في 25 تموز القادم، نكون على موعد رسمي لإجراء الإنتخابات في كُردستان.

الإقليم يعيش الفساد والإنحطاط منذ ثمانية عشر عاماً، بيد أناسٍ لهم وجهان: وجه مخفي حقيقي، هو إنعكاس لجوهرهم. هذا الوجه يتضمن الإنحلال والحلول النهائي في الجريمة، والشهوة غير المقيدة، المتعدية للآخرين وحدودهم. الوجه الثاني هو النفاق المكشوف والحضور المجرد من الحياء: حضورٌ يعلم أن الآخر يعرف الحقائق والماهيات، لكنه يظل قائماً لا يشعر بالإحراج، لكثرة المداومة على الفضائح. والحياء يسقط مرة ـ كما يقال ـ، فإن سقط، تهون الفضائح بعد ذلك، خصوصاً إذا كان ذلك ملازماً للقوة (من يملك القوة يعطي للراهن أوصافاً أخرى لفعله، غير التي تتفق عليها الناس)!

الحزبان المتسلطان في كُردستان، لا مندوحة قطعاً، سيستعملان كلّ سبيل من أجل الإستمرار في السلطة، ويلعبان كلّ الأوراق للبقاء على اللذة الكبيرة التي تهافتا عليها مثل الصبيان على الألعاب، ألا وهي لذة السلطة غير الخاضعة للمسائلة القضائية، بالرغم من الإنتهاكات الصارخة للقانون يومياً وبإستمرار!

منذ الآن، لا شك عندي من التحضر تحسباً لوقوع المحظور في التأريخ المذكور: سقوط الحزبين الممسكين بعرش السلطة التي لم تكن سوى المزيد من إذلال شعب الإقليم، والإزدياد في كيل معاناتهم وهمومهم.

لذلك فما يأتي من أموال إلى هنا وهناك، فهي تخرج من جيوب العشيرة، لأغراض السيطرة والدعاية الإنتخابية!

ولكي يسلّموا السلطة على طبق الإفلاس والشح، للقوائم الأخرى في حال فوزها، حتى تعجز عن فعل شئ (كتبت حول ذلك في مقال سابق: حتى لا تتحول كُردستان إلى جزائر أخرى).


لقد أصبح رحيل هذين الحزبين المتخلفين، الدمويين، أمراً أكثر ضرورة من الهواء والماء لكُردستان، التي تعاني من الموت، منذ إستحواذ هذه الكائنات على نتائج معانات وكفاح الشعب الكُردي عام 1991!

السبب وراء تحديد 25 تموز يوما للإنتخابات، هو إقتناء فترة كافية للحزبين (يدخلان الإنتخابات بقائمة واحدة)، للقيام بتقديم بعض الخدمات السريعة لتضليل الناس، وذر الرماد في أعينهم. وكذلك هناك أسباب أخرى، ربما منها توظيف الأموال من أجل الدعاية الإنتخابية التي تدور في معظمها في دائرة تشويه الآخرين، والنيل من سمعتهم، والتطبيل المستمر لإنجازات ومشاريع لا وجود لها.

وإن لم تنفع هذه الوسائل للفوز بالإنتخابات، قد يتم تحضير كل شئ وراء الكواليس لكسب الأصوات، ونتائج الإقتراع، كما جرى في عام 2006 وتم نشر تفاصيل كثيرة عنهافي الصحافة الكُردية.

وقبيل الإقتراع بأيام شنّ الحزب quot;الديموقراطي الكُردستانيquot; هجوماً دموياً على الإتحاد الإسلامي، وهو حزب مدني غير مسلح. في الهجوم تم قتل أعضاء من قيادة الإتحاد، وجرح أعداد أخرى، فضلاً عن نهب ممتلكات المقرات والمكاتب التابعة له.

وحتى يوم الإنتخابات، قام مسلحون من quot;الديموقراطيquot; بالهجوم على أمين عام الإتحاد الإسلامي صلاح الدين بهاء الدين، والإعتداء عليه ضربا!

