1

في حزيران عام 1972م وبعد توقيع اتفاقية تكتيكية مع الثورة الكوردية في 11 اذار 1970م أممت حكومة احمد حسن البكر عمليات استخراج وتسويق النفط في شركة نفط العراق، ويتذكر العراقيون جيدا بعد نجاح التأميم وما رافق تلك العملية بعد حرب 1973م العربية الإسرائيلية، باستخدام النفط كورقة ضاغطة على مصادر القرار في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، وما ترشح من خلال تلك العملية من ارتفاع كبير في أسعار النفط في الأسواق العالمية ومن ثم تظخم واردات الدول النفطية ومن ضمنها العراق مما أدى إلى وفرة مالية كبيرة، كانت تستدعي القيام باستثمار تلك الوفرة المالية بإنجاز تنمية كبرى للبنى التحتية العراقية والانتقال بالبلاد إلى مصافي الدول المتقدمة.


ورغم ما أنجزه النظام في تلك الفترة من مشاريع كبيرة حينما كانت هناك فرصة أو هامش من الكفاءات العلمية والتخطيطية التي تعمل تحت مظلة بعض من القيادات الوطنية المخلصة في تركيبة النظام، إلا ان ما حدث بعد هيمنة مجموعة صدام حسين على مقاليد الحزب والسلطة غيرت بالكامل أسلوب استخدام تلك الوفرة المالية.


وبدأت الدولة العراقية تتحول تدريجيا إلى دولة بوليسية مخابراتية تستقطب ما أطلق عليه في تلك الفترة بالحركات الثورية والتحررية ومنظمات الإرهاب الدولي في كل أنحاء العالم، وتحولت الدولة العراقية إلى ممول وحاضن لكل هذه المنظمات والحركات العربية منها والدولية، ولم يكتفِ النظام بذلك بل بدأ بشراء وتأجير أنظمة سياسية في كل من أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وكثير من أنظمة شرق أوروبا ودويلات الاتحاد السوفييتي، وبدلا من أن يملأها برجال المال والاستثمار واستقطاب الخبراء ورؤوس الأموال من أجل تنمية بلد متعب وفقير ومتخلف راح يجمع حوله رجال العصابات وتجار الانقلابات ومنظمات المافيا السياسية من كل أصقاع الدنيا، ويزرع رجال مخابراته في كل عواصم العالم، لا ليسرق أو ليشتري خبرات علمية أو يقنع شركات عملاقة للعمل والاستثمار في العراق، بل لاغتيال أو خطف المئات من المعارضين لنظامه وتصفية العلماء العراقيين ممن لم يخدمو توجهاته.


وفي اتجاه آخر، وبدلا من البدء في بناء عراق متحضر، راح يجمع ( سكرابات ) الأسلحة من كل دول الشرق والغرب ليؤسس دولة عسكرية، وليبدأ بالتصنيع العسكري وتسخير كل مقدرات وإمكانيات العراق لهذا الهدف، تحت قيادات يعرفها العراقيون جيدا، ابتداء من حسين كامل ومرورا ببرزان التكريتي وعزة الدوري وحسن علي وانتهاء بعلي حسن المجيد والمئات من أقرانهم في المستوى العلمي والأخلاقي، حتى أصبح العراق سجنا رهيبا لسكانه وجنة غناء للغرباء الذين انتشروا في كل أنحاء العراق.
فقد كانت البلاد ملاذا لملايين الأجانب، وكانت الأبواب مفتوحة دونما قيد أو شرط لدخولهم وخروجهم، بل لعملهم في أكثر مفاصل الدولة أهمية وحساسية.


وقد استخدم النظام الورقة الفلسطينية والإسلامية بديماغوجية رهيبة وأستقطب أكثر رموزها تطرفا سواء في اليمين أو اليسار وعمل على شق صفوفها وزرع الفتنة بين فصائلها ومن ثم استخدامها لأغراضه الخاصة، ونتذكر جميعا تعاملاته مع معارضي النظام السياسي الإيراني والسوري والعُماني ( أيام حركة ضفار) والمصري والسوداني والأردني وثوار( البتاوين )* من الأشقاء في الصومال وجيبوتي وتشاد والسودان واريتريا وغيرهم من كل بلاد العالم.


