إنها وديعة كيمامة على قبة مسجد، كنيسة، كنيس أو معبد
عاصمة قلوب العشاق رافعي رايات المحبة
عاصمة الإخاء للقوميات الأربع quot;أربا خاquot;
مسكن ودار للأدباء والعلماء والفنانين
كركوك
ليست مدينة كركوك عاصمة للثقافة العراقية بل إنها عاصمة للثقافة الإنسانية وعبر العصور. منذ ان رفع فيها بنيان اول بيت او معبد على قمة قلعتها الرابية على تل ينير سمائها وهج نيران بابا كركر، مدينة رفع أبنائها دوما رايات المحبة والتسامح حتى حين تنازع الآخرون من اجلها وتصارعوا حول تقسيم ثرواتها وما من جوفها من رحيق quot;نفطquot; ينير مصابيح العالم ويدير عجلات التطور والتمدن في مصانعها. مدينة شاء القدر ان تعطي وتهب الجميع من ماله بينما يبقى أبنائها عفيفين فقراء محتاجين يكافحون من اجل لقمة عيش وحياة كريمة بينما لا يرى اي زائر وجه المدينة كمدينة quot;دالاس الشرقquot; بل مدينة لا تزال تعيش ايام مدن العصور الوسطى الأوربية حيث كان الشرق سعيدا آنذاك.
المدينة أعلنت نفسها ولمرات عدة عبر تاريخها إنها أمينة على أرواح أبنائها تحتضنهم بمودة وحب مهما اختلفوا واختلف الآخرون عليهم فبات ملجئا وحاميا لكل ملتجئ جار به الزمن ومن كل أنحاء البلاد ومن إيران وتركيا وفلسطين. يوجد اليوم اثار كل تلك الشعوب وحضارة العراق القديم وأماكن عبادتهم جنبا الى جنب في المدينة وفي احيائها القديمة. بينما تجد في كل ما أبدعه القريحة الإبداعية للإنسان الكركوكي طعم عالم مختلف تماما عن العوالم الاخرى، فها هنا يغني المطربون بكل لغات الكون ويكتبون بكل لغات العالم ويرددون نفس الأغنية وبكل اللهجات واللغات فيتردد صدى أغانيهم من سطح ثرى العراق مكونا بوتقة ثقافية فريدة في منطقة الشرق الأوسط لا في العالم اجمع.
كتبت خلال عقود عن المدينة وابنائها واحيائها وفنونها ومعارفها وملاعب الصبا وسجون الظالمين ومقابر الطغاة، كتبت كي أوثق كل صغيرة وكبيرة في هذه المدينة العزيزة لأقدم لكل قارئ أينما كان صورة صادقة ولابين بان كل حقد عنصري قومي أعمى سيأتي بالدمار لهذا الإنسان الذي يغني باربع لغات. بينما كان ولا يزال وللأسف الشديد آخرون يوزعون هويات قومية للفناني المدينة وكتابها وعلمائها يحصرونهم في زوايا ضيقة ويودخلونهم في حجر مظلمة ينعتونهم بشتى الألقاب ليفصلوا بين أبناء العمومة والأخوال بين الجيران. اليوم يتجمع الناس في احياء ذو طابع تحمل هوية قومية واحدة في كانتونات ذو لون وعرق واحد ويرفعون راية ذو لون احادي ويلبسون ملابسهم بلون واحد ويدندنون بنغمة واحدة لا لون لها. هكذا اغتال مثقف المدينة بكتاباتهم المدينة وبقى الانسان الكركوكي المعذب يردد الحان الأولين بصمت وبكل اللغات بالتوركمانية والارمنية والعربية والسريانية حتي لو كانت تلك الأغنية لحنها كردي وبالكردية كانت أشعارها.
كركوك قارئي الكريم تراكمية ثقافية فريدة أنتجتها عبقرية إنسانها المكافح من اجل البقاء. كركوك كجسم البشر لكل عضو فيه مكانة وقيمة ووظيفة يعمل على بقاء النفس البشرية على قيد الحياة بينما يجري السائل اللزج في بطون ثراه ليعطيهم الألم ويصيب إنسانه الكئابة والقنوط.
كركوك عاصمة قلوب أبنائها وستبقى كذلك
اكتبوا لكركوك التسامح والمحبة
انشروا المحبة بين الناس لقد عشنا معا جنبا الى جنب الاف الدهور كي نصل الى يومنا هذا فدعنا نتركه للاجيال القادة عاصمة ثقافية تسامحيه يشد أواصر المحبة وينشر رايات السلام.
د. توفيق آلتونجي
التعليقات