قبل أسابيع أعلن إبن عم مسعود بارزاني، عبد المصور بارزاني قائمته المستقلة للإنتخابات القادمة، مما حدا بمسعود إيصال رسالة شفوية إلى عبد المصور، كما يتم تناقله في الاقليم، يطلبه فيها ترك منطقة بارزان!

عبد المصور نفذ الأمر، وأنقذ نفسه هارباً إلى مدينة السليمانية، التي يقيم فيها الآن!

وبما أن الحزبان المتسلطان يملكان المال والسلاح، فإن التهديد، والإرهاب والإغتيال، سيكون أمراً حتمياً بدليل التجربة التي شاهدناها بأم أعيننا لأعوام طويلة.

هذه هي الأجواء قبل الإنتخابات في كُردستان.

إنه حري بالأكراد اليوم، التفكير الجدي في مستقبلهم، ومستقبل أجيالهم. يجب على شعب الإقليم أن لا يخدعه بعض الخدمات الآنية ـ وهي من حقهم على أية حال ـ، وعدم الخوف والتردد في إرسال الطغمة الحاكمة إلى مزابل التأريخ.

وجود قائمة نصف علماني نصف إسلامي، يدلّ دلالة قوية على النضوج السياسي والثقافي لدى الأحزاب التي تعاني الغبن والظلم، من قبل السلطة العشائرية القائمة.

القائمة الرباعية التي تضم الإتحاد الإسلامي، وحزب الكادحين، والجماعة الإسلامية والحزب الإشتراكي تمثل حالة غنية، وظاهرة سياسية ملفتة للنظر على أسس الإعتدال والعقلانية، لبناء نظام ديموقراطي يؤمّن الحرية والعيش المشترك للإسلاميين والعلمانيين، بعيداً عن المصادمة والقتال.

هذه القائمة تستطيع حقاً أن تكون بديلاً تأريخياً للسلطة القائمة، لنقل شعب الإقليم من سلطة العشيرة إلى نظام مدني أفضل من الإنحطاط الراهن.

وإذا كان التنظيمان الإسلامييان يشكلّان الجناح الأكبر، في هذه القائمة، فإن ذلك لم يمنعهما من التفكير في ترشيح رئيس الحزب الإشتراكي حَمَي حاجي محمود (المعروف بكاكه حمه)، لمنصب رئيس الإقليم وهو فعلاً يستحق ذلك أكثر من رئيس الإقليم الحالي. فـ (كاكه حَمه) شخصية لها رصيد نضالي مشهود من قبل الأوساط الكُردية. وكذلك فإن قادر عزيز رئيس حزب الكادحين، شخصية وطنية معتدلة في نظر الكثيرين. وعزيز معروف عند أحزاب الإقليم بإعتداله السياسي. وبالنسبة للتنظيمين الإسلاميين، فلا شك أنهما معتدلان ومتزنان. وقد حاول الحزبان المتسلطان جرّ هذين التنظيمين الإسلاميين إلى ردود فعل حرب العصابات وما شابه ذلك، عبر الظلم والإستبداد الذي مورس بحقهما، لكن الإسلاميين بفضل التجربة والنضوج، بقيادة واعية ومفكرة، تجنبوا مواجهة ظلم الحزبين المتسلطين بردود فعل عنيفة غير عقلانية!

فمامارسه الحزبان ضد الجماعة الإسلامية، والإتحاد الإسلامي كان كفيلاً بتحويل كُردستان إلى أفغانستان ثانية، لكن حكمة قيادات هذين التنظيمين حالت دون وقوع ذلك.