ومن بين تلك الملايين التي استقدمها النظام جند عشرات الآلاف منهم للعمل معه وربط مصائرهم بمصير النظام ومستقبله وزرعهم في كل مكان من ارض العالم من حوله، بل كانوا جيشا مجهزا ومدربا لمقاتلة المعارضين العراقيين.
وفي نهاية عقد التسعينات من القرن الماضي أصبح النظام يملك جيشا من آلاف المتطوعين ( المجاهدين ) القوميين والدينيين ( المهووسين والمخدرين بالشعارات والأكاذيب ) الذين تم غسل أدمغتهم وملئ جيوبهم وغرائزهم وضمان مستقبل عوائلهم في خارج العراق من الدول العربية والإسلامية.


وعشية الحرب الأمريكية على النظام السابق كانت هناك عدة آلاف من هولاء ( الاستشهاد يين ) الذين هيأتهم المخابرات العامة والعسكرية للقيام ( بعمليات جهادية ضد الكفرة والصليبيين وأتباعهم من العراقيين ) بالتنسيق مع منظومات خاصة ومحددة وبعيدة نسبيا عن تنظيمات حزب البعث ومرتبطة مباشرة بالرئيس السابق ومجموعة من أقرب الرجال إليه من تنظيمات المخابرات والاستخبارات العسكرية والأمن العامة وفدائيو صدام والحرس والأمن الخاص من المتدينين والمؤمنين ( بعبد الله المؤمن قائد الجمع المؤمن ).


وحينما انفرط العقد وهرب الرئيس الضرورة و القائد العام للقوات المسلحة، واختفى قائد الحملة الإيمانية، وتبعثر الجمع المؤمن وتحولت تنظيمات الحزب القائد إلى فرسان و( حشنشلية ) الحواسم التي أعتبرها قائد الجمع المؤمن أمانة لديهم حتى ظهوره وعودته ومن ثم في إحدى كلماته الموجهة من الحفرة الثورية إلى جماهير الأمة العربية العظيمة أعتبرها غنائم لهم، وهي كل أموال الدولة والشعب التي تعرضت للسلب والنهب وما زالت تتعرض لعمليات تحويلها إلى ( حفنة تراب ) كما تعهد الرئيس القائد في ثمانينات القرن الماضي.


قلتُ حينما انفرط العقد، وسقط نظام البعث وهرب أمينه العام وقياداته، أصبح العراق ساحة مفتوحة ومملوكة لأولئك الآلاف من المرتزقة الذين تم إعدادهم لهذا اليوم لكي ينفذوا برنامج الحزب والثورة حتى عودة القائد ورفاقه لإكمال المسيرة حسبما جاء في وصايا الرئيس القائد.


وهكذا دواليك بدأت طلائع الأمة بتنفيذ مشروعها الحضاري وتوكلت على الله فيالق المجاهدين برسم الطريق إلى جنان الخلد وتوحيد الأمة تحت راية طالبان وأمير المؤمنين ملا عمر وولاته في العراق وولاياته، وانتشروا في حواضن أسسها خليفة الرئيس السابق برايمر ومجموعة الأخطاء التي اقترفتها القوات الأمريكية والإدارة السياسية في البيت الأبيض مما هيأت فرصا ثمينة لأولئك المرتزقة القادمين من البلاد العربية وغيرها لينظموا صفوفهم ويشنوا حربهم ضد العراق والعراقيين. ولكي يتحول العراق إلى (فلتر) لترشيح الإرهابيين، غضت معظم دول الجوار النظر عن عبورهم من أراضيها، بل وتقديم أفضل الخدمات للوصول إلى أرض الجهاد والمجاهدين.

* البتاوين = من احياء العاصمة بغداد ( مركز المدينة )

وللبحث صلة...

كفاح محمود كريم