب و المفكر الوطني الشجاع. و قد كتب قصة فيلم laquo;أغنية على الممرraquo; الذي عرضته السينما المصرية بعد نكبة الــ 67 . لكن الرجل غير رأيه مع تغير المعطيات. ذكر في المقابلة: quot;مبادرة السادات هي حجر الزاوية في الفكرة عندي.. نقطة التحول.. الجرأة الإنسانية.. إنها لحظة درامية استطعت أن أستوعبها وأفهمها من الرئيس السادات. وأدركت جرأته فيما فعل. و في نفسي يوم المبادرة، وعلى مقهى ريش، وسط عواصف غضب المثقفين والمزايدة والخطب، أعلنت موقفي مع الرجل وتأييدي لما فعله...quot;
لم يتوقف علي سالم عند مساندته اللفظية لخيار السلام بل تعدى ذلك للقيام بزيارة ميدانية لإسرائيل عام 1994 ألف على إثرها كتاب quot;زيارة لإسرائيل.quot; يقدم علي سالم دافعين رئيسيين لهذه المغامرة، أولهما الفضول: quot; كنت أريد أن أرى إسرائيل عن قرب...حتى أن الجندي الإسرائيلي على الحدود سألني:لماذا تزور إسرائيل؟ أجبته: لكي أراها وأعرفها،quot; ،و ثانيهما التخلص من الكراهية، على حد تعبيره.
اليوم و بعد 15 سنة من زيارته الأولى لإسرائيل، يقوم علي سالم بتقييم آثارها كالتالي:quot; أردت أن أكون أول من يبدأ بنفسه فينتقل من زمن الحرب إلى زمن صناعة السلام... الواقع كان يحتم علينا أن ندخل معركة سلام مع هذا المجتمع الذي سبق له أن هزمنا بضراوة عام 1967.quot; ثم يرمي علي سالم بالكرة في ملعب المثقفين المصريين بقوله: quot; إن كل الهجوم الذي تعرضت له لأني وضعتهم أمام الحقيقة. طالبتهم بالعمل. وأن يبدؤوا حياة من نوع جديد. وهذا مؤلم بالنسبة لهم. أردتهم أن يسيروا في طريق يتطلب مجهوداً وإبداعا. وهم كسالى...quot;
و بما انه لن يكون في مقدور الغوغائيين الكسالى رفع التحدي و مقارعة الحجة بالحجة، فقد لجؤوا لوسائل خسيسة من سباب وهجوم لتشويهه واغتيال شخصيته، تبعها فصله من عضوية نقابة المهن السينمائية عام 1996 و فصله من عضوية اتحاد كتاب مصر عام 2001 . و هذه بطبيعة الحال قرارات تعسفية بامتياز، إذ من حق أية جمعية مهنية أن تتخذ قرارا إذا ما توفرت الأغلبية المطلوبة لذلك، بما فيه قرار مقاطعة التعامل مع إسرائيل، لكن ليس من حقها طرد عضو فيها له رأي مخالف يلزمه هو وحده و لا يلزم الجمعية التي ينتمي إليها في شيء. و قد ثبتت المخالفة القانونية لقرار فصل علي سالم من اتحاد كتاب مصر عندما اصدر القضاء حكما أعاده إلى عضوية الاتحاد، قبل أن يقرر هو الاستقالة بنفسه. و هذا في تقديري مثال آخر على فاشية عدد لا يستهان به من النقابات و الجمعيات و quot;أحزاب المعارضة الديمقراطيةquot; التي تعج بها الدول العربية و التي لا تملك من الديمقراطية إلا الاسم، بدليل التعسف و العنف الذي تلجا له في تعاملها مع أعضائها، بل وخروجها الفظ عن القانون.
واصل علي سالم بعد زيارته الأولى لإسرائيل عام 1994 الطريق الذي وضعه لنفسه بدفاعه المستميت عن السلام الذي أثبتت الأيام جدواه، بدليل إفلاس كافة البدائل الأخرى، و قبول الأطراف التي رفضت مبادرة السادات في حينها بمفاوضات بعد ذلك و تحت ظروف أسوا بكثير مما كان متوفرا لها في السابق، و في مقدمتها منظمة التحرير الفلسطينية. و ساعده قلمه على الدفاع عن آرائه بصفة حضارية من خلال مشاركاته في المنتديات العالمية و في الصحافة المكتوبة و الفضائيات. و حصل في نوفمبر الماضي على جائزة quot;الشجاعة المدنيةquot; التي تمنح quot; لأشخاص عاديين يحاربون الشر في ثبات على الرغم من الأخطار التي تحيق بهم.quot;
ليس هذا مقال للدفاع عن رؤية علي سالم للسلام في الشرق الأوسط، فالرجل اقدر مني على القيام بذلك، بل تحية تقدير لداعية سلام شجاع كان سباقا في استشراف المسؤوليات التي تلقيها العملية السلمية على المثقفين و صناع القرار في طرفي النزاع و تجرؤه على الاصداع برأيه في وقت اثر فيه آخرون الصمت.
أبو خولة
[email protected]
التعليقات