ويجدر بنا أن نتذكر موقف الشيخ علي بابير، حين وشى لدى الأميركيين، من احد الاحزاب النافذة بتهمة إرتباطه بحزب البعث. في إثر ذلك تم إعتقال بابير وزج به في سجون بغداد، لمدة تقرب من عامين، تم فيها تعذيبه بدنياً ونفسياً. لكن فشل ذلك الحزب في تقديم الأدلة على إرتباط بابير بالبعث، إلى الأميركيين، فتم إطلاق سراحه. وكان الحزب قد أعطى معلومات كاذبة للأميركيين بوجود قواعد لمنظمة أنصار الإسلام المتطرفة، في منطقة خورمال مما أدى إلى قصف مقرات الجماعة الإسلامية عبر الصواريخ بعيدة المدى من البحر الأحمر، وأدى إلى مقتل حوالي سبعين شخصاً من أعضاء الجماعة بينهم نساء وأطفال!

وآوان الهجوم الأميركي على العراق عام 2003، نصب ذلك الحزب كميناً لأحد أعضاء المكتب السياسي للجماعة الإسلامية عبدالله قصري، وتم إغتياله فوراً. وتمت العملية بإشراف إبن الرئيس الحالي للعراق جلال طالباني!

هذا الإرهاب المنحط دُبّر لجرّ الجماعة بقيادة علي بابير، إلى ساحة الإرهاب والتفجيرات، لتبرير القضاء عليها وحظرها في كل مكان، كما حدث ذلك مع منظمة أنصار الإسلام. لكن بابيراً ومعه قيادات الجماعة، تعاملوا مع الأحداث بمنتهى المسئولية والشعور الوطني، والحفاظ على السلم الأهلي، فرفضوا المواجهة المسلحة أو العمل بالثأر، كما فعلت ذلك منظمة أنصار الإسلام الأصولية!

ودلالة الحكمة والإعتدال بالنسبة للجماعة الإسلامية والإتحاد الإسلامي، تكمن ـ على سبيل المثال ـ في ما يجري من حديث حول ترشيح رئيس الحزب الإشتراكي، لمنصب رئيس إقليم كُردستان، بالرغم من كون الإسلاميين الطرف الأقوى في القائمة. هذا الموقف يدلّ على شعور عظيم بالمسئولية، والشفافية، وإستشراف مستقبل آمنٍ وحرّ.

إن إنتخاب هذه القائمة من قبل شعب الإقليم، يشكل ضمانة حقيقية للإنتقال إلى دولة المؤسسات، والقضاء على مركز القوى العشائرية التي تدير دفة الفساد في كُردستان.

ومن المفترض، أن تقوم هذه الأحزاب الأربعة بوضع برنامج مشترك متكامل لما بعد مرحلة الإنتخابات، من أجل تهيئة أرضية مشتركة لبناء المؤسسات الدستورية وفق قواعد الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وكذلك لفصل السلطات التنفيذية التي لا وجود لها اليوم في كُردستان، إلّا وهي كلّها بيد العشيرة المظفرة بالمال، وعرض العضلات بدعم الدول الإقليمية!

هذه القائمة تحتاج إلى الشجاعة، وعدم التراجع أمام الإرهاب والتهديد والإغراء، الذي يأتيهم من قبل سلطة العشيرة.

قد تلجأ بعض الاحزاب إلى خلق فوضى معينة، عبر إغتيال شخصيات معروفة للأحزاب المنافِسة، وعبر إنفجارات إرهابية، لإعلان حالة الطوارئ وإلغاء نتائج الإنتخابات، في حال عدم فوز قائمتها!

ولا شك أن إيران مباشرة، وعبر سلطة بغداد ستتدخل في شؤون كُردستان، للحيلولة دون ظهور قوى مجهولة النوايا والمواقف منها. فالوضع القائم يُعتبر مرحلة ذهبية بالنسبة لإيران، خصوصاً وأن قادة سلطة الإقليم من الحزبين رهن إشارتها!

على الأحزاب الأربعة، وقائمة التغيير برئاسة نوشيروان مصطفى، أخذ الحيطة والحذر من التقلبات الأمنية، والمؤامرات التي تجري وراء الكواليس لضمان الفوز لقائمة السلطة أو إلغاء النتائج عكس ذلك بطرق مختلفة، ليس أقلها فوضى مؤقتة تدبرها السلطة، لإعادة السيطرة وإلغاء التغييرات المحتملة!

علي سيريني

[email protected]